logo
عبدالله الثاني ورفض الاستسلام للقوّة

عبدالله الثاني ورفض الاستسلام للقوّة

المغرب اليوممنذ 12 ساعات

ليس من وصف دقيق لما يشهده العالم والمنطقة أكثر من الوصف الذي قدّمه الملك عبدالله الثاني، في خطابه الأخير أمام البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ. وضع العاهل الأردني، الذي اثبتت الأحداث والتطورات العالميّة قدرته على استشفاف المستقبل، النقاط على الحروف. قام عملياً بمحاولة متواضعة لوضع العالم أمام مسؤولياته مركّزاً على الدور الأوروبي والدولي في العمل من أجل السلام والعدل.
لا يعود التوجه إلى أوروبا إلى قرب القارة العجوز جغرافياً من المنطقة فحسب، بل إلى وجود تجربة أوروبية لا يمكن تجاهلها أيضاً. إنّها تجربة ما بعد الحرب العالميّة الثانية. قال عبدالله الثاني، موجهاً كلامه إلى الّنواب الأوروبيين: «بعد الحرب العالمية الثانية، اختارت أوروبا إعادة البناء. ليس لمدنها فقط، بل للركائز التي تأسست عليها، إذ صممت شعوب أوروبا على ترك الماضي خلفها وبناء عصر جديد من السلام. اختار الأوروبيون الكرامة الإنسانيّة عوضاً عن الهيمنة والقيم عوضا عن الانتقام، والقانون عوضاً عن القوة والتعاون عوضاً عن الصراع».
كانت هناك حاجة لدى العاهل الأردني لتقديم وصف دقيق لحال العالم، لكنّ المهمّ، بالنسبة إليه، عدم الاكتفاء بالوصف... مهما بلغت دقته. أصرّ على تأكيد وجود «قيم تجمعنا». أشار إلى أن العديد من هذه القيم «متجذّرة في أدياننا: الإسلام والمسيحية واليهودية». هذه القيم موجودة «لتقيم الرحمة والعدل والمساواة». كان الخطاب دعوة إلى العودة إلى القيم، كما كان صرخة رجل يتألم في ضوء المأساة التي تشهدها غزّة حيث «إذا فشل المجتمع الدولي بالتصرف بشكل حاسم، فإننا نصبح متواطئين في تعريف معنى أن تكون إنساناً».
خلاصة الخطاب الذي القاه عبدالله الثاني، أن الحاجة إلى البحث عن مخرج بدل الاستسلام للعنف ومنطق القوة. لذلك يؤكد العاهل الأردني المرة تلو الأخرى أنّ القوة ليست حلاً وأنّ الحاجة إلى حلول سياسية قبل أي شيء آخر، خصوصاً في وقت تزداد الحرب الإيرانيّة- الإسرائيلية ضراوة.
هناك إدراك أردني واضح لخطورة المشروع التوسعي الإيراني في المنطقة. عانت المملكة الأردنية الهاشمية دائماً من السعي الإيراني إلى التدخل في الشؤون الداخلية للمملكة وإيجاد حال من عدم الاستقرار فيها.
ثمة محاولة أردنية متواضعة قام بها عبدالله الثاني، عن طريق خطابه أمام البرلمان الأوروبي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه والخروج من الوضع الكارثي القائم. قال بكل بساطة: «الآن نحن على مفترق طرق آخر حاسم في تاريخنا، مفترق طرق يتطلب الاختيار بين السلطة والمبدأ بين حكم القانون وحكم القوة». أوضح أن «الأمر لا ينطبق على غزّة فقط، فهذه ليست مجرّد لحظة سياسية أخرى لتسجيل المواقف، بل إنّه صراع في شأن هويتنا كمجتمع عالمي في الحاضر والمستقبل. من المرجح أن يكون هذا العام هو عام القرارات المحوريّة لعالمنا بأسره. سيكون للقيادة الأوروبيّة دور حيوي في اختيار الطريق الصحيح ويمكنكم الاعتماد على الأردن كشريك قويّ لكم».
نعم الأردن شريك قوي. تكمن أهمية عبدالله الثاني، في أنّه لم يفقد يوماً البوصلة السياسية التي تقود إلى الأمن والاستقرار مستقبلاً. في صيف 2002، حذر عبدالله الثاني، الرئيس الأميركي (وقتذاك) جورج بوش الابن، من مغامرة العملية العسكرية في العراق. لم يستمع بوش الابن إلى النصيحة. ما لبث العاهل الأردني أن حذر من النتائج المترتبة على تسليم العراق على صحن من فضّة إلى إيران. كان ذلك في حديث إلى صحيفة «واشنطن بوست» في أكتوبر 2004. تحدّث وقتذاك عن سيطرة «الجمهوريّة الإسلاميّة» على بغداد ودمشق وبيروت. تبيّن أنّه كان على حق في كلّ كلمة قالها.
قبل ما يزيد على 21 عاماً، لم يكن هناك من يريد الاستماع إلى عبدالله الثاني، الذي ينادي منذ سنوات طويلة، قبل حرب غزّة الأخيرة، بضرورة قيام دولة فلسطينية مستقلة. يعرف العاهل الأردني أن لا استقرار في المنطقة من دون هذه الدولة، بموجب شروط معيّنة واضحة في طبيعة الحال تضمن أن تكون دولة مسالمة. هل من يريد الاستماع الآن؟
الكلام موجه حتماً إلى الجانب الإسرائيلي، إلى بنيامين نتنياهو بالذات، أي إلى رجل لن يذهب بعيداً في السياسة في حال أصرّ على أن الحروب المستمرة تخدم الاحتلال وتكرّسه على حساب شعب موجود على أرض فلسطين التاريخية ولا يمكن إزاحته منها... بغض النظر عمّا ستؤدي إليه الحرب الإيرانيّة – الإسرائيلية من نتائج!

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

ترامب يطلق شرارة الحرب: ضربات أمريكية تستهدف منشآت إيران النووية بينها 'فوردو'
ترامب يطلق شرارة الحرب: ضربات أمريكية تستهدف منشآت إيران النووية بينها 'فوردو'

أكادير 24

timeمنذ 2 ساعات

  • أكادير 24

ترامب يطلق شرارة الحرب: ضربات أمريكية تستهدف منشآت إيران النووية بينها 'فوردو'

agadir24 – أكادير24/وكالات أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب صباح اليوم، الأحد 22 يونيو 2025، عن شن ضربات جوية أمريكية فورية ضد عدد من المواقع النووية الإيرانية، من بينها منشأة 'فوردو' المحصنة. ترامب قال إن الضربات انطلقت صباحًا بعد حسم القرار ضمن مهلة الأسبوعين التي أعلن عنها سابقًا. وأكد نجاعتها بعبارة 'العملية تمت بنجاح، والطائرات خرجت دون العودة من الأجواء الإيرانية'. هذه الخطوة تمثل تصعيدًا أمريكيًا مباشرًا غير مسبوق في دعم إسرائيل لاستهداف البنية النووية الإيرانية. التفاصيل تشير إلى أن القاذفات التدريبية الأميريكية من طراز B‑2 غادرت الولايات المتحدة وتوجّهت إلى قاعدة غوام، قبل انطلاقها نحو إيران. تُستخدم هذه الطائرات لحمل القنابل الضخمة GBU‑57 MOP المسماة 'أم القنابل الخارقة للتحصينات'، القادرة على اختراق المنشآت النووية العميقة مثل منشأة 'فوردو'. التصريحات والمتابعون العسكريون اكتشفوا أن ترامب أعلن أيضًا عن توجيه ضربات جوية أمريكية على 'نطنز' و'أصفهان'، وهو ما يؤكد رغبة واشنطن في توسيع دائرة القصف الإيراني، وليس اقتصارها على دعم إسرائيل فقط . صحيفة واشنطن بوست أوردت بعد ظهر اليوم أن مقاتلات أمريكية متطورة تدعم الهجوم، بما فيها F‑35‑F‑22، إلى جانب طائرات تزود بالصّواريخ وأنظمة دفاعية في المنطقة، وأن القصف الأمريكي جاء بعد تقارير استخباراتية بأن الدبلوماسية فشلت وأن الخيار العسكري صار ضروريًا لمنع إيران من تطوير أسلحة نووية . الخبراء العسكريون يرون أن هذا الخيار الأمريكي يدل على تحول محسوب من الضغط والدعم إلى العمل العسكري المباشر من قبل واشنطن، في إطار ملء الفجوة التي تركتها إسرائيل في ضرب المنشآت العميقة. ويشير المحللون إلى أن مدى التحرك الأمريكي يشير إلى 'لحظة فاصلة' قد تفتح الباب أمام رد إيراني عنيف قد يمتد إلى قصف قواعد أمريكية أو تجمعات إسرائيلية في المنطقة . هذه الخطوة قد تخرج البحرين وقطر والإمارات وغيرها من دول الخليج —كما حذّرت من قبل— عن دائرة الأمان، ما يعزز احتمال تحول النزاع إلى حرب إقليمية شاملة تشمل جبهات برية وبحرية متعددة . يبدو أن القرار الأمريكي هذه المرة بات ملموسًا: ضربات جوية مباشرة على منشآت نووية إيرانية بإذن ترامب. أما الرد الإيراني، فإنه مرهون بردّ متوقع، وسيتلو هذه الخطوة تطورات تضع العالم أمام تساؤلات جديدة: هل نجحت واشنطن في كبح برنامج طهران النووي؟ أم أنها منصتة لصوت حرب ممتدّة؟ الزمن وحده كفيل بالإجابة.

حرب إقليمية وشيكة: حشد عسكري أمريكي إسرائيلي غير مسبوق يقترب من إيران
حرب إقليمية وشيكة: حشد عسكري أمريكي إسرائيلي غير مسبوق يقترب من إيران

أكادير 24

timeمنذ 6 ساعات

  • أكادير 24

حرب إقليمية وشيكة: حشد عسكري أمريكي إسرائيلي غير مسبوق يقترب من إيران

agadir24 – أكادير24 تحركت الولايات المتحدة وإسرائيل عسكريًا بشكل غير مسبوق نحو حدود إيران، في ما وصفه مراقبون بأنه تمهيد لحرب إقليمية شاملة قد تندلع في أية لحظة هذا، ودفعت واشنطن خلال الساعات الأخيرة بقاذفات الشبح B‑2 إلى قاعدة غوام في المحيط الهادئ، وهي القاذفات الوحيدة القادرة على حمل القنبلة العملاقة GBU‑57 المعروفة بـ'أم القنابل الخارقة للتحصينات'، والمصممة خصيصًا لاختراق المنشآت النووية العميقة والمحمية مثل منشأة 'فوردو' الإيرانية التي بُنيت داخل جبل وعلى عمق كبير. في الوقت ذاته، تحركت حاملتا الطائرات 'نيميتز' و'كارل فينسون' باتجاه الخليج، ترافقهما فرقاطات ومدمرات وصهاريج وقود جوية، ما أعاد إلى الأذهان سيناريو الحشد العسكري الأمريكي قبيل غزو العراق عام 2003. وفق تحليل نشرته صحيفة 'واشنطن بوست'، فإن هذا التحرك لا يحمل طابعًا ردعيًا فقط، بل يشير إلى استعداد عملياتي لتنفيذ ضربات دقيقة على أهداف نووية إيرانية في حال فشل المسار الدبلوماسي. كما أرسل الجيش الأمريكي أيضًا وحدات دعم لوجستي وأنظمة دفاع جوي من طراز باتريوت وTHAAD إلى قواعده المنتشرة في الخليج والعراق والأردن، بينما صرّحت وزارة الدفاع الأمريكية بأن هذه التحركات تهدف إلى 'ضمان أمن القوات الأمريكية وحلفائها' لكنها تتماشى مع 'الاستعداد لأي طارئ'. غير أن التقارير المتداولة عبر شبكات 'فوكس نيوز' و'بوليتيكو' تؤكد أن نشر هذا الحجم من القاذفات والطائرات المتقدمة وأنظمة الرصد لا يحدث إلا في سياق استعداد حقيقي لعمل عسكري، وخصوصًا عندما يتم ربطه بمواقف القيادة السياسية. لوّح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإمكانية اتخاذ قرار خلال أسبوعين بشأن الانخراط في الحرب الجارية بين إسرائيل وإيران، دون أن يحسم الموقف بين التصعيد العسكري أو الوساطة الدبلوماسية. ووفق ما نشرته صحيفة 'فاينانشل تايمز'، فإن الإدارة الأمريكية تدرك أن الحفاظ على التفوق الجوي الإسرائيلي لن يكون ممكنًا دون تدخل مباشر من واشنطن، وهو ما يفسر التحركات اللوجستية المتسارعة على أكثر من جبهة. إسرائيل من جهتها تؤكد أنها حققت 'اختراقات مهمة' في برنامج إيران النووي عبر الضربات التي بدأت يوم 13 يونيو، لكنها لا تخفي حاجتها إلى دعم أمريكي في حال قررت استهداف منشآت أكثر عمقًا وتحصينًا مثل 'فوردو' أو 'نطنز'. تشعر دول الخليج بقلق بالغ من اتساع رقعة الحرب، خصوصًا مع التصريحات المتواترة في الصحافة الأمريكية حول احتمالية أن تصبح القواعد الأمريكية في قطر والإمارات والبحرين أهدافًا مباشرة في حال اندلاع نزاع مفتوح مع إيران. وتشير 'وول ستريت جورنال' إلى أن الإمارات والمملكة العربية السعودية تسعيان في هذه المرحلة إلى تجنّب أي تصعيد على أراضيهما، في ظل الهشاشة الأمنية التي قد تنتج عن مواجهة مباشرة بين قوى نووية أو شبه نووية. أما إيران، فقد حذّرت من أن أي ضربة تمس منشآتها النووية ستُقابل برد شامل يتجاوز نطاق المواجهة التقليدية، ويتضمن استهداف حلفاء واشنطن وتل أبيب في عمق المنطقة. ترتفع التحليلات الاستخباراتية التي تؤكد أن الحشد الأمريكي الإسرائيلي الحالي ليس فقط للضغط أو التلويح، بل تمهيد فعلي لضربات وشيكة، خاصة في ظل تزامنه مع اختبارات لقدرات التوجيه الدقيق ونشر أنظمة الاتصالات العسكرية في محيط إيران. ويذهب محللون في شبكة 'بلومبيرغ' إلى أن احتمال اندلاع الحرب الإقليمية هذه المرة يفوق بكثير كل جولات التصعيد السابقة، ليس فقط بسبب حجم الحشود، بل لأن الساحة الدولية مشغولة بأزمات متعددة، ما قد يُغري أطرافًا بإعادة رسم موازين القوة في الشرق الأوسط بالقوة. في ظل هذا التصعيد المتسارع، تبدو المنطقة بأكملها على حافة مواجهة شاملة، قد تُشعل حربًا لا يمكن السيطرة على تبعاتها لا سياسيًا ولا اقتصاديًا، خاصة في حال دخول لاعبين آخرين كروسيا وتركيا على خط الصراع. وإذا ما تم توجيه ضربة أمريكية أو إسرائيلية لمنشآت نووية إيرانية محصنة، فإن الرد الإيراني قد لا يكون محدودًا، بل سيشمل الداخل الإسرائيلي، القواعد الأمريكية، وممرات الطاقة، مما سيجعل المنطقة أمام سيناريو كارثي مفتوح قد يعيد تشكيلها لعقود مقبلة.

بنطلحة الدكالي يكتب: القوة..وضبابية الحروب
بنطلحة الدكالي يكتب: القوة..وضبابية الحروب

الأيام

timeمنذ 9 ساعات

  • الأيام

بنطلحة الدكالي يكتب: القوة..وضبابية الحروب

من أهم نظريات الحرب الشهيرة عند المفكر الاستراتيجي العسكري كارل فون كلاوزفيتز تلك المسماة «ضباب الحرب» (Fog oF War)، وتتمثل في أن للحروب مفاجآت لايمكن أن تراها قبل حصولها، لذا تأتي المرونة في تغيير الخطط لمعالجة التغيرات الطارئة وللتقليل من فداحة أخطائها بما في ذلك المستوى السياسي والاستراتيجي العسكري، لأن ضباب الحرب يعكس عدم مطابقة الوقائع لما هو منصوص عليه في الخطة الحربية رغم توفر المعلومة الاستخباراتية والتي قد تكون تضليلية في بعض الوقائع والمعطيات. إن ضباب الحرب يعكس عدم مطابقة الوقائع لما هو منصوص عليه في الخطة الحربية، وبالتالي الحرب عند كلاوزفيتز ظاهرة لاخطية تسودها حالة من اللايقين، حيث إن التعامل معها بنفس الأدوات المستخدمة في الظواهر الخطية يمكن أن يؤدي إلى نتائج غير متوقعة، وذلك عكس المدرسة العسكرية التي ترى أن الحرب ظاهرة خطية (Linear) قائمة على ماهو ملموس ويمكن التحكم بمجرياتها، كما أنها قابلة للحساب أي ينظر إليها باعتبارها ظاهرة يمكن التنبؤ بنتائجها، لكن كلاوزفيتز اتهم هؤلاء المنظرين بالدوغمائية والانفصال عن واقع الحروب حيث لايمكن التيقن من أي شئ، وحيث يجب أن تكون الرياضيات قائمة على مجموعة غير محصورة من المتغيرات. إن التفكير باستنزاف روح «العدو» مثلا عن بعد وبعد ذلك الدخول الآمن والنصر المبين… كثيرا ما يؤدي هذا التفكير إلى الدخول في مستنقع يصعب الخروج منه بل إن آثاره قد تكون مكلفة في العتاد والبشر وفي رسم المستقبلات (Les futurs) وهي نادرا ما تنجح. لقد عَلّمنا التاريخ والوقائع العسكرية أن المملكة المتحدة مثلا خلال الحرب العالمية الثانية تحملت سنوات من القصف العشوائي من الطائرات الألمانية من أجل إجبارها على الاستسلام، لكن البريطانيين حوّلوا ما وصفه رئيس الوزراء وينستون تشرشل بـ«الساعة الأسوأ» إلى أفضل وقت بحوزتهم، كما أن القصف المستمر الذي شنته الولايات المتحدة الأمريكية ضد فيتنام الشمالية لم يجعل شعب هذه الأخيرة يفكر في الاستسلام. إن الضرب عن بعد يؤدي فعلا إلى تدمير البنى وإزهاق الأرواح، ما يؤدي إلى الإحساس بالعظمة والتفوق، لكن دروس التاريخ تعطينا أكثر من مثال أن الخصم كان يهيأ لفخ منصوب. إن «ضباب الحرب» يخالف التصور والتصميم المسبق الموغل في الإفراط في الثقة بالقوة والنفوذ لأنه يساهم في ترجيح كفة من ينفث دخانه، إنه نواة الحرب وركن بنيتها، ويبدو أن الأوكرانيين بارعون في هذه «اللعبة» على حد قول جوزيف هنروتينن الباحث في مركز تحليل واستشراف الأخطار الدولية، حيث تناول ضباب هذه الحرب وأشكالها. إنه في بعض الأحيان يمكن أن يكون ما يأتي بعد الحرب أسوأ من الحرب نفسها، لأن الحرب جزء من سلسلة متصلة تشمل الاقتصاد والتجارة والدبلوماسية والتحالفات وتبديل المواقع… وكل التفاعلات الأخرى التي تقع بين الشعوب والحكومات. وبذلك يتحدى كلاوزفيتز النظريات السابقة التي كانت تنظر إلى الحرب بوصفها «حدثا يبدأ ثم ينتهي». إن الاستراتيجية، كما يعرفها المفكر الفرنسي أندري بوفر، هي فن الحوار بين إرادتين متضادتين تستخدمان القوة لحل خلافاتهما، وهذا التعريف يحيل إلى كون الاستراتيجية «فنا» ليخرجها من خانة العلم والإدراك الجازم النظري، ليجعلها تفكيرا إبداعيا يسعى إلى إيجاد الحلول، وفكرا «ميتا معرفي» (Metacognitive) يطرح تساؤلات وفرضيات لما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع مستقبلا. إن الاستراتيجية تعلمنا أن نسعى إلى التعامل مع المستقبل غير معتمدين على التفكير المنطقي الصوري الخطي الذي تحدد مقدماته نتائجها اعتمادا على القوة والحشود، بل تعتمد على ضرب من التفكير الانعكاسي (Reflexive thinking) الذي ينطلق من تخيل صورة المستقبل المرغوب فيه إلى الحاضر معتمدة في ذلك على إعداد مجموعة سيناريوهات. إن التفكير من طرف أي قوة بهزم «العدو» وإلحاق الأذى بقاعدته الاجتماعية وربما تغيير الخرائط وفرض السلم المشروط من أجل خلق واقع جديد، دون استحضار واقع البيئة المحيطة وتكوينها العقدي والإثني… إن ذلك يحيل إلى بيئة ضبابية يقاربها الاستراتيجيون بنظريتين: «نظرية الفوضى» (Chaos theory) ونظرية التعقيد (Complexity theory)، اللتان تصوران بدقة جوهر سلوك البيئة الاستراتيجية المعروف بسماته الأربع: التقلب، التوجس، التعقيد والغموض. إن ضبابية الحرب حسب كلاوزفيتز هي كالفرق بين الحرب على الورق والحرب الفعلية.., ومن المستحيل في كثير من المواقف والمحطات أن تتطابق الخطط المعدة على الورق في مراكز العمليات مع ما يدور واقعيا على الميدان، لأن الحرب ميدان مجهول ولا يمكن التكهن بصورة حسابية بنتائجها وآثارها على الشعوب حيث تترك ندوبا يصعب إزالتها.., وهي ليست نزهة بطبيعة الحال… محمد بنطلحة الدكالي أستاذ علم السياسة والسياسات العامة بجامعة القاضي عياض بمراكش

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store