ترامب ونتنياهو في ميزان الثقافة والأخلاق
قال ألبير كامو في روايته الشهيرة "الطاعون" الصادرة في العام 1947، والتي تعد استعارة للوقائع السياسية والاحتلال النازي، موضحاً أن: "الطريقة الوحيدة لمحاربة الشر هي النزاهة. والنزاهة هي أداء المرء لعمله بإخلاص".
وفي موضع آخر، عبر كامو عن موقفه الفلسفي تجاه السياسة والأخلاق قائلاً: "السياسة ومجرى التاريخ لا يثيران اهتمامي حين ينفصلان عن الأخلاق".
تُبرز هذه العبارات أهمية البعد الأخلاقي في السياسة، وكيف يمكن لغيابه أن يحول السياسة إلى أداة قمع وظلم. وفي زمن تراجعت فيه معايير العدالة الدولية، يصبح لزاماً علينا أن نُعيد مساءلة السياسيين من منظور أثرهم على القيم الإنسانية الكبرى: الحق، والحرية، والكرامة.
من هذا المنطلق، نسلط الضوء على شخصيتين أثارتا جدلاً أخلاقياً وثقافياً في المشهد الدولي المعاصر: دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو، كنموذجين صارخين لتحلل السياسة من بعدها الأخلاقي وتحالف الانحراف الشخصي مع الانفلات السلطوي.
في الوقت الذي عاد فيه دونالد ترامب إلى البيت الأبيض لولاية ثانية، وواصل بنيامين نتنياهو قيادة دولة الاحتلال، تتعمّق الحاجة إلى إعادة تقييم أثر هاتين الشخصيتين، لا فقط في ميزان السياسة، بل في ميزان الأخلاق والثقافة. فالرجلان لم يغادرا المشهد، بل عادا إلى تصدره — أو واصلا تصدره — بأجندات أكثر تهوراً وعدوانية، وسط عالم تبددت فيه الضوابط الأخلاقية، وتراجعت فيه موازين الردع الدولية.
ترامب، الذي عاد إلى قيادة الدولة الأقوى في العالم، بعد ولاية أولى مثقلة بالفضائح والانقسامات، يواصل ما بدأه من نهج يعادي القيم الديمقراطية، ويزدري المؤسسات، ويغذي التطرف والعنصرية. شخصيته السياسية ما تزال تمثل نموذجًا منفلتاً يفتقر إلى الحدّ الأدنى من المسؤولية الإنسانية. أما نتنياهو، فلا يصحّ أصلاً أن يُدرج في قوائم المقارنة السياسية بين قادة العالم؛ فهو زعيم كيان احتلالي لا شرعية له، ولا يمكن التعامل معه خارج إطار الجرائم والسياسات الاستعمارية التي قادها ضد الشعب القلسطيني الأعزل.
في امتحان الأخلاق، سقط الرجلان، لكن سقوط ترامب يبقى مدوياً، لأنه جاء من موقع كان يُفترض أن يحمي القيم الديمقراطية والعدالة الدولية. أما نتنياهو، فخارج التصنيف الأخلاقي، لا بين القادة السياسيين فحسب، بل حتى بين البشر، ما دامت يده ملوثة بمجازر وجرائم حرب وإبادة.
في تاريخ الولايات المتحدة، مرّ على البيت الأبيض قادة لم يكونوا ملائكة، لكن بعضهم قدّم ما يستحق التقدير في ميزان القيم والضمير، أو على الأقل حاول أن يرتقي بالخطاب السياسي ويكبح وحش المصالح إذا انقضّ على المبادئ.
جورج واشنطن، بوصفه المؤسس الأول، أرسى تقاليد تداول السلطة. وأبراهام لينكولن، خاض حرباً أهلية لإنهاء العبودية، وسُجّل له دفاعه التاريخي عن وحدة بلاده وكرامة الإنسان فيه. أما جيمي كارتر، فرغم قصر فترته الرئاسية، فقد بقي يُستشهد به في ميدان الأخلاق السياسية، من خلال دعمه الدائم لحقوق الإنسان، بعد خروجه من المنصب أكثر مما فعل خلاله.
في المقابل، جاء ترامب بشعار "لنجعل أمريكا عظيمة مجددًا" (MAGA)، لكنه لم يفهم العظمة، ولم يحترم التاريخ، بل أساء إلى الفكرة نفسها حين حوّلها إلى خطاب كراهية، قائم على العنصرية والانغلاق والحنين إلى نموذج "أمريكي أبيض متفوق". لم تكن "العظمة" في عهده سوى صخب على منصات التواصل الاجتماعي، وعداء للإعلام، وهجوم على المؤسسات، وشرعنة للعنصرية، وازدراء للحلفاء، وتحالف أعمى مع الاستبداد.
العظمة الحقيقية لا تُقاس بحجم الجدار على الحدود، ولا بعدد التعريفات الجمركية، بل تُقاس بقدرة الدولة على حماية الإنسان، احترام القانون، ودعم العدالة، محلياً ودولياً. ترامب لم يُسقِط فقط صورة أميركا أمام العالم، بل شوّه مرآتها في عيون مواطنيها أنفسهم؛ إذ زاد الانقسام، وأطلق العقال لأشد تيارات التطرف والعنصرية.
ولعلّ من غير المستغرب أن تجد شخصية مضطربة كدونالد ترامب، في بنيامين نتنياهو حليفاً وصديقاً حميماً؛ فالرجلان يتشابهان في نرجسيتهما، وعدوانيتهما، واستهتارهما بالقانون الدولي والمواثيق الإنسانية. كلاهما يتعامل مع العالم كمنتجع خاص، لا يريان فيه سوى مصالحهما الشخصية، أو فرصاً للهيمنة والإفلات من المحاسبة.
ترامب منح نتنياهو ما لم يمنحه رئيس أميركي قبله: القدس عاصمة مزعومة، والجولان "هبة سيادية"، وصفقة قرن بائسة كرّست الاحتلال ونفت وجود الشعب الفلسطيني، وكأن التاريخ يكتب بمزاج شخصين يتبادلان الإعجاب ويستعجلان صناعة مجد زائف على أنقاض الشعوب.
هذه العلاقة ليست مجرد تحالف مصالح؛ بل تحالف تشوّه أخلاقي. تحالف بين من يحتقر المؤسسات والديمقراطية، وبين من يحترف الاحتلال والتمييز العنصري. وهي صورة تضرّ بأميركا كثيراً، وتشوه موقعها الأخلاقي أمام شعوب العالم أكثر، بل إنها لا تليق أبداً بالشعب الأميركي، الذي قد يختلف حول السياسات، لكنه لا يستحق أن يُمثَّل بهذا النموذج المنفلت من أبسط معايير الكرامة الإنسانية.
لكن السؤال الأعمق يظل قائماً: كيف أمكن لزعيمين أرعنين كهذين أن يفرضا نفسيهما بهذا الشكل الفج على النظام الدولي، دون ردعٍ حقيقي من القوى الكبرى أو المنظمات الأممية؟ الإجابة لا تكمن فقط في شخصيتي ترامب ونتنياهو، بل في لحظة تاريخية مضطربة تراجعت فيها القيادة الأخلاقية والسياسية والثقافية للنظام العالمي.
أوروبا، المثقلة بأزماتها الاقتصادية وصعود اليمين الشعبوي داخلها، أضحت أكثر ميلاً إلى الانكفاء بدل المبادرة، وفقدت الكثير من وزنها السياسي المستقل لصالح واشنطن. أما الصين، فمشغولة بمشروعها الطويل الأمد للصعود الاقتصادي والتكنولوجي، وتعتمد القوة الناعمة كوسيلة تفادي للمواجهة المباشرة. وروسيا، من جانبها، غارقة في مستنقع حرب أوكرانيا، وتبحث عن إعادة ترسيم حدود نفوذها بأي ثمن.
وفي ظل هذا الفراغ، لم يكن من الغريب أن تتراجع الضوابط الأخلاقية العالمية، وأن يصبح الصوت الأعلى هو صوت الغطرسة، وأن تُترك الشعوب المقهورة لمصيرها. ربما كان هذا هو وجه التاريخ الحديث نفسه: زمن ما بعد الهيمنة، لكنه أيضاً زمن ما قبل التوازن الجديد، حيث تبرز أسوأ نماذج القيادة في لحظات الارتباك، ويُترك الضمير العالمي معلقاً على هامش المشهد.
في رواية الطاعون، لم يكن المرض مجرد جرثومة، بل تجسيداً للشرّ حين يتسلل إلى الحياة اليومية ويصبح عادياً.
وبمثل ما دعا كامو إلى محاربة الوباء بالنزاهة، فإن مقاومة هذا الانحدار الأخلاقي في السياسة تبدأ من الاعتراف بأن الخطر الحقيقي لا يكمن فقط في من يحكم، بل في من يصمت.
ذلك أن الطاعون، كما قال كامو، لا يرحل أبدًا. إنه يختبئ... وينتظر لحظة ضعف جديدة، ليعود. وبين محتلٍّ استعماريٍّ مضطربٍ كنتنياهو، ومختلٍّ سياسيٍّ أرعن كترامب، فإنّ العالم يغدو مقامرةً سياسيةً إمبرياليةً توسعية، لا تحكمها القيم ولا تضبطها الأخلاق.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


رؤيا نيوز
منذ ساعة واحدة
- رؤيا نيوز
نتنياهو يصلي في القدس من أجل 'سلامة ترامب' -صور
قالت صحيفة 'يديعوت أحرونوت' إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو صلى، اليوم الأحد، في مدينة القدس لأجل سلامة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. ووفق الصحيفة، فإن نتنياهو أدى 'الصلاة مع حاخام الحائط الغربي من أجل نجاح استمرار الحرب في إيران، ومن أجل سلامة الرئيس ترامب'. وقيل في الصلاة، بحسب الصحيفة: 'وباركوا رئيس الولايات المتحدة على توليه مهمة طرد الشر والظلام من العالم'. وكان نتنياهو أشاد، في وقت سابق اليوم، بقرار الرئيس الأمريكي شن هجمات على المنشآت النووية الإيرانية، واصفًا إياه بـ'القرار الجريء' الذي سيغيّر مسار التاريخ، وفق تعبيره. وقال نتنياهو في كلمة متلفزة: 'قيادة الرئيس ترامب خلقت لحظة تاريخية يمكن أن تساعد على توجيه الشرق الأوسط والعالم نحو مستقبل من الرخاء والسلام'. وأضاف أن 'التاريخ سيسجل أن ترامب تحرك بقوة وحزم لمنع أخطر نظام في العالم من امتلاك أخطر الأسلحة'. ووجّه نتنياهو الشكر للرئيس الأمريكي باسم 'شعب إسرائيل'، معتبرًا أن هذه الخطوة ستُحدث تحولًا استراتيجيًا في المنطقة.


سواليف احمد الزعبي
منذ 2 ساعات
- سواليف احمد الزعبي
قنابل للإقناع: هل ترضخ إيران بضربة وتستكين إسرائيل بخدعة
#قنابل_للإقناع: هل ترضخ #إيران بضربة وتستكين #إسرائيل بخدعة بقلم د #هشام_عوكل – أستاذ إدارة الأزمات والعلاقات الدولية في يونيو 2025 وفي ذروة التصعيد الإقليمي المختلط بين الدبلوماسية والبارود اختارت الولايات المتحدة الأمريكية إرسال رسائلها السياسية على هيئة صواريخ موجهة نحو مفاعلات إيرانية يُعتقد أنها تشكل تهديداً نووياً واضحاً وجهت ثلاث ضربات جوية استهدفت' نطنز' وفوردو' وأراك' بدت الضربات في ظاهرها رداً محدوداً لكنها حملت في عمقها رسالة أكبر رسالة تقول اجلسوا قبل أن نُجبركم على الجلوس ٫ صور الأقمار الصناعية لم تُظهر دماراً كاملاً بل رحيل مشروع كانت شُحناته تتنقل بسرية والأجهزة تتوارى تحت الأرض المشروع النووي الإيراني لم يُقتل بل تغيّر شكله وتحوّل إلى شبح جديد يسكن الجبال ويبتعد عن كل رصد مباشر روسيا والصين لم تُدينا ولم تتحركا ولم ترفع إحداهما إصبع اعتراض وكأنهما تراقبان عن بعد أمريكا تركض في حقل ألغام كما تورطت روسيا في مستنقع أوكرانيا تسكت الصين لعل أمريكا تنزف أكثر في الجبهة الإيرانية بينما موسكو تشعل النار في أوروبا وواشنطن تلهث خلف شبح اليورانيوم في جبال فارس في إسرائيل، استغل نتنياهو الضربة الأمريكية لتخفيف ضغط الشارع، مما أدى إلى انخفاض المظاهرات وتحول النقاش من أزمة الرهائن في غزة إلى الملف النووي الإيراني، مع تبدل التصورات بأن الصاروخ الأمريكي جاء لإنقاذ الحكومة الإسرائيلية من أزمة داخلية بدلاً من إيقاف البرنامج النووي الإيراني. أما حماس، فاختفت من الأنظار، وتركزت الأنظار على إيران التي أصبحت العدو الأهم والأكثر حضوراً في العناوين، بينما تراجعت قضية غزة ومعاناة سكانها. الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب وعد الإيرانيين بأسبوعين لتقييم الموقف فإذا بالصواريخ تُطلق في اليوم ذاته منح مهلة مدتها ستين يوماً فإذا بإسرائيل تنفذ الضربة في اليوم التالي أعلن أن الحرب في غزة ستنتهي في غضون أيام فإذا بالغزاوي لا يزال يُدفن وهو يبحث عن ربطة خبز جاف ترامب لا يُقاتل بالاستراتيجية بل بالتغريدات لا يُفاوض بالقيم بل بالتوقيتات لا يقرأ تقارير الاستخبارات بل يقتبس من نشرات المساء لكن ماذا لو حصل تسرب نووي في مفاعل من المفاعلات الإيرانية ماذا لو قامت إيران بضرب مفاعل' ديمونا' اسرائيلي في قلب صحراء النقب ماذا لو استيقظ العالم على انبعاث إشعاعي يطير فوق البحر المتوسط ويعانق شواطئ أوروبا الجنوبية هل سيدرك ترامب حينها أن السلاح النووي ليس أداة هجوم بل جرس إنذار شامل هل سيدرك العالم أن اللعب باليورانيوم كمن يلعب بالجنون وسط محطة وقود مغلقة بالأكاذيب هذا الواقع يُعيد للأذهان مقولة 'ونستون تشرشل' الحرب هي استمرار للسياسة بوسائل أخرى لكن في زمن ترامب الحرب هي أداة انتخابية وصوت دعائي وجزء من حملة إعلانية تمتد من المنابر إلى المدافع نهاية هذا المشهد لا تزال ضبابية هل نحن أمام تفكيك لمشروع أم بداية لصياغة مشروع نووي جديد تحت الأرض وتحت الطاولة كل السيناريوهات مفتوحة وكل الأبواب تؤدي إلى طرق وعرة قال غاندي القوة لا تأتي من القدرة الجسدية بل من الإرادة التي لا تُقهر لكن يبدو أن قوة هذا العصر تأتي من الطائرات المسيرة والقرارات المتسرعة والخدع الاستراتيجية زاوية حادة تسأل إذا كانت الحضارة تُقاس بعدد الرؤوس النووية وعدد اللاجئين وعدد الأكاذيب الرسمية فهل ما زال يحق لنا أن نُسمي هذا عالماً بشرياً وماذا عن التهديدات الإيرانية بإغلاق' مضيق هرمز' وهل نحن على أعتاب تحول بحري استراتيجي يخلط خرائط الطاقة والتجارة وما معنى الحديث عن انسحاب إيران من معاهدة حظر الانتشار النووي وهل هذا تمهيد للتخلي عن الضوابط القانونية الدولية ولماذا لم يُصدر المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني أي بيان حتى اللحظة حول الرد الرسمي على الطائرات التي هاجمت المفاعلات ولماذا لم تستخدم إيران بعد صواريخ 'قوم شهر' واكتفت بصواريخ' خيبر 'هل هذا لسبب تكتيكي أم هناك استراتيجية أكثر تعقيداً تنتظر لحظة الإشارة


رؤيا
منذ 3 ساعات
- رؤيا
القصة الكاملة للبرنامج النووي الإيراني من التأسيس بدعم أمريكي إلى الضربات الأمريكية
الكشف مطلع القرن الحالي عن مواقع سرية في إيران أثار القلق هل تسعى إيران إلى امتلاك السلاح النووي؟ يؤرق هذا السؤال الذي شكّل السبب المعلن للضربات "الإسرائيلية" والأميركية على الجمهورية الإسلامية، الأوساط السياسية الغربية منذ عقود، بينما تشدد طهران على الطابع السلمي لأنشطتها. في ما يلي أبرز المحطات التي مرّ بها البرنامج النووي حتى قصف الولايات المتحدة الأحد منشآت نطنز وأصفهان وفوردو، بعد أيام من بدء "إسرائيل" هجومًا على الجمهورية الإسلامية استهدف على وجه الخصوص مواقع عسكرية ونووية. "برنامج منظّم" وبدايات مقلقة تعود أسس البرنامج النووي الإيراني إلى أواخر الخمسينات من القرن المنصرم عندما وقّعت الولايات المتحدة اتفاقية تعاون مع الشاه محمد رضا بهلوي الذي كان حليفًا للغرب. في العام 1970، صادقت إيران على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية التي تُلزم الدول الموقّعة عليها بكشف موادها النووية ووضعها تحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة. لكن الكشف مطلع القرن الحالي عن مواقع سرية في إيران أثار القلق. وتحدثت الوكالة في تقرير صدر في العام 2011 عن "معلومات موثوقة" بأن إيران قامت بأنشطة مرتبطة بتطوير جهاز تفجير نووي في إطار "برنامج منظّم" للاستخدام العسكري قبل عام 2003. نقض اتفاق تاريخي وانهيار الثقة بعد أزمة استمرّت 12 عامًا ومفاوضات شاقة على مدى 21 شهرًا، تمّ في 14 تموز/يوليو 2015، التوصل إلى اتفاق تاريخي في فيينا بين إيران والدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الصين والولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة وروسيا وألمانيا. ودخل الاتفاق المعروف رسميًا بـ"خطة العمل الشاملة المشتركة" (JCPOA)، حيز التنفيذ في مطلع 2016، وأثار آمال الإيرانيين بخروج بلادهم من عزلتها الدولية، حيث قدّم لطهران تخفيفًا للعقوبات الدولية المفروضة عليها، مقابل قيود صارمة على برنامجها النووي. لكن ذلك لم يدم طويلًا، إذ أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب في العام 2018 انسحاب بلاده بشكل أحادي من الاتفاق، وإعادة فرض عقوبات صارمة على طهران. سباق التخصيب وانهيار المفاوضات يقول كليمان تيرم، الباحث في المعهد الدولي للدراسات الإيرانية (رصانة)، إن الانسحاب الأميركي أدّى إلى فكّ تدريجي لالتزام إيران ببنود الاتفاق النووي. ويضيف: "شرعت البلاد ردًا على ذلك، في استراتيجية تصعيدية" بهدف الضغط على الدول الأطراف الأخرى لمساعدتها على الالتفاف على العقوبات، لكن دون جدوى وبتكلفة "اقتصادية باهظة". وفي منشأتَي نطنز وفوردو اللتين استهدفتهما ضربات أميركية الأحد، قامت إيران بتخصيب اليورانيوم حتى 60 في المئة، وهي نسبة أعلى بكثير من السقف الذي حدده اتفاق 2015 والبالغ 3,67 في المئة، علمًا بأن النسبة ما زالت أقل من 90 في المئة المطلوبة لتطوير رأس حربية نووية. ونصّ اتفاق 2015 على أن يكون الحدّ الأقصى لمخزون إيران الإجمالي من اليورانيوم المخصّب 202,8 كلغ، غير أن المخزون الحالي يُقدّر بأنه يزيد عن ذلك بـ45 مرة. وفي صيف 2022، فشلت مفاوضات في فيينا بين طهران والأوروبيين في إحياء الاتفاق، وقلّصت إيران من تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وبعد عودة ترمب إلى البيت الأبيض في مطلع 2025، استؤنفت المفاوضات النووية في نيسان/أبريل بين واشنطن وطهران بوساطة سلطنة عمان، لكن الهجوم "الإسرائيلي" الذي بدأ في 13 حزيران/يونيو، أعقبه الهجوم الأمريكي الأحد، ليدفن تلك المحاولة. لا "دليل" على وجود سلاح.. ولكن القلق يتصاعد في مواجهة تنامي البرنامج النووي الإيراني، أعربت الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن "قلقها الشديد" في تقرير أصدرته في نهاية أيار/مايو الماضي، مؤكدة أن إيران هي الدولة الوحيدة غير الحائزة على السلاح النووي التي تُخصّب اليورانيوم بنسبة 60%، وتمتلك مخزونًا يسمح لها نظريًا بتصنيع أكثر من تسع قنابل. ورغم ذلك، أكد المدير العام للوكالة رافايل غروسي هذا الأسبوع أن منظمته لم تورد في تقريرها الأخير "أي دليل" يشير إلى أن إيران تعمل حاليًا على تطوير سلاح نووي، وهي عملية تتطلب خطوات معقّدة عديدة. في المقابل، لطالما أكّدت طهران سلمية برنامجها، مستندة إلى فتوى من المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، يحرّم فيها استخدام أسلحة الدمار الشامل.