
أنبوب البصرة – العقبة: فرصة استراتيجية مؤجلة في زمن الحاجة
في خضم المتغيرات الجيوسياسية المتسارعة في المنطقة، ومع تزايد التهديدات التي تطال طرق إمداد الطاقة التقليدية، يطفو على السطح مجددًا مشروع أنبوب النفط الممتد من البصرة إلى ميناء العقبة، كأحد أكثر المشاريع الاستراتيجية التي لم يُفعل تنفيذها بعد رغم أهميته البالغة لكل من العراق والأردن. هذا المشروع، الذي جرى الاتفاق عليه مبدئيًا قبل أكثر من عقد، يمثل حاجة إقليمية ملحّة، وليس فقط مصلحة ثنائية.يمتد الأنبوب على مسافة تقارب 1,700 كيلومتر، لينقل نحو مليون برميل يوميًا من جنوب العراق إلى مرافئ التصدير في خليج العقبة، ما يتيح للعراق منفذًا بديلًا وآمنًا لصادراته النفطية بعيدًا عن مضيق هرمز المهدد باستمرار. كما يوفر للأردن مصدرًا طويل الأمد للنفط، ويعزز أمنه الطاقي ويقلل من كلف الاستيراد عبر وسائل النقل التقليدية.ومع تصاعد التوتر في البحر الأحمر، والهجمات المتكررة على السفن ومرافق النفط، تبرز الحاجة إلى مسارات برية آمنة ومستقرة. أنبوب البصرة – العقبة لا يشكل فقط شريانًا اقتصاديًا، بل مسارًا استراتيجيًا لتحسين سلاسل الإمداد في الإقليم، ورفع قدرة الدول على امتصاص الصدمات في أسواق الطاقة العالمية.لكن رغم وضوح الفوائد، لا يزال المشروع متعثرًا. تعود أسباب التأخير إلى عوامل متعددة، أبرزها التحديات الأمنية في غرب العراق، وغياب آلية تمويل مستدامة، وتعاقب الحكومات دون استقرار في الأولويات. كما أن بعض القوى الإقليمية لا ترى في المشروع مصلحة، وتحاول فرض معادلات تجعل العراق يعتمد على مسارات تقليدية ومحدودة.في هذا السياق، تبرز الحاجة لتغيير مقاربة التعامل مع المشروع. فبدلًا من حصره كاتفاق ثنائي، يجب طرحه كمبادرة إقليمية استراتيجية، تُشارك فيها دول الخليج وصناديقها السيادية، ويُربط بمشاريع الطاقة الكبرى التي تجمع مصر، الأردن، والعراق، وربما حتى تركيا لاحقًا.تشير التقديرات إلى أن تكلفة المشروع تتراوح بين 8 و10 مليارات دولار، وهو رقم يمكن تمويله بسهولة عبر تحالف يضم العراق، الأردن، ودول الخليج (خاصة السعودية والإمارات)، إلى جانب جهات تمويل دولية مثل البنك الدولي والبنك الإسلامي للتنمية، ضمن نموذج شراكة عامة – خاصة.دول الخليج يمكن أن تستفيد من هذا المشروع كمسار بديل ومكمل، يخفف الضغط عن الموانئ النفطية ويُحصّن صادراتها في ظل الأزمات. كما يمنحها دورًا رئيسيًا في تشكيل مشهد الطاقة في المشرق العربي، وتعزيز نفوذها من خلال أدوات التنمية لا أدوات النزاع.إن إعادة إحياء مشروع الأنبوب لا تمثل مجرد ربط جغرافي، بل صياغة جديدة للعلاقات الاقتصادية العربية على أسس السيادة والمصالح المشتركة. فالنفط لم يعد فقط سلعة، بل أداة استراتيجية. والربط الطاقي لم يعد ترفًا، بل ضمانة للبقاء والمكانة.وفي المحصلة، أنبوب البصرة – العقبة هو مشروع دولة لا مشروع حكومة، ومصلحة إقليم لا مجرد ممر. تسريعه الآن ليس ترفًا سياسيًا، بل ضرورة تاريخية لصياغة توازن طاقي جديد، أكثر أمانًا، وأقرب إلى القرار العربي المستقل .

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


سواليف احمد الزعبي
منذ ساعة واحدة
- سواليف احمد الزعبي
سموتريتش: على العالم والخليج العربي الدفع لنا مقابل 'عملنا القذر' في إيران (شاهد)
#سواليف دعا وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل #سموتريتش، عددا من الدول بينها #الدول_الخليجية إلى المشاركة في تحمل #تكاليف #الحرب الجارية مع #إيران. ونقلت القناة الـ14 العبرية عن سموتريتش بقوله: 'على دول الخليج التي تكسب تريليونات الدولارات وألمانيا وبريطانيا وفرنسا المشاركة في تكاليف هذه الحرب على الأقل اقتصاديا'. وتابع قائلا: 'القوة هي إسرائيل ولم نكن نحلم بوتيرة التقدم والقدرات الهجومية التي نراها خلال الفترة الجارية (..)، وأقول للجيش ولمواطني دولة إسرائيل نحن قوة فوق عظمى لا مثيل لها في العالم'، مؤكدا أن هناك أثمان مؤلمة في الجبهة الداخلية، لكنها أقل مما كان يمكن أن يدفعونه لمنع إيران من مواصلة تسلحها. وأشار سموتريتش إلى أنه 'خلال الشهور الماضية نغير المكانة التاريخية والجيوسياسية لإسرائيل وهذا الأمر قادر على إعادة هندسة الإقليم'، مشددا على أن 'خامنئي مثل تلميذه حسن نصر الله محكوم عليه بالموت ولا علينا أن نفسر أكثر من ذلك (..)، انتهى حسن نصر الله وسينتهي خامنئي قريبا وليس وحده'، وفق قوله. وشدد وزير المالية الإسرائيلي اليميني المتطرف، على ما قاله المستشار الألماني فريدريش ميرتس، بأن إسرائيل تقوم بالعمل القذر من أجل العالم بما فيه دول الخليج العربي، مؤكدا أن 'الدول العظمى لا يمكنها أن تنجز مثل ما أنجزه جيشنا'. وتابع: 'لا نريد منهم أن يعطونا من أرواحهم أو جنودهم، يمكنهم على الأقل المساهمة ماليا لأنهم يكسبون المليارات'. وأوضح سموتريتش أن 'إسرائيل تخلق المجال أمام بناء تحالفات إضافية مثل اتفاقيات أبراهام'. وبحسب التقديرات الأولية التي بدأت تتسرب إلى الإعلام العبري، فإن الخسائر المباشرة من الضربات الإيرانية تقترب من ملياري شيكل (حوالي 540 مليون دولار)، وتشمل هذه الأضرار البنية التحتية العسكرية، ومنشآت الطاقة، وبعض المرافق المدنية. وبحسب ما نقلته قناة 'كان' الرسمية وصحيفة 'يديعوت أحرونوت'، فإن الهجوم الإيراني غير المسبوق والذي جاء في إطار الرد على هجمات إسرائيلية على أهداف داخل إيران تسبب بتضرر مواقع عسكرية حساسة، إلى جانب منشآت حيوية في وسط وجنوب البلاد. ووفق وسائل إعلام إسرائيلية فإن هذه التقديرات تشمل تكاليف الإصلاحات الأولية في قواعد عسكرية تضررت بشكل مباشر، ومراكز قيادة وسيطرة تم استهدافها، فضلًا عن تعويضات أولية للقطاع الخاص والممتلكات المدنية المتأثرة.


سواليف احمد الزعبي
منذ 5 ساعات
- سواليف احمد الزعبي
عامر الشوبكي: العالم أمام سيناريو كارثي في حال إغلاق مضيق هرمز
#سواليف #العالم أمام #سيناريو_كارثي في حال #إغلاق #مضيق_هرمز كتب .. #عامر_الشوبكي – باحث اقتصادي متخصص في شؤون الطاقة عمّان – 20 حزيران 2025 وسط تصاعد غير مسبوق في المواجهة بين #إسرائيل و #إيران، عاد مضيق هرمز إلى واجهة المخاوف الجيوسياسية كساحة تصعيد محتملة تهدد بإعادة تشكيل معادلات الاقتصاد العالمي وأسواق الطاقة، وسط هشاشة متزايدة في التوازنات الإقليمية والدولية. هذا المضيق الضيق، الذي يفصل إيران عن الإمارات وسلطنة عمان، يربط الخليج العربي بخليج عمان وبحر العرب، ويُعد أحد أكثر الممرات المائية حيوية واهم ممر للطاقة في العالم ، حيث تمر عبره يوميًا صادرات نفطية تتجاوز 16.5 مليون برميل، تمثل حوالي 40% من النفط المنقول بحرًا عالميًا، إلى جانب أكثر من 20% من تجارة الغاز الطبيعي المسال، و22% من السلع الاستراتيجية الأساسية. الصين، أكبر مستورد للنفط عالميًا، تعتمد على هذه المنطقة لتأمين ما يقارب 5.5 مليون برميل يوميًا، أي نحو نصف احتياجاتها التي تُقدّر بـ11 مليون برميل يوميًا، فيما تعتمد كوريا الجنوبية واليابان والهند بشكل كبير على نفط وغاز الخليج لتغذية قطاعاتها الصناعية. إيران نفسها، التي تهدد بإغلاق المضيق، لا تزال تصدر نفطها من خلاله، إلى جانب صادرات من ميناء جزيرة خرج ومحطة 'جاسك'، وتستورد في المقابل نحو ربع حاجتها من الغاز المسال من المنطقة، وهو ما يُظهر الطبيعة المعقدة لهذا الملف. التهديدات الإيرانية الأخيرة، على خلفية الغارات الإسرائيلية على منشآت عسكرية ونووية داخل إيران، تضمنت تلويحًا صريحًا بإغلاق المضيق، مدعومة بتقارير تؤكد امتلاك طهران ما يقرب من 6000 لغم بحري، وقدرة على زرع 100 لغم يوميًا، بما يمكّنها نظريًا من تعطيل الملاحة خلال 48 ساعة. غواصات 'كيلو' الإيرانية مصممة لمهام التلغيم، وشركات التأمين بدأت بالفعل في رفع مستويات المخاطر على العبور في هذا الممر الحيوي. في حال تحوّلت هذه التهديدات إلى واقع، فإن أسعار النفط ستقفز مباشرة فوق حاجز 100 دولار للبرميل، مع احتمال تجاوزها 130 أو حتى 150 دولارًا إذا تزامن ذلك مع إغلاق مضيق باب المندب من قبل الحوثيين، كما حدث في مرات سابقة. ما يزيد خطورة هذا السيناريو هو أن المنطقة أيضًا تُعد مصدرًا رئيسيًا للديزل المكرر، الذي يتم شحنه إلى أوروبا وآسيا وأمريكا الجنوبية. وأي اضطراب في هذه الشحنات سيؤدي إلى ضغط مباشر على أسواق الوقود، لا سيما الديزل، الذي شهد في الأسابيع الأخيرة ارتفاعًا لافتًا في الأسعار. الغاز الطبيعي أيضًا سيكون في قلب العاصفة. أوروبا التي لا تزال تبحث عن بدائل للغاز الروسي، تستورد جزءًا متزايدًا من حاجتها من قطر . وفي ظل هذه التهديدات، ارتفع سعر الغاز عالميًا بنحو 8%، فيما يُتوقع أن تستمر التقلبات إذا طال أمد الأزمة، خصوصًا مع دخول فصل الصيف وازدياد الطلب على الكهرباء. الاضطراب في مضيق هرمز لن يقتصر على تعطيل الصادرات النفطية والغازية فحسب، بل سيمتد ليُحدث فوضى عميقة في المنظومة المالية العالمية. فارتفاع أسعار النفط سيؤدي إلى موجة تضخمية واسعة النطاق، تُقوّض جهود البنوك المركزية، وعلى رأسها الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، في ضبط معدلات الفائدة والتعامل مع شبح الركود التضخمي. كما أن آثار الإغلاق ستطال حركة السفن التجارية، وشحنات الغذاء والسلع الصناعية، وسط توقعات بارتفاع تكاليف التأمين والشحن بأكثر من 300%، وهو ما سينعكس مباشرة على أسعار السلع والاستهلاك، ويضاعف الضغوط على الاقتصادات النامية والمتقدمة على حد سواء. الولايات المتحدة، التي تحتفظ بالأسطول الخامس في البحرين، ستكون تحت ضغط للتدخل لحماية حرية الملاحة، فيما سيجد المجتمع الدولي نفسه أمام أزمة تتجاوز سوق الطاقة لتصل إلى عمق الاستقرار الجيوسياسي العالمي. مجرد التهديد الجاد بإغلاق المضيق كان كافيًا لهزّ الأسواق، فكيف إذا تحوّل هذا التهديد إلى واقع؟ نحن أمام مفترق طرق حقيقي، ليس فقط في إدارة الصراع، بل في إدارة ملف أمن الطاقة العالمي. العبث بمضيق هرمز، الذي تتقاطع فيه مصالح الصين والهند وكوريا واليابان وأوروبا والولايات المتحدة، هو عبث بالاستقرار العالمي بأكمله. وإذا لم يُحتوَ هذا التصعيد بسرعة من خلال تحركات دبلوماسية جادة، وتنويع حقيقي لمصادر الإمداد، فإن العالم قد يعيد استحضار شبح أزمات السبعينيات، لكن هذه المرة في بيئة أكثر هشاشة وتشابكًا، وأكثر استعدادًا للانفجار.


السوسنة
منذ 6 ساعات
- السوسنة
أنبوب البصرة – العقبة: فرصة استراتيجية مؤجلة في زمن الحاجة
في خضم المتغيرات الجيوسياسية المتسارعة في المنطقة، ومع تزايد التهديدات التي تطال طرق إمداد الطاقة التقليدية، يطفو على السطح مجددًا مشروع أنبوب النفط الممتد من البصرة إلى ميناء العقبة، كأحد أكثر المشاريع الاستراتيجية التي لم يُفعل تنفيذها بعد رغم أهميته البالغة لكل من العراق والأردن. هذا المشروع، الذي جرى الاتفاق عليه مبدئيًا قبل أكثر من عقد، يمثل حاجة إقليمية ملحّة، وليس فقط مصلحة ثنائية.يمتد الأنبوب على مسافة تقارب 1,700 كيلومتر، لينقل نحو مليون برميل يوميًا من جنوب العراق إلى مرافئ التصدير في خليج العقبة، ما يتيح للعراق منفذًا بديلًا وآمنًا لصادراته النفطية بعيدًا عن مضيق هرمز المهدد باستمرار. كما يوفر للأردن مصدرًا طويل الأمد للنفط، ويعزز أمنه الطاقي ويقلل من كلف الاستيراد عبر وسائل النقل التقليدية.ومع تصاعد التوتر في البحر الأحمر، والهجمات المتكررة على السفن ومرافق النفط، تبرز الحاجة إلى مسارات برية آمنة ومستقرة. أنبوب البصرة – العقبة لا يشكل فقط شريانًا اقتصاديًا، بل مسارًا استراتيجيًا لتحسين سلاسل الإمداد في الإقليم، ورفع قدرة الدول على امتصاص الصدمات في أسواق الطاقة العالمية.لكن رغم وضوح الفوائد، لا يزال المشروع متعثرًا. تعود أسباب التأخير إلى عوامل متعددة، أبرزها التحديات الأمنية في غرب العراق، وغياب آلية تمويل مستدامة، وتعاقب الحكومات دون استقرار في الأولويات. كما أن بعض القوى الإقليمية لا ترى في المشروع مصلحة، وتحاول فرض معادلات تجعل العراق يعتمد على مسارات تقليدية ومحدودة.في هذا السياق، تبرز الحاجة لتغيير مقاربة التعامل مع المشروع. فبدلًا من حصره كاتفاق ثنائي، يجب طرحه كمبادرة إقليمية استراتيجية، تُشارك فيها دول الخليج وصناديقها السيادية، ويُربط بمشاريع الطاقة الكبرى التي تجمع مصر، الأردن، والعراق، وربما حتى تركيا لاحقًا.تشير التقديرات إلى أن تكلفة المشروع تتراوح بين 8 و10 مليارات دولار، وهو رقم يمكن تمويله بسهولة عبر تحالف يضم العراق، الأردن، ودول الخليج (خاصة السعودية والإمارات)، إلى جانب جهات تمويل دولية مثل البنك الدولي والبنك الإسلامي للتنمية، ضمن نموذج شراكة عامة – خاصة.دول الخليج يمكن أن تستفيد من هذا المشروع كمسار بديل ومكمل، يخفف الضغط عن الموانئ النفطية ويُحصّن صادراتها في ظل الأزمات. كما يمنحها دورًا رئيسيًا في تشكيل مشهد الطاقة في المشرق العربي، وتعزيز نفوذها من خلال أدوات التنمية لا أدوات النزاع.إن إعادة إحياء مشروع الأنبوب لا تمثل مجرد ربط جغرافي، بل صياغة جديدة للعلاقات الاقتصادية العربية على أسس السيادة والمصالح المشتركة. فالنفط لم يعد فقط سلعة، بل أداة استراتيجية. والربط الطاقي لم يعد ترفًا، بل ضمانة للبقاء والمكانة.وفي المحصلة، أنبوب البصرة – العقبة هو مشروع دولة لا مشروع حكومة، ومصلحة إقليم لا مجرد ممر. تسريعه الآن ليس ترفًا سياسيًا، بل ضرورة تاريخية لصياغة توازن طاقي جديد، أكثر أمانًا، وأقرب إلى القرار العربي المستقل .