
هل يستطيع نتنياهو إنهاء الحرب على إيران؟
قبل أن يبزغ فجر يوم الجمعة (13/6/2025)، كانت عشرات الطائرات الحربية الإسرائيلية من أحدث الطرازات الأميركية، بما فيها إف 35، تصطفّ استعداداً للانطلاق صوب إيران، وكانت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية قد تمكّنت، في الوقت نفسه، من إدخال مجموعة عرباتٍ كثيرة إلى أراضٍ إيرانية، وملأتها بمسيّرات انتحارية، وبأطقم فنّية قادرة على تركيبها وإطلاقها في اللحظة نفسها التي كانت فيها الطائرات الحربية المقبلة من فلسطين المحتلة تلقي بحممها على المواقع الإيرانية المستهدفة. وحين فرغ الجميع من أداء المهام الموكلة إليه، أُعلن رسمياً شنّ إسرائيل حرباً شاملةً على إيران، أمسكت فيها بزمام المبادرة.
لم تشكّل هذه الخطوة في حدّ ذاتها مفاجأةً، فكلّ المتابعين لمسار العلاقات الإسرائيلية الإيرانية يدركون أن إسرائيل تخطّط لشنّ حرب على إيران، وتستعدّ لها، منذ أكثر من عقد، لكن المفاجأة في التوقيت. فقبل يوم من اندلاع هذه الحرب، أعلن وزير الخارجية العُماني أن الجولة السادسة من المفاوضات الأميركية الإيرانية ستعقد في مسقط الأحد (15 يونيو/ حزيران الجاري)، وصدرت تصريحات أميركية عديدة، بعضها من الرئيس ترامب نفسه، تتسم بالتفاؤل، وتؤكّد أن المفاوضات تمضي في الاتجاه الصحيح، وتتوقّع التوصّل إلى اتفاق جديد حول برنامج إيران النووي خلال فترة وجيزة. ولأن أولى النتائج المترتّبة على الاندلاع المفاجئ للحرب كانت توقّف هذه المفاوضات، فقد ثارت تساؤلات كثيرة بشأن حقيقة ما يجري وراء الكواليس، وحول ما إذا كان الغرض من الحرب قطع الطريق على اتفاق وشيك لا يلبّي مطالب ترامب، أم إن المفاوضات نفسها، وأجواء التفاؤل التي أحيطت بها، كانت جزءاً من خطّة "خداع استراتيجي"، اتفق عليها مسبقاً بين ترامب ونتنياهو؟
رفض طهران شروط ترامب - نتنياهو في المفاوضات النووية، أدى إلى قناعة بأن تحقيقها غير ممكن مع استمرار النظام الإيراني
ترجّح المعلومات المتاحة كفّة نظرية المؤامرة، فمنذ اللحظة الأولى لدخول ترامب البيت الأبيض، في بداية ولايته الثانية، بدا واضحاً أن السياسة التي ينوي انتهاجها نحو إيران تكاد تكون نسخةً من سياسة نتنياهو، خصوصاً في ما يتعلّق بالأهداف والغايات النهائية، وأن كلّ ما يقال عن تباينهما في بعض التفاصيل كان إمّا بشأن وسائل تحقيق الأهداف المتّفق عليها، وإما أنه يجري في سياق لعبة متّفق عليها للتضليل وممارسة الخداع، فلو أن الهدف الحقيقي انحصر في منع إيران من تصنيع سلاح نووي، كما تدّعي إدارة ترامب، لأمكن التوصّل بسهولة إلى اتفاق يمنع إيران من تصنيع سلاح نووي، ويحفظ لها، في الوقت نفسه، حقوقها في استخدام الطاقة النووية في الأغراض السلمية، في إطار برنامجٍ تشرف عليه الوكالة الدولية، حتى لو تطلّب الأمر الاستعانة بمفتّشين أميركيين. غير أن أهداف نتنياهو كانت أكثر من ذلك بكثير، وتتضمّن مطالبة إيران بالتخلّص من برنامجها النووي بالكامل، بما في ذلك منع التخصيب في أراضيها (النموذج الليبي)، وبتدمير برنامجها الصاروخي، والالتزام بقطع العلاقة مع الفصائل التي تناصب إسرائيل العداء. ولأنها أهداف غير قابلة للتحقّق في ظلّ استمرار النظام الإيراني الحالي، فمن الطبيعي أن يؤدّي الإصرار عليها إلى انكشاف حقيقة أن إسقاط النظام الإيراني هو الهدف النهائي المتّفق عليه بين ترامب ونتنياهو، فالضربة التي وُجِّهت إلى إيران فجر الجمعة لا تشي أبداً بأن هدفها كان مجرّد الضغط على النظام الإيراني لدفعه إلى تقديم مزيد من التنازلات، وإنما إضعاف قبضته على مؤسّسات الدولة بما يكفي لإسقاطه. فقد استخدمت فيها إسرائيل كلّ ثقلها العسكري والاستخباراتي، ما مكّنها من التخلّص من عدد كبير من أبرز القيادات والرموز السياسية والعسكرية والعلمية. ولأن النظام الإيراني بدا في مرآة هذه الضربة المفاجئة والساحقة مخترقاً حتى النخاع، توقّعت إسرائيل أن يؤدّي الاستمرار في الحرب بعض الوقت، مع تتالي الضربات، إلى تفكّك النظام وانهياره، وهو ما لم يحدُث. صحيح أنه ظهر عقب الضربة مباشرة في حالة ارتباكٍ لا تسمح له بردّ سريع أو متكافئ، لكنّه سرعان ما أظهر قدراً لا بأس به من التماسك، قبل أن يتمكّن (بمرور الوقت) من استعادة توازنه ليصبح تدريجياً في وضعٍ يسمح له باستيعاب الضربة، وربّما بخوض حرباً طويلة المدى، يصعب أن يهزم فيها بالضربة القاضية أو حتى بالنقاط.
حتى في حالة عجز إيران عن تسديد ضربات موجعة للقواعد الأميركية في المنطقة، تملك أوراقاً أخرى كثيرة، ربّما أهمها إغلاق مضيق هرمز
سبق لكثيرين أن ناقشوا أفكاراً تتعلّق بمدى قدرة إسرائيل على احتمال حرب طويلة المدى، ونجاحها الدائم في نقل كلّ حروبها خارج أراضيها. وحين صمدت في حرب "طوفان الأقصى" منذ ما يقارب عامَين، وتمكّنت من نقلها إلى خارج أراضيها، رغم خوضها في جبهات متعدّدة، بدأ بعضهم في مراجعة مواقفه السابقة، وراح يروّج أن إسرائيل تغيّرت، وأصبحت قادرةً، ليس على الصمود في حرب طويلة المدى فحسب، وإنما على تحقيق النصر فيها أيضاً، وبالتالي يتوقّع ألا تتأثر كثيراً بامتداد الحرب الحالية إلى الساحة الإيرانية. غير أن وجهة النظر هذه تتغافل عن عوامل كثيرة ينبغي أخذها في الاعتبار، فالحرب التي تخوضها إسرائيل منذ "طوفان الأقصى" كانت حتى يوم 13 يونيو/ حزيران الحالي في مواجهة فاعلين غير دوليّين. ومع ذلك، لم تتمكّن من تحقيق انتصار حاسم فيها، فحركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية الأخرى ما تزال تقاتل، رغم ما لحق بقطاع غزّة من دمار شامل، وحزب الله لم يُهزم رغم خروجه مؤقّتاً من الميدان، حرصاً على تماسك الوضع الداخلي، وجماعة أنصار الله اليمنية ما تزال تواصل إطلاق صواريخها ومسيّراتها على أماكن حيوية في إسرائيل. وحتى بافتراض أن الأخيرة حقّقت بالفعل إنجازاتٍ يعتدّ بها في حروبها السابقة كافّة، إلا أن الوضع يبدو مختلفاً هذه المرّة.
تجدر الإشارة هنا إلى أن إسرائيل لم تدخل حرباً نظاميةً مع أي دولة منذ 1973، كما لم يكن بمقدورها حسم أيّ من الحروب التي خاضتها مع الدول العربية المجاورة إلا عبر عمليات اجتياح برّي واسع، وهو ما يستحيل عليها القيام به في حربها الحالية مع إيران، بالنظر إلى بعد المسافة بينهما. فإذا أضفنا إلى هذا أن إيران تبدو حالياً الدولة الوحيدة التي نجحت بالفعل في نقل المعركة إلى قلب إسرائيل، لتبيّن لنا بوضوح أن الوقت لم يعد يعمل لصالح إسرائيل، وأن الفرصة باتت متاحةً أمام إيران لمنع إسرائيل من تحقيق أهدافها في حربها الراهنة، إن لم يكن إلحاق الهزيمة بها، فموازين القوى الشاملة بين البلدَين تميل بشكل حاسم لصالح إيران، خصوصاً إذا أدخلنا في الاعتبار المعطيات المتعلّقة بالمساحة وتعداد السكّان وحجم ونوعية الموارد الطبيعية المتاحة للبلدَين، ما يرجّح كفّة إيران في حال تمكّنها من تحويل الحرب الراهنة حربَ استنزاف طويلة المدى. صحيح أن إسرائيل تتمتّع بتفوّق تكنولوجي كبير في مجالات مهمة عديدة، لكن إيران ليست دولةً متخلّفةً، وتمكّنت من الاعتماد على نفسها، ومن تحقيق اكتفاءٍ ذاتيٍّ في مجالات كثيرة، خصوصاً ما يتعلّق بتصنيع أنظمة التسليح التي أصبحت إيرانية بنسبة تكاد تصل إلى 100%، رغم الحصار والعقوبات المفروضة عليها منذ أكثر من أربعة عقود. ومع ذلك، قد لا يكون احتمال الإبقاء على الحرب محصورة بين إيران وإسرائيل واقعياً. فهل يعقل أن يكون نتنياهو قد قرّر المغامرة بإشعال شرارة حرب على هذا القدر من الخطورة قبل التيقّن من أن ترامب لن يتخلّى عنه تحت أيّ ظرف، خصوصاً إذا عجز عن حسمها لصالحه، ونجحت إيران في تحويلها حربَ استنزاف؟ وهل بمقدور ترامب السماح بأن تلحق بإسرائيل هزيمة كبرى؟ لكن ماذا عساه يفعل إذا فشل نتنياهو في تحقيق الأهداف التي يسعى إليها؟
أدلى ترامب أخيراً بتصريحاتٍ مذهلة، طالب فيها إيران بالتوقيع على صكّ الاستسلام. وتحتمل هذه التصريحات تفسيرَين متناقضَين، الأول أن ترامب يراهن على عجز إيران عن مواصلة الحرب، في ضوء خسائر كبيرة منيت بها خلال الضربة الافتتاحية، ومن ثمّ يرغب في الظهور بمظهر المشارك في صنع نصر على وشك التحقّق، وأن يتطلّع لقطف ثماره، وهو احتمال مُستبعَد، لأن الأوضاع الميدانية لا توحي بتمتّعه بأيّ قدر من المصداقية. والثاني احتمال تلقّي ترامب معلومات أمنية تفيد بأن الأوضاع الميدانية بدأت تميل إلى غير صالح إسرائيل، ما دفعه إلى إدلاء تصريحاتٍ تَصوَّر أنها يمكن أن تفيد في شنّ حرب نفسية تهدف إلى التأثير في الداخل الإيراني، أو في تهيئة الأجواء لتقبّل دخول الولايات المتحدة طرفاً مباشراً في الحرب، وهو احتمال لا ينبغي استبعاده بالمطلق، رغم كلّ ما يحيط به من محاذير.
أسهمت الحرب الإسرائيلية على إيران في تماسك الشعب الإيراني والتفافه حول نظامه الحاكم
إذ تشير دلائل عديدة إلى أن الحرب، وعلى عكس ما توقّعت إسرائيل، أسهمت في تماسك الشعب الإيراني، وفي التفافه حول نظامه الحاكم، وبالتالي، أسقطت فرضية احتمال أن تفضي الضربة الافتتاحية إلى اندلاع ثورة شعبية تطيح النظام الإيراني. ولأنه نظام ثوري وعقائدي في الوقت نفسه، فإن الرهان على احتمال توقيعه على صكّ استسلام لإنقاذ رقبته يعدّ نوعاً من أضغاث الأحلام. وحتى بافتراض إقدام الولايات المتحدة على تدمير مفاعل فوردو، ونجاحها في اتخاذ التدابير التي تحول دون تمكين إيران من توجيه ضربة قاسية لقواعدها ولمصالحها في المنطقة، فلن يغيّر هذا "الإنجاز" شيئاً في الواقع، والأرجح أن تضطر لمواصلة الانغماس في الحرب إلى أن تتحقّق جميع أهدافها، ما يفتح الباب واسعاً أمام اضطراباتٍ قد لا تقوى المنطقة على احتمالها، فإيران، حتى في حالة العجز عن تسديد ضربات موجعة للقواعد الأميركية في المنطقة، تملك أوراقاً أخرى كثيرة، ربّما أهمها إغلاق مضيق هرمز، لذا يصعب تصوّر أن تقدم الولايات المتحدة على اتخاذ قرار بالتدخّل العسكري المباشر في الحرب لإنقاذ إسرائيل. والأرجح أن يضطر الجميع للعودة إلى طاولة المفاوضات، ولكن ليس للتمتّع بمشاهدة المرشد الأعلى وهو يوقّع على صكّ الاستسلام، كما يحلم ترامب. ومع ذلك، علينا أن نتذكّر أن التاريخ شاهد على وصول زعماء كثر إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع، ثمّ أصيبوا بجنون السلطة وشهوتها. فهل يصبح ترامب من هؤلاء؟
كان بمقدور نتنياهو أن يبدأ حرباً غير مبرّرة وغير عادلة على إيران، لكنّ كاتب هذه السطور يظن أنه لن يستطيع أن ينهيها على النحو الذي يريد.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العربي الجديد
منذ 5 ساعات
- العربي الجديد
هل يستطيع نتنياهو إنهاء الحرب على إيران؟
قبل أن يبزغ فجر يوم الجمعة (13/6/2025)، كانت عشرات الطائرات الحربية الإسرائيلية من أحدث الطرازات الأميركية، بما فيها إف 35، تصطفّ استعداداً للانطلاق صوب إيران، وكانت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية قد تمكّنت، في الوقت نفسه، من إدخال مجموعة عرباتٍ كثيرة إلى أراضٍ إيرانية، وملأتها بمسيّرات انتحارية، وبأطقم فنّية قادرة على تركيبها وإطلاقها في اللحظة نفسها التي كانت فيها الطائرات الحربية المقبلة من فلسطين المحتلة تلقي بحممها على المواقع الإيرانية المستهدفة. وحين فرغ الجميع من أداء المهام الموكلة إليه، أُعلن رسمياً شنّ إسرائيل حرباً شاملةً على إيران، أمسكت فيها بزمام المبادرة. لم تشكّل هذه الخطوة في حدّ ذاتها مفاجأةً، فكلّ المتابعين لمسار العلاقات الإسرائيلية الإيرانية يدركون أن إسرائيل تخطّط لشنّ حرب على إيران، وتستعدّ لها، منذ أكثر من عقد، لكن المفاجأة في التوقيت. فقبل يوم من اندلاع هذه الحرب، أعلن وزير الخارجية العُماني أن الجولة السادسة من المفاوضات الأميركية الإيرانية ستعقد في مسقط الأحد (15 يونيو/ حزيران الجاري)، وصدرت تصريحات أميركية عديدة، بعضها من الرئيس ترامب نفسه، تتسم بالتفاؤل، وتؤكّد أن المفاوضات تمضي في الاتجاه الصحيح، وتتوقّع التوصّل إلى اتفاق جديد حول برنامج إيران النووي خلال فترة وجيزة. ولأن أولى النتائج المترتّبة على الاندلاع المفاجئ للحرب كانت توقّف هذه المفاوضات، فقد ثارت تساؤلات كثيرة بشأن حقيقة ما يجري وراء الكواليس، وحول ما إذا كان الغرض من الحرب قطع الطريق على اتفاق وشيك لا يلبّي مطالب ترامب، أم إن المفاوضات نفسها، وأجواء التفاؤل التي أحيطت بها، كانت جزءاً من خطّة "خداع استراتيجي"، اتفق عليها مسبقاً بين ترامب ونتنياهو؟ رفض طهران شروط ترامب - نتنياهو في المفاوضات النووية، أدى إلى قناعة بأن تحقيقها غير ممكن مع استمرار النظام الإيراني ترجّح المعلومات المتاحة كفّة نظرية المؤامرة، فمنذ اللحظة الأولى لدخول ترامب البيت الأبيض، في بداية ولايته الثانية، بدا واضحاً أن السياسة التي ينوي انتهاجها نحو إيران تكاد تكون نسخةً من سياسة نتنياهو، خصوصاً في ما يتعلّق بالأهداف والغايات النهائية، وأن كلّ ما يقال عن تباينهما في بعض التفاصيل كان إمّا بشأن وسائل تحقيق الأهداف المتّفق عليها، وإما أنه يجري في سياق لعبة متّفق عليها للتضليل وممارسة الخداع، فلو أن الهدف الحقيقي انحصر في منع إيران من تصنيع سلاح نووي، كما تدّعي إدارة ترامب، لأمكن التوصّل بسهولة إلى اتفاق يمنع إيران من تصنيع سلاح نووي، ويحفظ لها، في الوقت نفسه، حقوقها في استخدام الطاقة النووية في الأغراض السلمية، في إطار برنامجٍ تشرف عليه الوكالة الدولية، حتى لو تطلّب الأمر الاستعانة بمفتّشين أميركيين. غير أن أهداف نتنياهو كانت أكثر من ذلك بكثير، وتتضمّن مطالبة إيران بالتخلّص من برنامجها النووي بالكامل، بما في ذلك منع التخصيب في أراضيها (النموذج الليبي)، وبتدمير برنامجها الصاروخي، والالتزام بقطع العلاقة مع الفصائل التي تناصب إسرائيل العداء. ولأنها أهداف غير قابلة للتحقّق في ظلّ استمرار النظام الإيراني الحالي، فمن الطبيعي أن يؤدّي الإصرار عليها إلى انكشاف حقيقة أن إسقاط النظام الإيراني هو الهدف النهائي المتّفق عليه بين ترامب ونتنياهو، فالضربة التي وُجِّهت إلى إيران فجر الجمعة لا تشي أبداً بأن هدفها كان مجرّد الضغط على النظام الإيراني لدفعه إلى تقديم مزيد من التنازلات، وإنما إضعاف قبضته على مؤسّسات الدولة بما يكفي لإسقاطه. فقد استخدمت فيها إسرائيل كلّ ثقلها العسكري والاستخباراتي، ما مكّنها من التخلّص من عدد كبير من أبرز القيادات والرموز السياسية والعسكرية والعلمية. ولأن النظام الإيراني بدا في مرآة هذه الضربة المفاجئة والساحقة مخترقاً حتى النخاع، توقّعت إسرائيل أن يؤدّي الاستمرار في الحرب بعض الوقت، مع تتالي الضربات، إلى تفكّك النظام وانهياره، وهو ما لم يحدُث. صحيح أنه ظهر عقب الضربة مباشرة في حالة ارتباكٍ لا تسمح له بردّ سريع أو متكافئ، لكنّه سرعان ما أظهر قدراً لا بأس به من التماسك، قبل أن يتمكّن (بمرور الوقت) من استعادة توازنه ليصبح تدريجياً في وضعٍ يسمح له باستيعاب الضربة، وربّما بخوض حرباً طويلة المدى، يصعب أن يهزم فيها بالضربة القاضية أو حتى بالنقاط. حتى في حالة عجز إيران عن تسديد ضربات موجعة للقواعد الأميركية في المنطقة، تملك أوراقاً أخرى كثيرة، ربّما أهمها إغلاق مضيق هرمز سبق لكثيرين أن ناقشوا أفكاراً تتعلّق بمدى قدرة إسرائيل على احتمال حرب طويلة المدى، ونجاحها الدائم في نقل كلّ حروبها خارج أراضيها. وحين صمدت في حرب "طوفان الأقصى" منذ ما يقارب عامَين، وتمكّنت من نقلها إلى خارج أراضيها، رغم خوضها في جبهات متعدّدة، بدأ بعضهم في مراجعة مواقفه السابقة، وراح يروّج أن إسرائيل تغيّرت، وأصبحت قادرةً، ليس على الصمود في حرب طويلة المدى فحسب، وإنما على تحقيق النصر فيها أيضاً، وبالتالي يتوقّع ألا تتأثر كثيراً بامتداد الحرب الحالية إلى الساحة الإيرانية. غير أن وجهة النظر هذه تتغافل عن عوامل كثيرة ينبغي أخذها في الاعتبار، فالحرب التي تخوضها إسرائيل منذ "طوفان الأقصى" كانت حتى يوم 13 يونيو/ حزيران الحالي في مواجهة فاعلين غير دوليّين. ومع ذلك، لم تتمكّن من تحقيق انتصار حاسم فيها، فحركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية الأخرى ما تزال تقاتل، رغم ما لحق بقطاع غزّة من دمار شامل، وحزب الله لم يُهزم رغم خروجه مؤقّتاً من الميدان، حرصاً على تماسك الوضع الداخلي، وجماعة أنصار الله اليمنية ما تزال تواصل إطلاق صواريخها ومسيّراتها على أماكن حيوية في إسرائيل. وحتى بافتراض أن الأخيرة حقّقت بالفعل إنجازاتٍ يعتدّ بها في حروبها السابقة كافّة، إلا أن الوضع يبدو مختلفاً هذه المرّة. تجدر الإشارة هنا إلى أن إسرائيل لم تدخل حرباً نظاميةً مع أي دولة منذ 1973، كما لم يكن بمقدورها حسم أيّ من الحروب التي خاضتها مع الدول العربية المجاورة إلا عبر عمليات اجتياح برّي واسع، وهو ما يستحيل عليها القيام به في حربها الحالية مع إيران، بالنظر إلى بعد المسافة بينهما. فإذا أضفنا إلى هذا أن إيران تبدو حالياً الدولة الوحيدة التي نجحت بالفعل في نقل المعركة إلى قلب إسرائيل، لتبيّن لنا بوضوح أن الوقت لم يعد يعمل لصالح إسرائيل، وأن الفرصة باتت متاحةً أمام إيران لمنع إسرائيل من تحقيق أهدافها في حربها الراهنة، إن لم يكن إلحاق الهزيمة بها، فموازين القوى الشاملة بين البلدَين تميل بشكل حاسم لصالح إيران، خصوصاً إذا أدخلنا في الاعتبار المعطيات المتعلّقة بالمساحة وتعداد السكّان وحجم ونوعية الموارد الطبيعية المتاحة للبلدَين، ما يرجّح كفّة إيران في حال تمكّنها من تحويل الحرب الراهنة حربَ استنزاف طويلة المدى. صحيح أن إسرائيل تتمتّع بتفوّق تكنولوجي كبير في مجالات مهمة عديدة، لكن إيران ليست دولةً متخلّفةً، وتمكّنت من الاعتماد على نفسها، ومن تحقيق اكتفاءٍ ذاتيٍّ في مجالات كثيرة، خصوصاً ما يتعلّق بتصنيع أنظمة التسليح التي أصبحت إيرانية بنسبة تكاد تصل إلى 100%، رغم الحصار والعقوبات المفروضة عليها منذ أكثر من أربعة عقود. ومع ذلك، قد لا يكون احتمال الإبقاء على الحرب محصورة بين إيران وإسرائيل واقعياً. فهل يعقل أن يكون نتنياهو قد قرّر المغامرة بإشعال شرارة حرب على هذا القدر من الخطورة قبل التيقّن من أن ترامب لن يتخلّى عنه تحت أيّ ظرف، خصوصاً إذا عجز عن حسمها لصالحه، ونجحت إيران في تحويلها حربَ استنزاف؟ وهل بمقدور ترامب السماح بأن تلحق بإسرائيل هزيمة كبرى؟ لكن ماذا عساه يفعل إذا فشل نتنياهو في تحقيق الأهداف التي يسعى إليها؟ أدلى ترامب أخيراً بتصريحاتٍ مذهلة، طالب فيها إيران بالتوقيع على صكّ الاستسلام. وتحتمل هذه التصريحات تفسيرَين متناقضَين، الأول أن ترامب يراهن على عجز إيران عن مواصلة الحرب، في ضوء خسائر كبيرة منيت بها خلال الضربة الافتتاحية، ومن ثمّ يرغب في الظهور بمظهر المشارك في صنع نصر على وشك التحقّق، وأن يتطلّع لقطف ثماره، وهو احتمال مُستبعَد، لأن الأوضاع الميدانية لا توحي بتمتّعه بأيّ قدر من المصداقية. والثاني احتمال تلقّي ترامب معلومات أمنية تفيد بأن الأوضاع الميدانية بدأت تميل إلى غير صالح إسرائيل، ما دفعه إلى إدلاء تصريحاتٍ تَصوَّر أنها يمكن أن تفيد في شنّ حرب نفسية تهدف إلى التأثير في الداخل الإيراني، أو في تهيئة الأجواء لتقبّل دخول الولايات المتحدة طرفاً مباشراً في الحرب، وهو احتمال لا ينبغي استبعاده بالمطلق، رغم كلّ ما يحيط به من محاذير. أسهمت الحرب الإسرائيلية على إيران في تماسك الشعب الإيراني والتفافه حول نظامه الحاكم إذ تشير دلائل عديدة إلى أن الحرب، وعلى عكس ما توقّعت إسرائيل، أسهمت في تماسك الشعب الإيراني، وفي التفافه حول نظامه الحاكم، وبالتالي، أسقطت فرضية احتمال أن تفضي الضربة الافتتاحية إلى اندلاع ثورة شعبية تطيح النظام الإيراني. ولأنه نظام ثوري وعقائدي في الوقت نفسه، فإن الرهان على احتمال توقيعه على صكّ استسلام لإنقاذ رقبته يعدّ نوعاً من أضغاث الأحلام. وحتى بافتراض إقدام الولايات المتحدة على تدمير مفاعل فوردو، ونجاحها في اتخاذ التدابير التي تحول دون تمكين إيران من توجيه ضربة قاسية لقواعدها ولمصالحها في المنطقة، فلن يغيّر هذا "الإنجاز" شيئاً في الواقع، والأرجح أن تضطر لمواصلة الانغماس في الحرب إلى أن تتحقّق جميع أهدافها، ما يفتح الباب واسعاً أمام اضطراباتٍ قد لا تقوى المنطقة على احتمالها، فإيران، حتى في حالة العجز عن تسديد ضربات موجعة للقواعد الأميركية في المنطقة، تملك أوراقاً أخرى كثيرة، ربّما أهمها إغلاق مضيق هرمز، لذا يصعب تصوّر أن تقدم الولايات المتحدة على اتخاذ قرار بالتدخّل العسكري المباشر في الحرب لإنقاذ إسرائيل. والأرجح أن يضطر الجميع للعودة إلى طاولة المفاوضات، ولكن ليس للتمتّع بمشاهدة المرشد الأعلى وهو يوقّع على صكّ الاستسلام، كما يحلم ترامب. ومع ذلك، علينا أن نتذكّر أن التاريخ شاهد على وصول زعماء كثر إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع، ثمّ أصيبوا بجنون السلطة وشهوتها. فهل يصبح ترامب من هؤلاء؟ كان بمقدور نتنياهو أن يبدأ حرباً غير مبرّرة وغير عادلة على إيران، لكنّ كاتب هذه السطور يظن أنه لن يستطيع أن ينهيها على النحو الذي يريد.

العربي الجديد
منذ 8 ساعات
- العربي الجديد
الإفراج عن الباحث بجامعة كولومبيا محمود خليل بعد 104 أيام من احتجازه
أفرجت وزارة الأمن الداخلي الأميركية، عن باحث جامعة كولومبيا محمود خليل أول متظاهر جامعي تعتقله إدارة الرئيس ترامب بغرض ترحيله إلى خارج البلاد لتأييده حقوق الفلسطينيين، وذلك بعدما أمر قاض فيدرالي بإنهاء احتجازه الذي استمر لمدة 104 أيام. وأمر قاضي فيدرالي في نيوجيرسي، الجمعة، بإطلاق فوري لسراح باحث جامعة كولومبيا الأميركية محمود خليل الفلسطيني الحاصل على الإقامة الدائمة الخضراء بالولايات المتحدة، لحين استكمال إجراءات الهجرة، غير أن وزارة الأمن الداخلي أعلنت، في بيان، أنّ قاضي الهجرة اتخذ قراراً بترحيله، وأنها ستلتزم بقرار قاضي الهجرة، قبل أن تتخذ قرارا بالإفراج عنه لاحقا. ورفض قاضي المحكمة الجزئية الأميركية مايكل فاربيارز، طلب الحكومة بوقف تنفيذ قرار الإفراج، مؤكداً أنّ خليل "لا يشكّل تهديداً للمجتمع"، وقال: "سيتم إطلاق سراح الملتمس من حجز إدارة الهجرة اليوم". وتقيد شروط الكفالة سفر خليل إلى نيوجيرسي ونيويورك وميشيغن وواشنطن العاصمة ولويزيانا حيث يجب عليه حضور جميع إجراءات الهجرة الخاصة به. واستندت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الصورة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ولد دونالد ترامب في 14 حزيران/ يونيو 1946 في مدينة نيويورك، لأبوين من أصول ألمانية واسكتلندية، تلقى تعليمه الأولي في مدرسة كيو فورست بمنطقة كوينز في مدينة نيويورك. التحق بالأكاديمية العسكرية في المدينة نفسها، وحصل عام 1964 على درجة الشرف منها، ثم انضم إلى جامعة فوردهام بنيويورك لمدة عامين، ثم التحق بجامعة بنسلفانيا، وحصل على بكالوريوس الاقتصاد 1968 في احتجاز ونيتها ترحيل محمود خليل، إلى بند نادر الاستخدام في القانون الأميركي، ينص على أن لوزير الخارجية سلطة ترحيل أشخاص إذا قدر أن وجودهم أو أنشطتهم من شأنها أن تؤثر على سياسة أميركا الخارجية، غير أن القاضي قرر عدم جواز الاحتجاز بناء على هذا القرار، وأن مبررات الحكومة لاستمرار احتجاز خليل غير كافية. وقال القاضي فاربيارز إنّ كل الأدلة التي قدمت تشير إلى عدم ارتكاب خليل العنف وغياب تدمير الممتلكات وعدم وجود دليل على التحريض على العنف. ورفض القاضي الأمر بمراقبة خليل إلكترونياً، مشيراً إلى انتهاك الكثير من حقوقه سابقاً وإلى أن هناك "محاولة لاستغلال تهمة الهجرة لمعاقبته"، معتبراً أنّ ذلك "غير دستوري". طلاب وشباب التحديثات الحية قاض أميركي يحكم بعدم جواز ترحيل الناشط محمود خليل وفي 8 مارس/ آذار الماضي، اعتقلت السلطات الأميركية، محمود خليل الذي قاد احتجاجات تضامنية في جامعة كولومبيا العام الماضي، تنديداً بالإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة. واعتباراً من مارس، ألغت الولايات المتحدة تأشيرات والوضع القانوني لبضع آلاف من الطلاب، ورفع العديد منهم دعاوى قضائية ضد إدارة ترامب بسبب إلغاء تأشيراتهم، وصدرت أوامر مؤقتة لإعادة الوضع القانوني إلى عدد قليل منهم. بدورها، قررت إدارة ترامب، الاستئناف على القرار، حسبما أعلنت المتحدثة باسم البيت الأبيض أبيجيل جاكسون. وقالت إنه "لا يوجد أساس قانوني لأن يصدر قاض فيدرالي محلي في نيوجيرسي قراراً بالإفراج عن خليل من مركز احتجاز في لويزيانا، ونتوقع الحكم لصالحنا في الاستئناف ونتطلع إلى ترحيله قريباً من الولايات المتحدة"، واتهمت الحكومة محمود خليل بأنه "يدعو إلى العنف ويمجد الإرهابيين ويدعمهم ويضايق اليهود". من جهتها، أعلنت وزارة الأمن الداخلي أنّ الإفراج عن خليل من عدمه من اختصاص قاضي الهجرة وليس القاضي الفيدرالي الذي وصفته بـ"المارق"، وقالت "يتمتع قاضي الهجرة وليس قاضي المقاطعة بسلطة تحديد ما إذا كان ينبغي إطلاق سراح خليل أو احتجازه. قاضي الهجرة أصدر قراراً اليوم بترحيله، أما قرار القاضي الآخر فيلحق ضرراً بنظامنا الدستوري ويقوّض ثقة الجمهور في المحاكم".


العربي الجديد
منذ 8 ساعات
- العربي الجديد
قاضية فيدرالية توقف مسعى ترامب لمنع جامعة هارفارد من استضافة طلاب أجانب
أصدرت قاضية فيدرالية، الجمعة، قراراً بوقف مساعي إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الصورة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ولد دونالد ترامب في 14 حزيران/ يونيو 1946 في مدينة نيويورك، لأبوين من أصول ألمانية واسكتلندية، تلقى تعليمه الأولي في مدرسة كيو فورست بمنطقة كوينز في مدينة نيويورك. التحق بالأكاديمية العسكرية في المدينة نفسها، وحصل عام 1964 على درجة الشرف منها، ثم انضم إلى جامعة فوردهام بنيويورك لمدة عامين، ثم التحق بجامعة بنسلفانيا، وحصل على بكالوريوس الاقتصاد 1968 لمنع جامعة هارفارد من استضافة طلاب دوليين. ويحافظ أمر أصدرته قاضية المحكمة الجزئية الأميركية، أليسون بوروز، على قدرة الجامعة على استضافة الطلاب الأجانب، إلى حين البت في القضية. ويمثل ذلك انتصاراً جديداً للجامعة العريقة في الوقت الذي تواجه فيه عدة عقوبات حكومية في خضم معركتها مع البيت الأبيض. وكانت الجامعة قد رفعت دعوى قضائية ضد وزارة الأمن الداخلي في مايو/ أيار، بعدما سحبت الوزارة اعتماد الجامعة لاستضافة الطلاب الأجانب وإصدار المستندات الخاصة بتأشيراتهم. وتخطط إدارة ترامب لإلغاء العقود الفيدرالية المتبقية لها مع الجامعة. وبلغ إجمالي ما جمدته إدارة ترامب حتى اليوم 3.2 مليارات دولار من المنح والعقود، ويعني إلغاء باقي العقود الفيدرالية للحكومة مع الجامعة، التي تقدر قيمتها بنحو 100 مليون دولار، قطعاً كاملاً للعلاقات التجارية طويلة الأمد بينهما. طلاب وشباب التحديثات الحية هارفارد قد تخسر مكانتها ونفوذها في العالم... "مجرد جامعة أخرى" وكتب مسؤولو الجامعة، في الدعوى القضائية التي طالبوا فيها القاضي بوقف إجراءات الحكومة الفيدرالية، بحسب ما نقلته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية: "من دون طلابها الدوليين، هارفارد ليست هارفارد"، من دون تحديد ما ستصبح عليه. وبدأ البعض في الجامعة تخيل هذا السيناريو والتخطيط له. وأصدر ترامب مؤخراً إعلاناً رئاسياً يمنع طلاب هارفارد الدوليين من دخول البلاد. ويُشكل هؤلاء الطلاب 15% من طلاب الجامعة، وحوالي ثلث إلى نصف طلاب بعض كليات الدراسات العليا. لولاهم، لما خسرت الجامعة طلابها والرسوم الدراسية فحسب، بل أيضاً مكانتها بوصفها ملتقى لألمع العقول في العالم. ويقول رئيس الجامعة ما بين عامي 2001 و2006، لورانس هـ. سامرز: "سنفقد نفوذنا في جميع أنحاء العالم. بدلاً من أن تكون الجامعة الأبرز عالمياً، ستصبح هارفارد بعد بضع سنوات مجرد جامعة أخرى". ووفقاً لبعض المقاييس، تُعدّ جامعة هارفارد الأولى عالمياً في مجال البحث العلمي، تليها عشر جامعات في الصين. (أسوشييتد برس، العربي الجديد)