
ماذا سيحدث في شرق أوسط جديد؟ بقلم : محمود جودت محمود قبها
ماذا سيحدث في شرق أوسط جديد؟ بقلم : محمود جودت محمود قبها
قراءة في التحولات القادمة ومصير شعوب المنطقة
منذ أكثر من قرن والشرق الأوسط يشهد تحولات جذرية تبدأ بثورات وتنتقل إلى حروب تمرّ بانقلابات وتصل إلى تطبيع وتحالفات متغيرة ومع بداية الربع الثاني من القرن الحادي والعشرين يتزايد الحديث عن 'شرق أوسط جديد' لا على مستوى التحليل السياسي فقط بل كعنوان رسمي للمرحلة المقبلة تتبناه قوى إقليمية ودولية.
لكن ماذا يعني هذا الشرق الأوسط الجديد؟ ومن الذي يخطط له؟ وهل سيكون أفضل من سابقه؟ وما موقع الشعوب والقضية الفلسطينية، ومحور المقاومة من هذه التحولات؟ هذا المقال محاولة لقراءة سيناريوهات المستقبل القادم في ضوء الواقع المركب والمعقد للمنطقة.
أولًا: من يُشكّل الشرق الأوسط الجديد؟
الشرق الأوسط الجديد لا يُشكّل من طرف واحد فهناك أكثر من قوة تسعى لصياغته حسب مصالحها:
الولايات المتحدة وإسرائيل: تسعيان لإعادة ترتيب المنطقة وفق رؤى أمنية واقتصادية تخدم 'أمن إسرائيل' أولًا من خلال اتفاقيات التطبيع وتكوين تحالفات ضد إيران ومحور المقاومة.
إيران ومحور المقاومة: لديهم مشروع بديل يقوم على دعم المقاومة ورفض التبعية الغربية ومحاولة كسر الحصار المفروض على قوى التحرر في فلسطين ولبنان وسوريا واليمن.
تركيا و قطر : تسعيان للعب أدوار متقدمة بالجمع بين النفوذ السياسي والاقتصادي والديني في ظل تراجع الثقة بالأنظمة التقليدية.
روسيا والصين: تحاولان الدخول كلاعبين جدد عبر الاستثمار والعقود العسكرية والبنية التحتية وتقديم بدائل للتبعية للغرب.
من هنا يتبين أن الشرق الأوسط الجديد ليس مخططًا واحدًا بل ساحة صراع مشاريع متناقضة كل منها يسعى لفرض رؤيته على شعوب المنطقة.
ثانيًا: فلسطين وموقعها من التغيرات
رغم محاولات التهميش تبقى القضية الفلسطينية هي قلب الشرق الأوسط الجديد لأنها تمثل معيارًا أخلاقيًا وسياسيًا لما إذا كان التغيير في صالح الشعوب أم ضدها في الشرق الأوسط الجديد الذي تسعى له بعض الأنظمة تُحوّل فلسطين إلى قضية إنسانية أو مجرد 'نزاع قابل للحل' لكن في مشروع المقاومة تبقى فلسطين قضية تحرر وكرامة وهوية عربية وإسلامية.
ومع تنامي قدرات فصائل المقاومة في غزة والضفة الغربية وتزايد عمليات الاشتباك الشعبي والعسكري يبدو أن فلسطين لن تكون ملفًا قابلًا للإغلاق بل حجر عثرة أمام أي نظام إقليمي يتجاهل العدالة والحق التاريخي للشعب الفلسطيني.
ثالثًا: مصير الشعوب بين الأمل والخوف
الشعوب العربية وخاصة الشباب لم تعد كما كانت قبل عقدين بعد الربيع العربي ورغم الانتكاسات أصبحت الشعوب أكثر وعيًا بمصالحها وأكثر جرأة في التعبير عن رفضها.
لكن رغم هذا الوعي فإن التحديات كبيرة:
أنظمة استبدادية تسعى للبقاء بأي ثمن حتى لو كان ذلك على حساب حرية الشعوب أو تحالفها مع الاحتلال.
وضع اقتصادي متردٍ يهدد استقرار المجتمعات ويزيد من نسب البطالة والفقر.
تهديدات مناخية وبيئية مثل نقص المياه وارتفاع درجات الحرارة ما يهدد الأمن الغذائي والسكاني.
كل هذه العوامل تضع الشعوب أمام خيارين إما أن تكون حاضرة في صياغة مستقبلها أو أن تُفرض عليها أنظمة وهياكل تخدم مصالح الآخرين.
رابعًا: نحو شرق أوسط متعدد الأقطاب؟
الشرق الأوسط الجديد لن يكون شرقًا تحت سيطرة قطب واحد كما كان في السابق نحن أمام منطقة متعددة الأقطاب والنفوذ:
لن تعود واشنطن قادرة على فرض إرادتها وحدها دول الخليج أصبحت أكثر جرأة في بناء علاقات مع الصين وروسيا.
محور المقاومة أصبح لاعبًا لا يمكن تجاهله خصوصًا بعد الانتصارات المعنوية والعسكرية التي حققها.
القوى الصاعدة مثل تركيا وإيران تحاول فرض نفوذها الإقليمي بعيدًا عن الهيمنة الغربية.
هذا التعدد في القوى قد يؤدي إلى مزيد من التوتر لكنه في الوقت ذاته يفتح نافذة لاستقلال القرار العربي إذا ما استغلت الشعوب ذلك بحكمة.
خامسًا: سيناريوهات المستقبل
السيناريو الإيجابي: تفرض الشعوب إرادتها ويُعاد ترتيب العلاقات الإقليمية على أسس العدالة وتحرير فلسطين وبناء أنظمة تمثل الشعوب.
السيناريو السلبي: مزيد من التفكك وانهيارات اقتصادية وفرض تطبيع كامل مع الاحتلال وتصفية القضية الفلسطينية تدريجيًا.
السيناريو الواقعي: استمرار التوازن بين المشاريع المختلفة مع صراع بارد ومجالات للتقدم في بعض الدول وانتكاسات في أخرى مع استمرار المقاومة كقوة ردع وحفظ للكرامة.
الشعوب تصنع شرقها الجديد
الشرق الأوسط الجديد يُكتب الآن ليس فقط في غرف السياسة بل في الشوارع والمخيمات والجامعات وعلى جبهات المقاومة من يعتقد أن التاريخ يُصنع فقط في المؤتمرات مخطئ فالمستقبل تصنعه إرادة الشعوب وكرامة المقاومين ووعي الجيل الجديد.
ويبقى السؤال:
هل سيكون الشرق الأوسط الجديد مشروع حرية… أم خارطة جديدة للهيمنة؟
الجواب لا تحدده أمريكا ولا إسرائيل بل تُحدده أصواتنا، ودماؤنا، وثباتنا على الحق.
باحث في درجة الدكتوراه في العلوم السياسية و العلاقات الدولية
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


شبكة أنباء شفا
منذ ساعة واحدة
- شبكة أنباء شفا
إيران .. نهاية لعبة الانتظار الطويل ، بقلم : الصحفي سامح الجدي
إيران .. نهاية لعبة الانتظار الطويل ، بقلم : الصحفي سامح الجدي لم تكن سياسة إيران مجرد صمتٍ سياسي أو تراجعٍ تكتيكي، بل كانت أشبه بـ لعبة الانتظار الطويل، التي تُمارسها العقول الباردة، متى ما رأت أن الوقت حليفها، وأن العاصفة تمرّ، وأن الغد سيمنحها ما لم تستطع انتزاعه اليوم. سنينٌ طويلة بنت فيها طهران ملامح حضورها، لا بصخب الحرب، بل بحنكة التمدد، وبناء النفوذ، وتثبيت الأذرع في الجغرافيا المشتعلة. لكن اللعبة التي ظنتها طهران آمنة، انقلبت عليها. الضربات الكبرى لم تترك مجالًا للإنكار، ولم تُبقِ متسعًا لإعادة تدوير الخطاب القديم. اليوم، سقطت أقنعة التريّث، وسُمِع دويُّ الانكشاف في مراكز القرار. ها هي إيران تُدفَع الآن إلى زاوية ضيّقة، لم يسبق أن وجدت نفسها فيها بهذا الوضوح. أمامها خياران لا ثالث لهما: إما الاندفاع الكامل نحو المواجهة الكبرى، بكل ما راكمته من قوة وعدّة، متحدية العالم والمنطق معًا .. أو الانصياع التام لشروط الأعداء، وإعلان الهزيمة في أبسط صورها وأكثرها إذلالًا. أما أي محاولة لابتكار 'خيار ثالث'، أو العودة إلى خطاب ضبط النفس والمراوغة، فلا تعني سوى أمرٍ واحد: تأجيل الإقرار بالهزيمة، لا أكثر. فقد ولّى زمن كسب الوقت، وانتهت مرحلة اللعب على الهوامش، ولم تَعُد العواصم تتسع لمن يختبئون خلف ظلّهم. إيران، اليوم، ليست أمام معركة حدود أو وكلاء أو بيانات نارية. إنها في امتحان الوجود. والخروج من هذا الامتحان ليس مضمونًا لا بالقوة ولا بالعقل، بل بقرارٍ سيكون ثمنه إمّا المجد .. أو العدم. وهكذا، لا يبقى للتاريخ سوى أن يُحدّق طويلاً في هذه اللحظة، ليرى أيّ طريقٍ ستختارها إيران .. في نهاية لعبةٍ طالت أكثر مما ينبغي. فالتاريخ لا يرحم أولئك الذين أضاعوا فرص الحسم، ولا يُجامل الدول التي فضّلت التردد على القرار. لقد جرّبت إيران أن تُمسك العصا من المنتصف، أن ترقص على حبل التوازن بين الاشتباك والتجنّب، أن تُدير حروبًا بلا جيوش، وصراعات بلا إعلان، وأن تبني نفوذًا على أنقاض الآخرين دون أن تدفع الثمن مباشرة. لكن لحظة الحقيقة لا تعرف المواربة. اللحظة التي يطرق فيها الخصم أبوابك لا تُشبه أبدًا اللحظة التي ترسل فيها طائراتك المسيّرة عبر الحدود، أو تدعم ميليشيا هنا، وتفاوض في الخفاء هناك. في هذه اللحظة، يصبح كل شيء عاريًا: القدرات، التحالفات، المواقف، وحتى الشعارات. فإن اختارت طهران التصعيد الشامل، فهي بذلك تدخل نفقًا مفتوحًا على الاحتمالات الكبرى، نفقًا قد يجعلها تدفع أثمانًا تاريخية من دمها واقتصادها ووحدتها الجغرافية والسياسية. وإن اختارت الرضوخ، فستكسر الهيبة التي بنتها بين أنصارها وخصومها على السواء، وستفقد رصيدها الرمزي في وجدان من صدّقوا أنها 'قلعة الصمود الأخيرة'. أما التعلق بالأوهام القديمة، ومحاولة خلط الأوراق من جديد، فلن يمنحها سوى مزيد من الوقت المسموم .. وقتٌ لا يشتري نصرًا، بل يُجهّز لهزيمة أبطأ. العالم لا ينتظر إيران، ولا يقف عند بوابتها ليسمع توضيحاتها. فالزمن الآن زمن الحسم. والمعركة معقدة، نعم، لكن خطوطها النهائية باتت مرئية. والخيار صفر .. لم يعد مجرد حالة طارئة، بل أصبح عنوانًا لواقع جديد كُتب بحبر النار والرصاص. إنها لحظة السقوط الحرّ أو الصعود المفزع، ولا شيء بينهما سوى الحقيقة المرّة: لعبة الانتظار الطويل .. انتهت.


شبكة أنباء شفا
منذ ساعة واحدة
- شبكة أنباء شفا
هل ستنفجر الخريطة الجيوسياسية تحت أقدام الصامتين؟ بقلم : سالي أبو عياش
هل ستنفجر الخريطة الجيوسياسية تحت أقدام الصامتين؟ بقلم : سالي أبو عياش من غزة إلى البحر الأحمر، ومن طهران إلى باكستان، تتكاثر خطوط التوتر في الشرق الأوسط على نحو غير مسبوق منذ عقود. الانفجارات السياسية والعسكرية المتنقلة، وتداخل الصراعات، وتحوّل الفاعلين المحليين إلى أدوات ضمن صراعات أوسع، يشير إلى أن المنطقة تقترب من نقطة تحوّل جيوسياسية حادة. في ظل غياب رؤية دولية متماسكة، وتصاعد أدوار قوى إقليمية غير تقليدية، تبدو الخريطة وكأنها تُعاد صياغتها تحت الضغط، وسط صمت رسمي عربي، واستقطاب دولي غير متزن. وسط هذه التعقيدات، يبرز سؤال حاد: هل نحن على أعتاب حرب شاملة؟ أم أمام انفجار تدريجي لخريطة جيوسياسية فشلت القوى الكبرى في احتوائها؟ قطاع غزة والضفة الغربية (النواة المتفجرة): قطاع غزة تلك البقعة الجغرافية المحاصرة التي تعاني ويلات الحصار وحرب الإبادة التي أكلت هويتها منذ ما يزيد عن عام ونصف، لم تعد فقط ساحة حرب، بل بؤرة تفجير إقليمي. فالعدوان الإسرائيلي المستمر منذ أكتوبر 2023، وتزايد المجازر بحق المدنيين، وضع الاحتلال في مأزق أخلاقي وسياسي غير مسبوق، حتى بين أقرب حلفائه، أكثر من 56.423 شهيد، معظمهم من الأطفال والنساء، ودمار شبه كامل للبنية التحتية، وتهجير قسري بين الشمال والجنوب غير الجغرافيا السياسية بالمنطقة من جهة وأضاح الرؤية حول ازدواجية المعايير القانونية والدولية التي تتحكم بالعالم. أما الضفة الغربية التي تُخنق يومياً من خلال الاقتحامات المتواصلة للمدن والقرى الفلسطينية من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه الذين يعيثون بالأرض فساد، واغتيالات، واعتقالات متواصلة، ناهيك عن سياسة هدم المنازل الفلسطينية بذرائع مختلفة وبشكل ممنهج إضافة إلى الحواجز والبوابات العسكرية على مداخل ومخارج المدن الفلسطينية وتفصلها عن بعضها البعض بشكل معزول (كانتونات) وبلغ عددها ما يقارب 900 بوابة حديدة وحاجز عسكري. هذا الانفجار المركّب في الجغرافيا الفلسطينية يُعتبر جزءاً لكل ما يحدث حوله من تغيرات في الإقليم، إذ أنه جزء لا يتجزأ من صفقات ومخططات سياسية كصفقة القرن وخطة الحسم والضم واتفاقيات ابراهام، وسيؤثر ويتأثر في إيقاع باقي الملفات في المنطقة الإقليمية. إسرائيل من التوسّع العسكري إلى العجز الأمني: بعد طوفان الأقصى اندفعت إسرائيل نحو توسيع رقعة المواجهة لتشمل أكثر من ساحة قتال إلى جانب عدوانها الكاسح على غزة، فكثّفت عملياتها في الضفة الغربية، واشتبكت مع حزب الله في جبهة الشمال (جنوب لبنان)، وقصفت مواقع في سوريا، وواجهت هجمات من اليمن وقامت بالرد عليها وقصفت بعض المناطق الحيوية في اليمن كميناء الحديدة، واخيراً انخرطت في توتر متصاعد مع إيران وقامت بتوجيه ضربات في قلب طهران وايران لترد ايران على ذلك وتشتعل هذه الجبهة إلى جانب جبهة قطاع غزة والضفة الغربية وبعض التوترات في الجبهات الأخرى، وقد شكّلت الضربة الإيرانية المباشرة في جوان 2025 سابقة عسكرية قلبت موازين الردع في الإقليم، وأظهرت هشاشة الدفاعات الجوية الإسرائيلية رغم الدعم الأميركي والغربي. وهكذا، تحوّل التوسع العسكري الإسرائيلي، الذي أرادت من خلاله رسم مشهد 'نصر استراتيجي' يعوّض فشلها في 7 أكتوبر، إلى مأزق متصاعد. فإسرائيل اليوم تجد نفسها في ورطة متعددة الجبهات: استنزاف في الموارد، إنكشاف أمام صواريخ حزب الله وإيران، وضعف في الجبهة الداخلية التي تعاني من انقسامات سياسية حادة، واحتجاجات متواصلة ضد الحكومة، وتراجع حاد في ثقة الجمهور بالمؤسسة الأمنية والعسكرية. فإسرائيل اليوم تقاتل على أكثر من جبهة، لكنها في الواقع تقترب أكثر من حدود العجز، وتغرق في مأزق وجودي يتعمّق مع كل ضربة اتجاه عمقها في هذه الحرب. إيران وسوريا ولبنان (مثلث الردع المتحفّز): تعاملت إسرائيل طويلاً مع لبنان وسوريا كجبهات تهديد فاعلة، شهد هذان البلدان حالة من الركود النسبي. ففي لبنان، ورغم المواجهات اليومية التي خاضها حزب الله منذ طوفان الأقصى، جاءت الضربة القاصمة باغتيال أمينه العام، السيد حسن نصر الله، ما أضعف القيادة المركزية للمقاومة هناك، وأدى لاحقاً إلى اتفاق هش لوقف إطلاق النار، هدّأ الجبهة الشمالية رغم بعض الخروقات الإسرائيلية. أما على الأرض، فتراجعت فعالية الحزب العسكرية، وتقلص حضوره الميداني، في ظل تعقيدات داخلية وانكفاء شعبي واضح. أما سوريا، التي كانت ذات يوم لاعباً مركزياً في محور المقاومة، فقد تحولت تدريجياً إلى ساحة نفوذ متنازع عليها. فمع انهيار نظام بشار الأسد، دخلت البلاد في مرحلة تفكك سياسي وأمني، استغلتها إسرائيل لتوسيع وجودها العسكري والسيطرة على مناطق حدودية. واليوم، ومع صعود الرئيس أحمد الشرع، بات التموضع السوري في تحوّلاً دراماتيكياً يعمّق حالة الضعف داخل محور المقاومة وفي قلب التحولات الإقليمية العنيفة، تقف إيران كأحد الأطراف قدرةً على التأثير وكسر المعادلات، فهي تتحرّك ضمن استراتيجية مدروسة، إلى جانب حلفائها في لبنان وسوريا واليمن وتوازن فيها بين التصعيد والتهدئة، وفقاً لحسابات دقيقة. لكن الاغتيالات الإسرائيلية في قلب طهران، واستهداف المستشارين الإيرانيين في سوريا، كسرت هذا التوازن، لتفتح الباب أمام تصعيد غير مسبوق. وبينما كانت على وشك الدخول في مفاوضات نووية جديدة مع القوى الكبرى، أطاحت المواجهة المتصاعدة بكل قنوات الدبلوماسية، واندلعت حرب مباشرة مع إسرائيل وسط قصف وضربات متبادلة تشي بأن المعركة خرجت من إطار السيطرة التقليدية، فالضربة الإيرانية الواسعة رداً على الاعتداءات الإسرائيلية وضعت المنطقة على حافة الانفجار، ودفعت أطرافاً إقليمية إلى الاصطفاف علناً إلى تحالف أما إسرائيلي أو إيراني في مشهد ينذر بإعادة رسم خريطة التحالفات الإقليمية بالكامل. وهكذا، بينما تتصاعد الحرب بين إيران وإسرائيل، يتراجع تأثير جبهات المحور التقليدية، ويتصدّع عمق المقاومة في لحظة كانت تستدعي تماسكا أكبر، ما يعكس انقلاباً واضحاً في موازين القوى الإقليمية. اليمن والخليج (رسائل صاروخية تحت الطاولة): تعد اليمن أيضا أحد أركان محور المقاومة، فحركة أنصار الله في اليمن أصبحت لاعباً مؤثراً في الإقليم. واعتبرها إسرائيل جبهة قتال مفتوحة ضدها لما قامت به من هجمات البحر الأحمر، استهداف السفن المرتبطة بإسرائيل، وشلّ الملاحة في المضائق، وقيامها بتوجيه ضربات صاروخية بالستية إلى عمق تل إسرائيل. تأكيداً لدعمها للشعب الفلسطيني بحقة في مقاومة الاحتلال بصورة خاصة أدخل واشنطن واسرائيل في معركة بحرية لم تكن مستعدة لها إن ازدادت حدة الموقف اليوم من الممكن اغلاق البحر الأحمر ومضيق هرمز في وجه التجارة مما سيؤدي إلى تدهور اقتصادي في المنطقة. أما الخليج برمته بالرغم من أنه يحاول البقاء على موقع المتفرج القلق والمستنكر أحياناً سيشعر بخطر التصعيد، ويعمل على التوازن بين تطبيعه مع إسرائيل ومخاوف أمنه الداخلي، فهو يدرك أن النار إذا اتسعت، فلن تستثني أحداً. مواقف دولية (إدارة أزمة بلا حل) في مفاجأة لافتة، بدأت باكستان بالخروج من صمتها التقليدي، عبر خطابات حادّة تجاه المجازر الإسرائيلية في غزة، مع مؤشرات تقارب متسارعة مع محور المقاومة في إيران. هذا التحول، إن استمر، قد يُعيد رسم التوازنات في جنوب آسيا، ويمنح طهران حليفاً استراتيجياً جديداً في منطقة طالما بقيت خارج معادلة الاشتباك المباشر. أما كوريا الشمالية، فتمضي في نهجها المعروف: تراقب، تلوّح، وتبعث بإشارات دعم غير مباشرة لطهران، فيما يشبه تحالفاً غير معلن ضد الهيمنة الأميركية في المنطقة، يهدد بإزاحة الأزمة من إطارها الشرق أوسطي إلى سياق دولي أشمل. في المقابل، تقف واشنطن في موقع من يمسك بكل الخيوط، لكنه يعجز عن نسج حل. فهي تواصل دعم إسرائيل سياسياً وعسكرياً بلا شروط، وتراهن على سياسة 'الاحتواء المؤجل'، لكنها تفشل في فرض تهدئة حقيقية. بل إن هذا الدعم غير المشروط يغذّي الانفجار أكثر مما يحدّ منه. ومع اتساع المجازر، تتصاعد الضغوط داخلياً على الرئيس ترامب، الذي يواجه انتقادات حادة من الكونغرس والرأي العام، ما يُضعف قدرة واشنطن على ضبط الحلفاء أو كبح خصومها. المواقف العربية، في معظمها، تراوحت بين الخذلان الكامل والمناورة الباردة. فالجامعة العربية غائبة فعلياً، والبيانات الرسمية لا توازي حجم الكارثة الجارية. الأنظمة تكتفي بإدانات شكلية وبيانات مكتوبة بلغة خشبية، بينما الشعوب تغلي من المغرب إلى البحرين، وتملأ الشوارع بالغضب والدعوات للمقاطعة والمقاومة. هذا التباين بين الأنظمة والجماهير يفتح باباً واسعاً للأسئلة: هل سيبقى الغضب الشعبي مجرد حالة عابرة؟ أم أن صمت الأنظمة قد يرتد عليها داخلياً، ويُفجّر أزمات سياسية وأمنية لا يمكن التنبؤ بها؟ إن هذه التغيرات السياسية في العالم برمته ومنطقة الشرق الأوسط بصورة خاصة يجعلنا امام سيناريوهات محتملة للتوصل الى حل لكل ما يحدث من حروب وابادة تتمثل في: أولاً: تصعيد شامل: في حال حدوث ضربة كبيرة (من أو على إيران أو اسرائيل) خاصة على المفاعلات النووية الكبرى أو دخول الولايات المتحدة الامريكية بشكل مباشر إلى الحرب، قد ينفجر الإقليم عسكرياً، ويدخل في مواجهة متعددة الجبهات. ثانياً: الاستنزاف الطويل: استمرار الحرب في غزة مع تصعيد محدود في الأطراف، وسط شلل دبلوماسي وتغيرات ومصالح شخصية سيؤدي لاستمرار الحرب وبقاء الوضع على ما هو عليه اليوم.ثالثاً: تفاهمات مؤقتة: برعاية دولية (هدنة قصيرة أو طويلة الأمد)، تُجمّد النار دون معالجة أصل الأزمة. رابعاً: انهيار إقليمي متدرج: حيث ينهار النظام القائم دون حرب مباشرة، بل بفوضى متصاعدة وتآكل داخلي في أكثر من دولة. في النهاية إن الخريطة الجيوسياسية في الشرق الأوسط لم تعد تُدار بالحسابات الدقيقة، بل بالصمت، التراخي، والتجريب، لكن الجبهات المشتعلة لا تنتظر. فالمجازر في غزة لن تبقى محصورة في لحدودها فحين تنفجر الخريطة، لن يكون هناك 'متفرجون' بل ضحايا من كل الأطراف، وحسابات سقطت تحت ركام اللحظة وشرق أوسط جديد لا نعلم نهايته حتى اللحظة.


فلسطين اليوم
منذ 4 ساعات
- فلسطين اليوم
حماس تُدين تفجير كنيسة مار إلياس في دمشق
أدانت حركة المقاومة الإسلامية حماس بأشد العبارات التفجير الإجرامي الذي استهدف كنيسة مار إلياس في العاصمة السورية دمشق، وخلّف عشرين شهيدًا من المدنيين الأبرياء، في اعتداء وُصف بالآثم والمرفوض وطنيًا وإنسانيًا. وأكّدت الحركة في بيان صحفي تضامنها العميق ووقوفها الكامل إلى جانب الشعب السوري الشقيق وحكومته، معبّرة عن خالص تعازيها لأُسر الضحايا، ومتمنية الشفاء العاجل للجرحى. وشددت حماس على ثقتها بقدرة الشعب السوري بكافة مكوّناته على تجاوز آثار هذه الجريمة، وتعزيز قيم الوحدة الوطنية والتكاتف في سبيل استقرار البلاد ونمائها.