
من كتاب 'الدم الذي صار لؤلؤًا'، وهو سرد لذكريات آية الله خامنئي!
المرشد الإيراني علي خامنئي….
بعد أسبوعين من اعتقالي، سمعت أحد العرفاء في السجن ينادي: 'بُشرى، بُشرى… عبد الناصر مات!' وقد كان لهذا الخبر وقعٌ مؤلمٌ جدًا عليّ… وهنا لا بدّ من الإشارة إلى نقطة لافتة واجهناها نحن الإسلاميون المناضلون في إيران، وهي أننا كنا في الوقت ذاته نكنّ محبة شديدة لـ'سيد قطب' وأفكاره الحركية والثورية، وندعم قاتله 'جمال عبد الناصر'! عندما سمعت بخبر إعدام سيد قطب، بكيت، وعندما بلغني خبر وفاة عبد الناصر، بكيت أيضًا!… إن تعلقنا بسيد قطب أمر واضح ولا يحتاج إلى توضيح، لأن هذا الرجل – بفضل قلمه الأدبي، وتجاربه المريرة، وفكره القرآني المتوهج – قدّم الإسلام بصورة حيوية وثورية ومفعمة بالآفاق الواسعة، بحيث جعل الإنسان المسلم يشعر بالفخر والاعتزاز بدينه، ويرتقي بشخصيته فوق كل تلك الأمور التافهة التي تشغل الناس، كذلك، في تفسيره، يتحدث بلغة إسلامية حيّة تجعل المسلم، أيًّا كان مذهبه، لا يشعر بأيّ تعارض مع معتقداته المذهبية.
أما اعتزازنا بعبد الناصر، فلم يكن نابعًا من دوافع عقائدية، بل من أسباب نفسية وسياسية. فقد كنّا في إيران نواجه تيارًا استكباريًا مخيفًا وواسع النطاق، كان يستهدف إهانة الدين والحوزة والروحانية. وكان هذا التيار مؤثرًا بدرجة كبيرة في كسر الروح المعنوية للشباب والمثقفين الذين أُعجبوا بالقوى المتغطرسة العالمية، وارتاعوا من سطوتها… في هذا الجوّ المليء بالهزيمة، وفي ظل الهجمة الغربية والأميركية، كنّا نتعلّق بكل صوت يناهض تلك القوى ويتحدث بثبات وصمود في وجهها. وعبد الناصر كان يتحدث بهذه اللهجة. كنّا نشعر بالفخر عندما نسمع أن عبد الناصر يتحدى طواغيت العالم جميعًا، وكنّا نستمع بحماسة إلى خطاباته عبر إذاعة 'صوت العرب'.
كنّا نُعلي من شأن أي تحرك عملي يسعى إلى التحرر من نير الاستعمار البغيض، الذي كان قد كبّل العالم الإسلامي – بل والعالم الثالث بأسره. ولهذا، كنا نؤيد جميع الثورات في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، ونشعر بتعاطف عميق معها.
أتذكّر حينما بلغني خبر اندلاع الثورة في ليبيا، أنّني بادرت فورًا، وفي أحد خطاباتي على المنبر، إلى تأييد تلك الثورة، وهنّأت الثوّار على تحرير ليبيا من حكم من كنت أطلق عليه، بدلًا من 'إدريس'، اسم 'إبليس'. وبعد ذلك، عندما التقيت بهاشمي رفسنجاني، علمت أنه هو الآخر قد أعلن تأييده لثورة ليبيا في جلساته.
لقد كان شوقنا العميق في قلوبنا لاستعادة العزّة التي دنّسها الطواغيت، والكرامة التي داسها الفراعنة، هو ما كان يدفعنا لاتخاذ مثل هذه المواقف… وفوق كل ذلك، كان اسم جمال عبد الناصر قد اقترن في أذهاننا بالعزّة والثبات والمقاومة التي أبداها إخواننا العرب المسلمون في وجه القوى الصهيونية والرجعية في المنطقة، رغم أننا كنا متألمين من النهج الذي قاده إلى الصدام مع الإسلاميين…. وكان جهاز دعاية الشاه آنذاك قد سخّر كل طاقاته لخلق روح العداء لعبد الناصر داخل إيران. وأكثر ما آلم قلبي حينما سمعت بخبر وفاة عبد الناصر، لم يكن مجرّد موته، بل الطريقة التي أعلن بها أحد العسكريين الخبر في السجن، إذ أبدى فرحه بذلك، دون أن يدرك حقيقة ما يقول، أو يعرف شيئًا عن عبد الناصر، بل كان مجرّد شخص منوّم ومسحور بالدعاية الإعلامية لنظام الشاه. كنت أمتلك راديو صغيرًا، حصلت عليه بتساهل من بعض الحرّاس أثناء نوباتهم، وكنت أخفيه عن أعين الحراس المتشددين، لأن استخدام الراديو داخل السجن كان ممنوعًا في العادة. وبعد أن سمعت بخبر وفاة عبد الناصر، أصبح راديو 'صوت العرب' هو ملاذي الأكبر للتسلية والتعزية. وأكثر ما كان يواسيني في تلك الأيام، تلاوات القرآن الكريم التي كانت تُبث من الإذاعة، وما زلت أذكرها بكل تفاصيلها.
أتذكر أن كبار القرّاء المصريين، مثل عبد الباسط عبد الصمد، مصطفى إسماعيل، ومحمود علي البنّا، كانوا يتلون هذه الآية الكريمة: «وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ».
وكان أحدهم يعيد تلاوة جزء 'قاتل معه ربيّون' مرة تلو أخرى. وقد دونت أسماء هؤلاء القرّاء الذين استمعت إلى تلاواتهم على ظهر المصحف.
** من كتاب 'الدم الذي صار لؤلؤًا'، وهو سرد لذكريات آية الله خامنئي في السجون والمنفى خلال سنوات نضاله في الثورة الإسلامية، جمعه 'محمد علي آذرشاب'، وترجمه 'محمد حسين باتمانقليش'.
2025-06-21

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


موقع كتابات
منذ 18 ساعات
- موقع كتابات
عن لحظات التوهج الحضاري في العلاقة بين الفرس والعرب
في منتصف القرن الماضي صدر للأكاديمي الإيراني عبد الحسين زارينكوب كتاب عن الفترة التي تلت دخول الإسلام لبلاد فارس اسماه 'قرنان من الصمت' تعبيرًا عن حالة الغياب أو إن شئتَ الغيبوبة الفكرية التي رزحت تحتها إيران عقب الفتح الإسلامي حسب وجهة نظر الكاتب الذي لا يخفي ميوله القومية العدائية تجاه الحضور العربي في الهضبة الإيرانية. وبعيدًا عن النظرة المعلبة والجاهزة لهذه الفترة بوصفها فترة تسلط عربي على شعوب البلاد المفتوحة من جهة، أو بوصفها فترة تبلور المشاعر المعادية للعرب من قبل هذه الشعوب وهو ما اصطلح على تسميته في الأدبيات العربية بـ'الشعوبية' وكان يقصد به غالبا عداء الفرس للعرب، فإن هذه الحقبة والقرون التالية لها شهدت وعلى نطاق واسع توهجًا استثنائيًا وفريدًا في الثقافة والفكر العربي نتيجة مساهمات الكُتّاب والأدباء الفرس بالعربية وتبنيهم لثقافة العرب الوافدة. ومن تجليات هذا التلاقح الفكري ظهور طبقة من العلماء والكتّاب الفرس الذين عشقوا العربية بكل جوانحهم وتبحروا في نحوها وصرفها وغريبها وكرسوا حياتهم لخدمتها وفي مقدمتهم سيبويه إمام نُحاة العربية الفريد، ولا شك أنه وأضرابه لم يكونوا منطلقين من نظرة دونية لذواتهم وثقافتهم ولغتهم الأم وإنما وجدوا في التفاعل مع العربية وتبني ثقافتها شغفًا جذبهم لها ورسخ مودتها في نفوسهم، إذ ينقل ابن جني عن شيخه أبو علي الفارسي الذي يعدّ أحد النحويين الكبار في العربية أنه كان يغضب كل ما سأله أحد عن شيء من نحو الفارسية الذي كان ضليعا به، رغبة منه في اقتصار الكلام على العربية! ونرى عبد القاهر الجرجاني يُخصص جزءًا من مقدمة مؤلفه 'دلائل الإعجاز' للدفاع عن الشعر العربي، وهذا التحول من تقبل الثقافة والأدب العربي إلى الدفاع عنهما سنشهد له حضورًا مكثفًا عند كاتب فارسي آخر، كوفي المولد بغدادي السكن هو ابن قتيبة الذي ألف رسالة في الدفاع عن العرب اسماها 'رسالة في الرد على الشعوبية'، ويرى بعضهم أن الرسالة تجاوزت مسألة الدفاع عن العرب للتعنصر لهم. وإذا ما كان يحلو لبعض القوميين الفرس رمي هؤلاء الأعلام بتهمة كره الذات والوقوع تحت تأثير المبدأ الخلدوني'ولع المغلوب بالغالب'، فإن المسألة أعمق بكثير من هذا التسطيح المخل لأن العربية بقيت تحظى باهتمام المثقفين الفرس حتى بعد زوال النفوذ العربي المباشر وتحول خلافة بني العباس لسلطة شكلية وشرفية. فالصاحب بن عباد الذي كان وزيرًا في عهد بني بويه كان مولعًا بالعربية ومنددًا بالشعوبية رغم عرقه الفارسي، وتحتفظ كتب التاريخ بذكر تصرفه حين ألقى شاعر فارسي في حضرته قصيدة حطت من شأن العرب وأعلت من شأن الفرس فلم ترق له، وطلب من بديع الزمان الهمذاني الذي كان حاضرًا أن يرد عليه، وله موقف آخر يدل على عمق انتماءه للعربية إذ بعد اطلاعه على كتاب العقد الفريد لابن عبد ربه وكان شديد الحرص على اقتناء الكتاب، قال بعد الفراغ منه 'بضاعتنا رُدت إلينا' في إشارة لكون الكتاب في معظمه نقل للشعر المشرقي. وما يهمنا هنا استخدامه لمفردة بضاعتنا أي إنه لا يعدّ الأدب العربي أدب قوم غرباء عنه بل هو أدبه وأدب قومه، وأنهم مع العرب يشكلون كُلًا ثقافيًا واحدًا. كما نلحظ موقفًا آخرًا للإمام الزمخشري في مقدمة كتابه المفصل إذ يندد بالشعوبية ويحمد الله على أنه لم يسلك مسلكهم، فهو يعد الشعوبية نزعة عنصرية قمين بالمسلم الحقيقي أن يربأ بنفسه عنها. ويتجسد التلاقي الثاني في منطقة هي خارج بلاد فارس في العراق تحديدًا وتمثلت في ظهور عدد من الشعراء الفرس الناطقين بالعربية كأبي نواس وبشار بن برد ومسلم بن الوليد وأمثالهم، وهؤلاءِ هم مَن قاد حركة التجديد في الشعر العربي، وبعيدًا عن ما رُموا به من إذكاء نزعة الشعوبية فإنهم مثلوا علامة فارقة في الشعر العربي، ومسألة شعوبيتهم محل جدل وشك لاسيما إذا ما علمنا انحياز أبو نواس مثلا للخلفية الأمين في صراعه مع المأمون، مع أن الأمين وفق الأدبيات القومية العربية مثل النسق العربي لانحداره من أم عربية عكس المأمون ابن الجارية الفارسية! ورغم هذا التواشج الفكري الكبير فإننا نجد أن العلاقة السياسية بين العرب والفرس شهدت نكبات وعثرات جعلت العلاقة بين الجانبين أكثر حذرًا وريبة، فالعلاقة بين أبو مسلم الخراساني والمنصور والبرامكة والرشيد والأفشين والمعتصم رغم التعاون المثالي بينهما في البداية انتهى إلى خاتمة تراجيدية اطاحت بالطرف الفارسي قبل أن تنزلق الامورفيما بعد لغلبة العنصر الأعجمي الفارسي تارة والتركي تارة أخرى ويصبح الخليفة أسير إرادة من هو دونه من الأمراء. على أن هذه الصراعات لا تعدو أن تكون أحداثا طبيعية، تجسد الصراع على السلطة العابر للزمان والمكان والذي يمكن أن يحدث بين العرب انفسهم وبين الفرس انفسهم. وتجذر هذا الانقسام مع قيام الصفويين بسلخ الجلد السني للفرس وابدالهم إياه بجلد شيعي بحد السيف، ليصبح التباين العربي الفارسي مزدوجًا 'مذهبي وعرقي'،مع الأخذ بنظر الاعتبار أن هذا التحول قد تم على أيدي سلالة أذرية تركية وأن الفرس كانوا ضحايا له! واستمر الأمر على هذا الحال حتى زمن الشاه محمد رضا بهلوي ذو النفس القومي الذي كان يبغي ربط إيران بتراثها الساساني الذي سبق الإسلام، غير أن التحول الذي عاشته إيران في أعقاب الثورة الإسلامية والذي شهد ارتداد النظام للنهج الإسلامي قد عمق هوة الانقسام بدل ردمها، فشعارات تصدر الثورة واندلاع الحرب العراقية الايرانية والاحداثالتي تلت غزو العراق لا سيما التدخل الإيراني السلبي في بعض الدول العربية وصولا لتصريح بعض زعمائها في لحظة من الشعور بفائض القوة بأنهم يسيطرون على أربع عواصم عربية، عواصم كانت تئن تحت غمامة الخراب والدمار والتشظي الوطني وسط تسلط المرتبطين بإيران، كل هذه الأمور أدت لنفور كثير من العرب من إيران وكلما يتعلق بها. وفي النهاية بات لدينا فئتان، الأولى انخرطت بكامل طاقتها مع إيران وهي تنظر لها بتقديس مطلق وتشاركها العقيدة المذهبية والمفارقة أن هذه الفئة تبنت الطروحات الشعوبية القديمة المتعلقة بذم العرب وكل ثقافتهم ولغتهم مقابل إعلاء شأن الفرس وكل ما يمت لهم بصلة، والثانية أفرطت في ذم إيران ورفض كل ما يخرج عنها بل قد غالت ونظرت بتشكيك لكل التراث العربي ـ الفارسي المشترك، وعدت إيران تجسيدًا للشر المطلق! على محدوديتها والفكرلأرجو أن يجود الزمان بفترة لاحقة يصبح فيه التقارب الثقافي والفكري بين هاتين الأمتين ركيزة العلاقة السليمة بينهما. لعل وعسى.


ساحة التحرير
منذ 20 ساعات
- ساحة التحرير
من كتاب 'الدم الذي صار لؤلؤًا'، وهو سرد لذكريات آية الله خامنئي!
المرشد الإيراني علي خامنئي…. بعد أسبوعين من اعتقالي، سمعت أحد العرفاء في السجن ينادي: 'بُشرى، بُشرى… عبد الناصر مات!' وقد كان لهذا الخبر وقعٌ مؤلمٌ جدًا عليّ… وهنا لا بدّ من الإشارة إلى نقطة لافتة واجهناها نحن الإسلاميون المناضلون في إيران، وهي أننا كنا في الوقت ذاته نكنّ محبة شديدة لـ'سيد قطب' وأفكاره الحركية والثورية، وندعم قاتله 'جمال عبد الناصر'! عندما سمعت بخبر إعدام سيد قطب، بكيت، وعندما بلغني خبر وفاة عبد الناصر، بكيت أيضًا!… إن تعلقنا بسيد قطب أمر واضح ولا يحتاج إلى توضيح، لأن هذا الرجل – بفضل قلمه الأدبي، وتجاربه المريرة، وفكره القرآني المتوهج – قدّم الإسلام بصورة حيوية وثورية ومفعمة بالآفاق الواسعة، بحيث جعل الإنسان المسلم يشعر بالفخر والاعتزاز بدينه، ويرتقي بشخصيته فوق كل تلك الأمور التافهة التي تشغل الناس، كذلك، في تفسيره، يتحدث بلغة إسلامية حيّة تجعل المسلم، أيًّا كان مذهبه، لا يشعر بأيّ تعارض مع معتقداته المذهبية. أما اعتزازنا بعبد الناصر، فلم يكن نابعًا من دوافع عقائدية، بل من أسباب نفسية وسياسية. فقد كنّا في إيران نواجه تيارًا استكباريًا مخيفًا وواسع النطاق، كان يستهدف إهانة الدين والحوزة والروحانية. وكان هذا التيار مؤثرًا بدرجة كبيرة في كسر الروح المعنوية للشباب والمثقفين الذين أُعجبوا بالقوى المتغطرسة العالمية، وارتاعوا من سطوتها… في هذا الجوّ المليء بالهزيمة، وفي ظل الهجمة الغربية والأميركية، كنّا نتعلّق بكل صوت يناهض تلك القوى ويتحدث بثبات وصمود في وجهها. وعبد الناصر كان يتحدث بهذه اللهجة. كنّا نشعر بالفخر عندما نسمع أن عبد الناصر يتحدى طواغيت العالم جميعًا، وكنّا نستمع بحماسة إلى خطاباته عبر إذاعة 'صوت العرب'. كنّا نُعلي من شأن أي تحرك عملي يسعى إلى التحرر من نير الاستعمار البغيض، الذي كان قد كبّل العالم الإسلامي – بل والعالم الثالث بأسره. ولهذا، كنا نؤيد جميع الثورات في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، ونشعر بتعاطف عميق معها. أتذكّر حينما بلغني خبر اندلاع الثورة في ليبيا، أنّني بادرت فورًا، وفي أحد خطاباتي على المنبر، إلى تأييد تلك الثورة، وهنّأت الثوّار على تحرير ليبيا من حكم من كنت أطلق عليه، بدلًا من 'إدريس'، اسم 'إبليس'. وبعد ذلك، عندما التقيت بهاشمي رفسنجاني، علمت أنه هو الآخر قد أعلن تأييده لثورة ليبيا في جلساته. لقد كان شوقنا العميق في قلوبنا لاستعادة العزّة التي دنّسها الطواغيت، والكرامة التي داسها الفراعنة، هو ما كان يدفعنا لاتخاذ مثل هذه المواقف… وفوق كل ذلك، كان اسم جمال عبد الناصر قد اقترن في أذهاننا بالعزّة والثبات والمقاومة التي أبداها إخواننا العرب المسلمون في وجه القوى الصهيونية والرجعية في المنطقة، رغم أننا كنا متألمين من النهج الذي قاده إلى الصدام مع الإسلاميين…. وكان جهاز دعاية الشاه آنذاك قد سخّر كل طاقاته لخلق روح العداء لعبد الناصر داخل إيران. وأكثر ما آلم قلبي حينما سمعت بخبر وفاة عبد الناصر، لم يكن مجرّد موته، بل الطريقة التي أعلن بها أحد العسكريين الخبر في السجن، إذ أبدى فرحه بذلك، دون أن يدرك حقيقة ما يقول، أو يعرف شيئًا عن عبد الناصر، بل كان مجرّد شخص منوّم ومسحور بالدعاية الإعلامية لنظام الشاه. كنت أمتلك راديو صغيرًا، حصلت عليه بتساهل من بعض الحرّاس أثناء نوباتهم، وكنت أخفيه عن أعين الحراس المتشددين، لأن استخدام الراديو داخل السجن كان ممنوعًا في العادة. وبعد أن سمعت بخبر وفاة عبد الناصر، أصبح راديو 'صوت العرب' هو ملاذي الأكبر للتسلية والتعزية. وأكثر ما كان يواسيني في تلك الأيام، تلاوات القرآن الكريم التي كانت تُبث من الإذاعة، وما زلت أذكرها بكل تفاصيلها. أتذكر أن كبار القرّاء المصريين، مثل عبد الباسط عبد الصمد، مصطفى إسماعيل، ومحمود علي البنّا، كانوا يتلون هذه الآية الكريمة: «وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ». وكان أحدهم يعيد تلاوة جزء 'قاتل معه ربيّون' مرة تلو أخرى. وقد دونت أسماء هؤلاء القرّاء الذين استمعت إلى تلاواتهم على ظهر المصحف. ** من كتاب 'الدم الذي صار لؤلؤًا'، وهو سرد لذكريات آية الله خامنئي في السجون والمنفى خلال سنوات نضاله في الثورة الإسلامية، جمعه 'محمد علي آذرشاب'، وترجمه 'محمد حسين باتمانقليش'. 2025-06-21


ساحة التحرير
منذ يوم واحد
- ساحة التحرير
على الباغي تدور الدوائر!بشرى خالد الصارم
على الباغي تدور الدوائر! بشرى خالد الصارم* لطالما تألمنا من مشاهد الدماء والموت في قطاع غزة، ولطالما احترقت أفئدتنا من بُكاء الثكالى والأيتام، لطالما أسماعنا لم تكن تقوى لجراحات تلك الأصوات، تلونت الصخور بدمائهم، أطفالٌ ينامون في المهد ويصحون على أكفانهم، و أمهاتٌ أنظارهن للسماء تترقب قدوم طائرات موتهن ،وآباءٌ يهرعون بأجسادِ أولادهم المدميةُ بحثاً عن مُغيث لهم في مستشفياتٍ مدمرة مكلومة بالجرحى، احترقت الأرض تحتهم من صمودهم ، وتفطرت السماء من دُعائهم، حتى أتى وعد الله الحق 'إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ'. أتى غضب الله القادم من الجمهورية الإسلامية إيران عبر صواريخ لا تنتمي لطائفة ولا مذهب بل تمثل قوة الأمة في وجه عدوها المركزي الذي انتهك المقدسات وقتل الأبرياء واستباح الأرض والعِرض من قبل كيان فَقَدَ اليوم ما يحافظ على بقائه ، وأرى العالم أنه في نهاية المطاف يخضع لقوانين الموت وأن مزمار المناعة الذي ظلوا ينفخون فيه طيلة 76 عام كُسرت جوزته، ولوحة الجيش الذي لا يقهر تلطخت بالذل والهوان، وشعب الله المختار تعثر في أول منحدر. من لا يثق بالله وبنصره وبتأييده لا يمكن أن يصدق مايراه من مشاهد الدمار والخراب الذي طال المدن الإسرائيلية في العمق الفلسطيني المحتل جراء الضربات الإيرانية المباركة، إنها معركة مصير تحددها الجمهورية الإسلامية وتخوضها نيابة عن معظم الدول العربية والإسلامية التي تدّعي الإسلام والعروبة ولأن الله كره انبعاثهم وجهادهم؛ ثبطهم وأراد لهم بأن يكونوا مع الخوالف في هذه المعركة المصيرية. جميعنا من يؤمن بهذا الوعد الإلهي المحتوم بزوال هذا الكيان شفي صدره من هذه الضربات الحيدرية، وسَرَه مناظر الحرائق والدمار، أصوات العالقين في الملاجئ، والفارين من زمجرة صواريخ البأس والثأر، جميعنا كنا ننتظر هذا اليوم وبفارغ الصبر لنرى هذا النصر الإلهي المرسوم في سماء فلسطين المحتلة لأكثر من 70عام، من منا كان يشكك في هذا الأمر إلا من كان لا يثق بوعد الله المبين. وأعظم نصر هو أصوات أهالي غزة التي يعتليها الفرح والاستبشار رغم جراحهم وأوجاعهم عند رؤية الشهب الإيرانية وهي تمر من فوقهم لتسقط وبالاً ونكالاً فوق رؤوس الصهاينة المحتلين، مكبرين ومهللين بهذه البشائر العظيمة التي ختم الله صبرهم وصمودهم بأن يروا هذا اليوم العظيم الذي يذوق فيه العدو جلّ ما ذاقوه. تدمير وحرائق، رعب وخوف وهلع، هروب ومناجاة واستكانات، أصوات إنذارات الموت التي لم تهدأ، مرور الدفاعات المدنية من إطفاء وإسعافات وطواقم لتنجد المصابين والعالقين في الملاجئ لم تتوقف ولم تنام أو تسترح، ذهول من ما رأوا بعد هذه السنوات التي كانوا يظنوا أنهم في مأمن من هذا الوعد القادم، ظنوا بأنهم باتفاقهم مع الدول المجاورة وإبرام صفقات التطبيع والسلام معهم سيأمنوا من غضب الإسلام الحقيقي والدين المحمدي العلوي، لم يكونوا يدركوا بأن بأس الله إذا أتى سيأتي من أقصى المسافات بعداً، وعلى أيدي طالما رفعت مع يد الإمام علي عليه السلام و والت آل بيته الأطهار، بأسٌ قادم من أحفاد حيدر وقالع باب خيبر، بأسٌ ممتشق نصره من غمد ذو الفقار، ورافع راية الولاء بأن لا إله إلا الله وحده في هذا الكون. مازالت المواجهة مستمرة، ومازال العدو الصهيوني في مأزق لم يكن ليتوقعه أو يصل إليه في ذات يوم، ومازالت الجمهورية الإيرانية لم تهدأ من ثأرها ولم تغمد سيفها بعد، وما يزال الشيبة العلوي آية الله الخامنئي يتوعد الكيان بأقسى الأيام التي هي بانتظاره، مازالت الصواريخ في أهبّةِ الانطلاق، ومازالت القوة مستقواه من قوة الأحد الصمد، إنها معادلة السماء يهبها الله لمن أراد، ويمسكها الله لمن هم أهلاً لهذه الهبة ممن فدوا الإسلام والمسلمين بأرواحهم ودمائهم هم لا سواهم محور المقاومة. و 'إِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ' #اتحاد_كاتبات_اليمن 2025-06-21