logo
سوريا تتجه إلى توحيد أسعار الصرف والتعويم المدار لليرة

سوريا تتجه إلى توحيد أسعار الصرف والتعويم المدار لليرة

Independent عربيةمنذ 10 ساعات

تتجه سوريا نحو توحيد أسعار صرف الليرة السورية بالتوازي مع اللجوء إلى سياسة "التعويم المدار" للعملة المحلية، وفقاً لما أعلنه حاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر حصرية ما يعني أن المركزي سيتدخل كبائع ومشتر في سوق القطع وفقاً لعوامل العرض والطلب.
"التعويم المدار" إحدى أدوات السياسة النقدية لإدارة سعر الصرف من خلال ربط سعر الصرف بثبات أو بهامش حركة محدود مع عملة رئيسة محددة مثل الدولار الأميركي أو اليورو، على أن يتم تحريك العملة صعوداً أو هبوطاً مقابل العملة الرئيسة بناء على أداء الاقتصاد الكلي للدولة المصدرة لهذه العملة، ويتم تحديد السعر مقابل العملة الرئيسة بقرار إداري من البنك المركزي المصدر للعملة محل سعر الصرف بالتعويم المدار، إلا أنه يظل محكوماً بحجم الاحتياط النقدي الأجنبي وقدرة الاقتصاد على الوفاء بالتزامات الاستيراد وخدمة الديون الخارجية.
ويأتي إعلان حاكم المركزي السوري عبد القادر حصرية بالتوجه نحو سياسة "التعويم المدار" في ظل حالة نقدية متشابكة مع الانكماش الذي حدث في جميع مناحي الاقتصاد، مما يتطلب أولاً إجراء إصلاحات في السياسات النقدية تهدف إلى زيادة مستوى الشفافية والانسجام مع المعايير الدولية.
متخصصون سوريون في مجال النقد نصحوا قبل اللجوء إلى "التعويم المدار" العمل أولاً على إنهاء سياسة "حبس السيولة المتبعة منذ سنوات بهدف السيطرة على سعر الصرف، معتبرين أن ذلك من شأنه إعادة ترميم الثقة بالمؤسسات النقدية والمصرفية وحتى يتمكن سعر الصرف من أن يكون معبراً عن قوى السوق، خصوصاً أن سياسة التقييد النقدي أثرت سلباً في القطاعات الإنتاجية وتسببت في تشوه القدرة الشرائية لليرة السورية، وأكدوا ضرورة رفع سعر الفائدة لتكون بعد إلغاء معدل التضخم والتوقعات بارتفاع أو انخفاض سعر الصرف تعادل معدلات الفائدة المتعارف عليها دولياً، لتشجيع عودة الإيداعات التي تسمح بدورها بسياسات إقراضية داعمة للاقتصاد.
مزادات بداية الحرب استنزفت القطع
ليست المرة الأولى أن تلجأ فيها سوريا إلى سياسة "التعويم المدار"، فقد مارس المركزي السوري لسنوات، خصوصاً خلال السنوات الأولى للحرب تجربة المزادات "أي بيع الدولار مباشرة للمواطنين والمستوردي" التي وصفت بـ"الفاشلة" بعد أن استنفدت البلاد من القطع الأجنبي، إلا أن تجربة "التعويم المدار" بصورتها الناجحة كانت في الفترة من 2016 حتى 2018، عندما تمكن المركزي من تطبيق سياسة "التعويم المدار" بصورة غير معلنة، مما ساعد في تراجع سعر الصرف من 700 ليرة مقابل الدولار الواحد وثباته عند 430 ليرة، مما ساعد أيضاً في ترميم الاحتياط جزئياً، مما ساعد في استمرار ضمان تمويل المستوردات حتى اضطر تجار السوق السوداء إلى البيع بأقل من السعر الرسمي المحدد من قبل المركزي.
ولكن ما حدث في السنوات التالية ونتيجة السياسات المتبعة التي ركزت على تقيد الكاش وحبس السيولة مع ما اعتراها من فساد منصة تمويل المستوردات التي التهمت أكثر من 650 مليون دولار من أموال التجار، مما أدى إلى تراجع حاد في رصيد الاحتياطي وإلى تأثر الاقتصاد بسياسات حبس الكاش التي تبناها البنك المركزي وأيدتها السلطة السياسية التي تحولت إلى طرف في إدارة النقد في البلاد لاحقاً، على حساب استقلالية البنك المركزي، على رغم أضرارها الكبيرة على الاقتصاد، وكان التدخل على حساب الإنتاج بحجة الدفاع عن سعر الصرف، ولكن الذي حدث أن سعر الدولار ارتفع من 1000 ليرة عام 2019 إلى 15 ألف ليرة عند سقوط النظام، وهو ما أدى إلى ابتعاد الجهاز المصرفي عن أداء دوره لمصلحة انتعاش شركات الصرافة.
وعلى رغم الاستمرار بسياسة حبس الكاش حتى الآن فإن تغييرات مهمة طرأت على الوضع النقدي في سوريا، فقد تراجع سعر الصرف ما بين 30 إلى 40 في المئة، ألغيت منصة تمويل المستوردات وتحرر العمليات التجارية والإنتاجية من الكلف الإضافية التي كانت تكبلها في السنوات الماضية. ويبدو أن إعلان حاكم مصرف سورية المركزي التوجه نحو التعويم المدار خطوة مقبولة ومهمة في حال تم تنفيذها بصورة سليمة وتمت إحاطتها بقرارات وإجراءات داعمة ومساندة لها.
تثبيت بالعرض وليس بقرار إداري
من جهتها، قالت وزيرة الاقتصاد السابقة لمياء عاصي إن "التعويم بصورة عامة، هو أن يحدد سعر صرف العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية الرئيسة بناء على عمليات العرض والطلب في السوق، ومصادر العرض في سوريا تأتي من الصادرات والحوالات والسياحة، بينما الطلب فتحدده كمية المستوردات والالتزامات والديون الخارجية"، موضحة "أن تحديد السعر يتم وفقاً لمحددات وظروف اقتصادية بحتة، وليس من خلال تثبيت سعر إداري للعملة الوطنية". وأضافت "من هنا نستطيع القول إن التعويم يستخدم لتحقيق استقرار اقتصادي وتعزيز القدرة التنافسية للصادرات وتقليل الضغط على الاحتياط النقدي للدولة لتحقيق استقرار اقتصادي، وتعزيز القدرة التنافسية للصادرات، وتقليل الضغط على الاحتياط النقدي للدولة، ومع ذلك تتابع عاصي حديثها، قد يؤدي التعويم بصوره المختلفة إلى تقلبات كبيرة في أسعار الصرف، مما يرفع معدل التضخم ويهدد الاستقرار المالي في الدولة". وأشارت إلى 3 طرق تتعلق بتحديد سعر الصرف للعملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، "أولها تثبيت سعر صرف العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية الأساسية بصورة إدارية كما هي الحال في سوريا منذ عقو ، بينما الطريقة الثانية هي التعويم الحر، وهو أن يحدد سعر صرف العملة الوطنية مقابل العملات الرئيسة بحسب عوامل السوق بصورة كاملة، وتتبع هذا النظام الدول ذات الاقتصادات القوية والاحتياطات الكبيرة التي تتمكن من تجاوز الانعكاسات السلبية للتعويم الحر للعملة". وحول الطريقة الثالثة قالت لمياء عاصي، "تتعلق بالتعويم المدار، إذ يحدد سعر صرف العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية وفقاً لعوامل السوق"، مستدركة "لكن يتدخل المصرف المركزي في سوق العملات من طريق البيع والشراء عند التغيرات المفاجئة الحادة التي تتجاوز فيها هوامش التغير المسموحة وتبرز الحاجة لتحقيق الاستقرار النقدي، لتحقيق التوازن بين الاستقرار النقدي وضمان مرونة سعر الصرف". وحول أبرز الدول التي تتبع سياسة "التعويم المدار" أشارت لمياء عاصي إلى الصين والهند وروسيا وماليزيا والبرازيل وجنوب أفريقيا ومصر وغيرها، "وهي دول قامت بإجراء إصلاحات اقتصادية واسعة بصورة مسبقة قبل تطبيق التعويم المدار".
رفع سعر الفائدة لتخفيف آثار التعويم المدار
في السياق نفسه، أشارت وزيرة الاقتصاد السابقة إلى وجود جملة عوامل يتسم بها الاقتصاد السوري من شأنها أن تزيد الآثار السلبية الناجمة عن تطبيق سياسة "التعويم المدار"، أولها ضعف الاحتياطات الموجودة في المصرف المركزي والتي تحد من قدرته على التدخل في سوق الصرف وتجعله غير قادر على ضمان استقرار سعر العملة المحلية، إضافة إلى اتباع سياسة تقييد السيولة في النظام المصرفي بالكامل، الأمر الذي نتج منه سعر غير واقعي لسعر الصرف تجلى في تحسن سعر الليرة السورية من دون أن تنخفض الأسعار بما يقابل هذا التحسن، إلى جانب الدور الأساس والفاعل للسوق الموازية "السوداء" والذي يسهم في تحديد سعر صرف العملة المحلية. وأكدت أن العوامل المذكورة آنفاً، قد تؤدي إلى تقلبات كبيرة ومفاجئة في سعر الصرف، وتنعكس سلباً على أسعار الواردات، مما يؤدي إلى ارتفاع في معدل التضخم والمزيد من تدني مستوى معيشة غالبية المواطنين. وتابعت "لذلك فثمة تحديات يمكن أن تواجه التعويم المدار في سوريا، أبرزها، أن التعامل في سوق الصرف بسوريا سابقاً وحالياً يشهد هيمنة كبيرة للسوق السوداء أو الموازية على سعر الصرف، أيضاً ضعف الثقة بالمؤسسات النقدية يزيد الطين بلة في زعزعة الثقة بالعملة الوطنية، إضافة إلى التخوف من استنزاف الاحتياطات النقدية لدى المركزي للدفاع عن سعر صرف معين للعملة المحلية مقابل الدولار".
وقالت لمياء عاصي إنه "على رغم الحالة النقدية المتشابكة مع الانكماش الذي حدث في جميع مناحي الاقتصاد، إلا أن هناك بعض الحلول التي من شأنها تخفيف الآثار السلبية المصاحبة للتحول إلى التعويم المدار ومنها، إجراء إصلاحات في السياسات النقدية الغرض الأساس منها زيادة مستوى الشفافية والانسجام مع المعايير الدولية، إلى جانب تطوير مسألة جمع البيانات وإصدارها من خلال تقارير دولية، إضافة إلى إنهاء حالة التقييد النقدي حبس السيولة تدريجاً، في محاولة لإعادة ترميم الثقة بالمؤسسات النقدية، حتى يتمكن سعر الصرف من أن يكون معبراً عن قوى السوق، كذلك، رفع سعر الفائدة لتكون بعد إلغاء معدل التضخم والتوقعات بارتفاع أو انخفاض سعر الصرف لتعادل معدلات الفائدة المتعارف عليها دولياً، لتشجيع عودة الإيداعات للمستوى المقبول في مكافحة المضاربة لتقليل التقلبات الحادة في سعر الصرف، من طريق الضوابط والسقوف النقدية، أيضاً يجب إلغاء سياسة حبس السيولة النقدية تدريجاً، السياسة التي طالما أثرت سلباً في العمليات الإنتاجية والتجارية وتتدخل في تشويه القوة الشرائية لليرة السورية، أخيراً إطلاق منصة رسمية، لشراء وبيع الدولار بسعر قريب من السعر الحقيقي الذي تحدده عمليات العرض والطلب".
تجهيز البيئة والأدوات النقدية أولاً
من جانبه، يرى المصرفي السوري محمد الخواجة أن "التعويم سيتيح المجال أمام مصرف سوريا المركزي ليكون مؤثراً ومتحكماً في سعر الصرف من خلال الكتلة النقدية التي يطرحها سلباً أو إيجاباً بالليرة أو بالدولار"، مشيراً إلى أن "المركزي كان يتدخل في بداية الحرب عبر مزادات لبيع شرائح من الدولار، لكنه فشل وأدى إلى ضياع رصيد البلاد من القطع الأجنبي"، مستدركاً "لكن في المقابل نجح بين عامي 2016 و2018 في بتنفيذ سياسة التعويم المدار مدعوماً برصيد الضرائب واستطاع عبر كتلة نقدية متوافرة أن يبيع ويشتري ونجح في خفض سعر الصرف وتثبيته لشهور طويلة، ولكن السياسات اللاحقة كانت خاطئة وتسببت في رفع سعر الصرف إلى 15 ألف ليرة". وأكد أن التوجه الحالي للمركزي السوري نحو "التعويم المدار" تبدو خطوة في غاية الأهمية فذلك سيمكنه من فرض سلطته بصورة أو بأخرى في سوق القطع من خلال آليات معينة للبيع والشراء، وهذا يتطلب أن تكون لديه كميات كبيرة وكافية من الليرة والدولار على حد سواء، فالتعويم يسمح للسوق بتحديد السعر الحقيقي لليرة، مما يعكس الواقع الاقتصادي بدقة ويحفز الإصلاحات اللازمة، لكنه في المقابل يحتاج إلى مؤسسات نقدية قوية وقادرة على التدخل عند الضرورة لضبط التقلبات الحادة.

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأردف قائلاً "يجب أن يكون التعويم المدار بمثابة أداة تستخدم في الوقت المناسب وفي ظل الشروط الصحيحة، أما إذا تم تطبيقه في بيئة غير جاهزة، فيخشى أن يؤدي التحرير إلى انفلات وحيث يفقد المركزي قدرته على السيطرة، خصوصاً أن الثقة بالمؤسسات النقدية والمصرفية ما زالت محدودة، نتيجة التجارب السابقة التي بقيت لسنوات طويلة، مع الإشارة إلى أن البلاد تفتقد حتى الآن وجود منصة رسمية قادرة على استيعاب الطلب الحقيقي على الدولار". وحذر الخواجة من التوجه نحو التعويم المدار من دون تجهيز البيئة والأدوات التنفيذية التي تمكن من تدخل المركزي في الوقت المناسب وضمن بيئة تتسم بالشفافية والوضوح، والأهم أن يملك أدوات التدخل السريعة عند التعرض لضغوط اقتصادية من قبيل أحداث اقتصادية طارئة ونقص الاحتياط وحدوث اختلالات في ميزان المدفوعات بما في ذلك فشل سياسات تثبيت سعر الصرف في تحقيق الاستقرار.
تحصيل الرسوم بالدولار يعزز الاحتياط
كريم عطار، يعمل في مجال التجارة، أكد أن المركزي قادر على التدخل في السوق بيعاً وشراء لأن الرسوم الجمركية وكثيراً من الرسوم الأخرى تحصل بالدولار وهذا من شأنه أن يعزز الاحتياط ويزيد رصيده، إلا أنه رأى أن تحصيل الرسوم بالدولار ليس إيجابياً لأنه عملية سحب للدولار من السوق. وبرأي عطار فإن المركزي السوري ومنذ سقوط النظام يتدخل في السوق بما يشبه إلى حد كبير "التعويم المدار" بطريقة أو بأخرى، وهذا ما أدى عملياً إلى انخفاض سعر الصرف إلى 9 آلاف ليرة، مستفيداً من انخفاض سعر الصرف نتيجة عوامل نفسية وشح الليرة. وقال "من حيث المبدأ التعويم المدار أكثر مرونة من التثبيت الكامل لسعر الصرف، وغالباً تلجأ إليه الدول في محاولة منها لتحقيق استقرار تدريجي من دون استنزاف الاحتياط الأجنبي"، موضحاً أنه "في الحالة السورية لا بد من إدراك الدور الذي تلعبه السوق السوداء حالياً في تحديد سعر الصرف متفوقة على القنوات الرسمية، وللنجاح في تطبيق التعويم المدار يتوجب على المركزي السوري أن يبدأ بخطوات تضمن توافر بيئة نقدية مستقرة مثل إطلاق منصة رسمية لشراء الدولار من المواطنين بسعر قريب من السوق الموازية، وقطع الطريق على المضاربين، وتوفير السيولة بالليرة لتمويل شراء الدولار بدلاً من ضخه في السوق واستنزاف الاحتياط".

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

ماذا يمكن أن تفعل الحكومة اليمنية في ظل توقف صادرات النفط؟
ماذا يمكن أن تفعل الحكومة اليمنية في ظل توقف صادرات النفط؟

حضرموت نت

timeمنذ ساعة واحدة

  • حضرموت نت

ماذا يمكن أن تفعل الحكومة اليمنية في ظل توقف صادرات النفط؟

ماذا يمكن أن تفعل الحكومة اليمنية في ظل توقف صادرات النفط؟ في اليمن، لطالما مثّلت صادرات النفط شريان حياة للاقتصاد الوطني ومصدرًا رئيسيًا لتغطية نفقات الدولة. لكن مع نهاية عام 2022، تلقت هذه العجلة المالية ضربة كبيرة نتيجة هجمات حوثية استهدفت موانئ تصدير النفط في محافظتي حضرموت وشبوة بجنوب اليمن، ما أدى إلى توقف شبه كامل في عمليات التصدير. توقف الصادرات لم يكن مجرد خلل عابر في موازنة الدولة، بل تسبب بسلسلة من التداعيات الهيكلية طالت المالية العامة، وقيمة العملة المحلية، ومستوى معيشة المواطنين، وأدت إلى تفاقم أزمة رواتب الموظفين وتمويل الخدمات. أمام هذا الوضع المعقّد، تُطرح تساؤلات جوهرية حول الخيارات المتاحة أمام الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا: هل يمكن تجاوز هذا الانهيار عبر تفعيل موارد بديلة؟ أم أن الأمر يتطلب إصلاحًا أعمق في البنية الإدارية والاقتصادية المهترئة؟ التقرير التالي يحاول استكشاف جذور الأزمة الاقتصادية الحالية في اليمن، ومدى ارتباطها بتوقف صادرات النفط، ويستعرض أبرز البدائل والمقترحات المطروحة من قبل خبراء اقتصاديين ومختصين يمنيين، ضمن رؤية تحليلية تسعى لفهم ما إذا كانت البلاد تقف عند حافة الهاوية أم على أعتاب تحول اقتصادي ممكن. الضربة النفطية شكّل توقف صادرات النفط، منذ أواخر عام 2022، نقطة تحول مفصلية في مسار الانهيار المالي الذي تشهده الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا. فعلى مدار سنوات الحرب، مثّل النفط الخام مصدرًا مركزيًا للإيرادات، وكان يشكّل ما بين 60 إلى 70 في المئة من الموازنة العامة بحسب تقديرات الخبراء. لكن مع استهداف جماعة الحوثي لميناءي 'الضبة' في حضرموت و'النشيمة' في شبوة، فقدت الدولة هذا الشريان الحيوي دفعة واحدة. وفقًا لإحاطة في مايو الماضي قدمها عبدالله السعدي، مندوب اليمن لدى الأمم المتحدة، فقد بلغت الخسائر الناتجة عن توقف الصادرات النفطية نحو 7.5 مليار دولار منذ أكتوبر 2022 وحتى منتصف عام 2025، وهو رقم يعكس حجم الفجوة التي خلفها غياب المورد النفطي في موازنة تعاني أساسًا من الهشاشة. ويرى الخبير الاقتصادي اليمني ووزير التخطيط السابق رأفت الأكحلي أن التوقف لم يكن مجرد عثرة في طريق الموارد بل بمثابة 'ضربة قاصمة' لكيان مالي هشّ بالأساس. وأكد في تصريح لمركز سوث24 أن حرمان الدولة من العملة الصعبة الناتجة عن تصدير النفط أفقدها القدرة على الوفاء بالالتزامات الأساسية، وعلى رأسها دفع رواتب موظفي القطاع العام ودعم خدمات مثل الكهرباء والمياه. وأشار إلى تأثيرات مضاعفة، ليست فقط على المالية العامة، بل تمتد إلى تدهور قيمة الريال اليمني وارتفاع معدلات التضخم، بما يفاقم من فقر المواطنين ويضعف القدرة الشرائية بشكل كارثي. كما لفت إلى أن رحيل الشركات النفطية الأجنبية بسبب المخاطر الأمنية يشكل خسارة استراتيجية إضافية، لأن استعادة ثقتها وعودتها ستتطلب وقتًا وجهدًا في بيئة استثمارية غير مستقرة. وفي هذا الصدد، حذر الخبير الاقتصادي مصطفى نصر من التداعيات العميقة لتوقف صادرات النفط، مشيرًا إلى أن هذا المورد ركيزة أساسية للمالية العامة. وأوضح نصر أن ذروة الإيرادات النفطية سُجلت خلال الفترة ما بين 2018 و2022، حيث تجاوزت المليار دولار، وهو رقم يُعد ضخمًا مقارنة ببقية مصادر الإيرادات الأخرى المتواضعة نسبيًا. وأضاف أن الأثر المباشر لهذا التوقف بدأ ينعكس بوضوح منذ عام 2024، متوقعًا أن يستمر تأثيره السلبي خلال النصف الأول من عام 2025، لا سيما في ظل غياب بدائل حقيقية. وأكد أن هذا الانقطاع فاقم الأزمة المالية الراهنة وأسهم في تدهور مستويات المعيشة، نتيجة ضعف القدرة الشرائية وتراجع قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها الأساسية تجاه المواطنين تداعيات التوقف لم يتوقف أثر توقف صادرات النفط عند حدود ميزانية الدولة، بل امتدّ سريعًا إلى عمق الحياة اليومية للمواطن اليمني، خصوصًا في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة. فقد أدى غياب تدفقات العملة الصعبة إلى تراجع غير مسبوق في قيمة الريال اليمني، الذي سجّل في يوم الخميس 19 يونيو 2025 أعلى مستوى من الانهيار في تاريخه، إذ بلغ سعر الدولار الأمريكي نحو 2700 ريالًا للشراء و2727 ريالًا للبيع في العاصمة عدن ومحافظات أخرى. هذا الانهيار في العملة، المصحوب بشلل في مصادر التمويل الحكومية، أطلق موجات تضخّم حادة طالت أسعار السلع والخدمات الأساسية، وألقت بأعباء ثقيلة على المواطن، الذي يعيش في ظروف معيشية هشة أصلًا. ومع تآكل القدرة الشرائية وتضاعف أسعار الغذاء والوقود، باتت رواتب الموظفين – حين تُصرف – غير قادرة على تأمين الحاجات الأساسية. في موازاة ذلك، تعطلت عشرات المشاريع الحكومية التي كانت تعتمد في تمويلها على عائدات النفط، وتوقفت أعمال صيانة البنية التحتية، وتراجعت خدمات الكهرباء والمياه والنقل، فيما ازدادت معاناة القطاعات الصحية والتعليمية بفعل نقص الموارد التشغيلية. الأزمة لم تكن اقتصادية فقط، بل تحوّلت إلى ورقة ضغط سياسي بيد الحوثيين، الذين وجدوا في ضعف الحكومة وعجزها عن صرف الرواتب فرصة لتعزيز موقفهم، خصوصًا في ظل تباينات حادة داخل صفوف الحكومة نفسها. فقد بات العجز عن تقديم الخدمات والتزامات الدولة مدخلًا لاستنزاف مشروعيتها أمام المواطنين، في الوقت الذي يستخدم فيه الحوثيون هذه الورقة كأداة لتقويض شرعية خصومهم وفرض خطابهم السياسي. أزمة إدارة رغم فداحة الخسائر التي نجمت عن توقف صادرات النفط، يرى كثير من الخبراء أن الأزمة أعمق من مجرد غياب هذا المورد، بل تعكس فشلًا هيكليًا في الإدارة العامة، وسوء تخطيط مزمن، وتفشيًا للفساد في مفاصل الدولة. في هذا السياق، تقول د. فاطمة باعمر، عضو الهيئة الاقتصادية في المجلس الانتقالي الجنوبي، إن الحكومات المتعاقبة لم تمتلك في أي وقت أجندة اقتصادية واضحة، وإن ما يجري هو نتيجة 'فشل ذريع في إدارة الموارد وتحديد الأولويات'. وتشير إلى أن المجلس الانتقالي قدم منذ عام 2021 مقترحات استراتيجية لمعالجة الوضع الاقتصادي، غير أن معظمها تم تجاهله، ما قاد إلى تفاقم الانهيار الحاصل. وتضيف باعمر أن الإنفاق الحكومي ظل مفرطًا في بنود غير ضرورية، منها الامتيازات الممنوحة للوزراء والنفقات الباهظة للسفارات بالخارج بالعملة الصعبة، في وقت يواجه فيه المواطنون في الداخل أزمة معيشية خانقة. الأدهى من ذلك، كما تقول، أن سياسة الإنفاق لم تتغير حتى بعد خسارة الدولة 70% من إيراداتها النفطية، ما يعكس غيابًا تامًا للمسؤولية. وجهة النظر ذاتها يتبناها الصحفي المصري المتخصص في الشأن اليمني، حسام السعيدي، الذي يرى أن التركيز على النفط بوصفه السبب الوحيد للأزمة هو تشخيص مضلل. ويشير إلى أن هناك موارد كبيرة تم تعطيلها بفعل الإهمال أو التواطؤ، مثل الجمارك والضرائب، إضافة إلى التهريب الممنهج عبر المنافذ، الذي يحدث أمام أعين السلطات دون أي تدخل فعّال. ويضيف السعيدي أن الحكومات المتعاقبة اكتفت بلعب دور 'المتفرج' على مظاهر الانفلات المالي، متجاهلة الإصلاحات الضرورية، ويقترح حزمة من الإجراءات العاجلة، منها تقليص البعثات الدبلوماسية، ووقف رواتب المسؤولين في الخارج، وتشكيل حكومة تكنوقراط مصغّرة لإدارة المرحلة بفعالية أكبر. البدائل المتاحة في ظل هذا الواقع المتأزم، لا تبدو خيارات الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا واسعة، لكنها تظل ممكنة في حال توفرت الإرادة السياسية والخطط القابلة للتنفيذ. فالاعتماد المفرط على النفط بوصفه المورد الوحيد أظهر هشاشة المنظومة الاقتصادية، وفتح الباب أمام طرح تساؤلات جادة حول سبل تنويع الإيرادات وتفعيل البدائل الكامنة. الخبير الاقتصادي مصطفى نصر يرى أن الحكومة، رغم مرور أكثر من عامين على توقف التصدير، لم تطور أي بدائل مستدامة حقيقية، واكتفت خلال الفترة الماضية على تلقي المنح من المانحين الإقليميين والدوليين. وبرأيه، تمثل الأزمة الحالية فرصة سانحة لإعادة هيكلة الإيرادات العامة، والتحول نحو مصادر دائمة لا ترتبط بأزمات سياسية أو عسكرية. في الاتجاه ذاته، يقترح رأفت الأكحلي خارطة طريق من خمس أولويات إصلاحية يمكن للحكومة السير فيها لإنعاش الوضع الاقتصادي على المدى المتوسط: 1. إصلاح النظام المالي والضريبي: عبر رفع كفاءة تحصيل الموارد المحلية، وتحديث المنظومة الضريبية، وتفعيل آليات الجباية من مختلف الأنشطة التجارية والمناطق غير الملتزمة بتوريد إيراداتها إلى البنك المركزي، كمارب وتعز. 2. التركيز على القطاعات التصديرية غير النفطية: خاصة المنتجات الزراعية والثروة السمكية، وهي قطاعات تمتلك ميزة تنافسية في اليمن، ويمكن أن تدرّ عملة صعبة وتوفر فرص عمل واسعة النطاق. 3. تسريع التحول الرقمي في إدارة الدولة: بما يعزز الشفافية ويقلّص فرص الفساد، مع الاعتماد على أنظمة مالية رقمية تتيح تتبع الإنفاق والإيرادات بفعالية. 4. الاستثمار في الطاقة المتجددة: لا سيما في الأنظمة اللامركزية للطاقة الشمسية، بما يقلل الاعتماد على الوقود المستورد ويوفر حلولًا دائمة للمناطق الريفية والقطاعات الإنتاجية. 5. دعم ريادة الأعمال والمشاريع الصغيرة والمتوسطة: كوسيلة لتحريك عجلة الاقتصاد من القاعدة إلى القمة، وبناء قطاع خاص محلي قادر على التوسع والنمو خارج إطار الاعتماد على الدولة. وبرغم واقعية هذه المقترحات، يشدد الأكحلي على أن نجاحها مرهون بدعم دولي عاجل ومشروط، داعيًا السعودية والإمارات إلى ربط أي دعم مالي جديد ببرنامج إصلاح واضح، وتقديم المساعدة الفنية اللازمة لتطبيقه، مع ضرورة بناء شراكة قوية مع القطاع الخاص اليمني. لكن نظرة حسام السعيدي أقل تفاؤلًا، إذ يرى أن الفساد المستشري سيبتلع أي دعم أو خطة إصلاحية. ويتساءل بمرارة: 'أين ذهبت مليارات الدولارات التي قُدمت سابقًا؟'. في إشارة إلى ضعف الرقابة وغياب الشفافية. ويقارن بين أداء الحكومة اليمنية خلال أكثر من عقد، وبين ما يسميه 'النجاح النسبي السريع' الذي حققته حكومة دمشق الجديدة في سوريا، معتبرًا أن الانطلاقة الحقيقية لأي إصلاح يجب أن تأتي من الداخل، لا من الخارج. هذا الطرح تعززه مجددًا فاطمة باعمر، التي تكشف عن عمليات تهريب ممنهج للعملة الصعبة إلى مناطق الحوثيين، تُسهم عمليًا في تمويل الحرب ضد الحكومة نفسها. كما تنتقد عجز البنك المركزي عن إلزام مؤسسات الإيرادات الكبرى بتوريد أموالها، مما يفرغ صلاحياته من مضمونها، ويُضعف ثقة الشركاء الدوليين بأي إصلاح مرتقب. من هذا المنظور، فإن البدائل موجودة، لكنها مُعلقة بالإرادة، ومشروطة بمعركة جادة ضد الفساد، ومرتبطة بإعادة تعريف دور الدولة بعيدًا عن منطق الريع والهدر، نحو نموذج إنتاجي مستدام. عبد الله الشادلي صحفي ومحرر لدى مركز سوث24 للأخبار والدراسات ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عدن تايم , ولا يعبر عن وجهة نظر حضرموت نت وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عدن تايم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة على المصدر السابق ذكرة.

'وول ستريت جورنال' تكشف كلفة حرب إسرائيل ضد إيران
'وول ستريت جورنال' تكشف كلفة حرب إسرائيل ضد إيران

المناطق السعودية

timeمنذ 2 ساعات

  • المناطق السعودية

'وول ستريت جورنال' تكشف كلفة حرب إسرائيل ضد إيران

ذكرت صحيفة 'وول ستريت جورنال' أن إسرائيل تنفق مئات الملايين من الدولارات يوميا على العمليات العسكرية ضد إيران. ووفقا للصحيفة، قد تصل تكلفة شهر واحد من الحرب في إيران إلى حوالي 12 مليار دولار. وأشارت الصحيفة، نقلا عن خبراء لم تسمهم، إلى أن تكلفة اعتراض الصواريخ قد تصل إلى 200 مليون دولار يوميا. كما أن إعادة إعمار البلاد بعد الضربات الإيرانية قد تبلغ على الأقل 400 مليون دولار. كما لفتت إلى أن هذه النفقات قد تقوض قدرة إسرائيل على خوض حرب طويلة الأمد مع إيران. وأضاف نفس المصدر: 'يتم انفاق مئات الملايين من الدولارات يوميا في الصراع بين إسرائيل وإيران '. كما قال الخبير في معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، يهوشوا كالينسكي، للصحيفة إن كل عملية تفعيل لنظام الدفاع الجوي الإسرائيلي 'قذيفة داوود' تكلف حوالي 700 مليون دولار. أما استخدام نظام الدفاع الجوي الآخر 'سهم 3' فيبلغ حوالي أربعة ملايين دولار لاعتراض صاروخ واحد. وأضاف كالينسكي للصحيفة أن بندا آخر في نفقات الجيش الإسرائيلي هو صيانة واستخدام مقاتلات إف-35، حيث تبلغ تكلفة ساعة الطيران الواحدة حوالي عشرة آلاف دولار. المصدر: 'وول ستريت جورنال'

هل حقاً تتراجع هيمنة الدولار على الاقتصاد العالمي حالياً؟
هل حقاً تتراجع هيمنة الدولار على الاقتصاد العالمي حالياً؟

الشرق للأعمال

timeمنذ 2 ساعات

  • الشرق للأعمال

هل حقاً تتراجع هيمنة الدولار على الاقتصاد العالمي حالياً؟

منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، لم تعرف العملات الدولية عملةً تضاهي الدولار الأميركي في النفوذ والهيمنة. فقد ظلت "الورقة الخضراء" حجر الأساس في التجارة العالمية، واحتياطيات البنوك المركزية، والتسعير العالمي للسلع الاستراتيجية مثل النفط والذهب. لكن خلال السنوات الأخيرة، بدأت تتعالى الأصوات والتقارير التي تتساءل: هل دخل الدولار بالفعل مرحلة التراجع؟ في هذا التقرير التحليلي، نستعرض المؤشرات الاقتصادية والاتجاهات السياسية التي تغذي هذا الجدل، ونفحص ما إذا كان العالم يقترب فعلاً من نهاية عصر الدولار، أم أن الهيمنة الأميركية لا تزال عصيّة على الانهيار. 1) متى فرض الدولار هيمنته على العالم؟ يعود صعود الدولار الأميركي كعملة احتياطية عالمية إلى نحو قرن، عندما كانت الإمبراطورية البريطانية تتراجع بعد الحرب العالمية الأولى. أصبح الدولار أيضاً من العملات الرئيسية المستخدمة في المعاملات الدولية، وبدأ تدريجياً في إزاحة الجنيه الإسترليني، مع اتجاه البنوك المركزية إلى الاحتفاظ بجزء أكبر من احتياطياتها بالدولار منذ أواخر عشرينيات القرن الماضي. تفضّل معظم الدول الاحتفاظ باحتياطاتها بعملةٍ تتمتع بأسواق مالية كبيرة ومنفتحة، لأنها تريد التأكد من قدرتها على الوصول إلى تلك الاحتياطات وقت الحاجة. في السنوات الأولى التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، كان الدولار هو حجر الأساس في نظام "بريتون وودز" وتأسس بناءً على تعهد أميركي بتحويل الدولارات إلى الذهب مقابل سعر صرف ثابت. إبان عهد الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون، قررت الولايات في عام 1971، فك ارتباط الدولار بالذهب. وبعد أكثر من خمسين عاماً على "صدمة نيكسون"، لا تزال الولايات المتحدة تجني فوائد الدور القيادي للدولار في الاقتصاد العالمي. 2) كيف عزز الدولار سطوة أميركا على الاقتصاد العالمي؟ تشير دراسة حديثة أعدها مركز الأبحاث الأميركي "المجلس الأطلسي" إلى أن تفوق الدولار يمنح واشنطن ما يُعرف بـ"الامتياز الفريد"، إذ يمكنها تمويل عجز الموازنة والحساب الجاري بفوائد منخفضة، ما يُسهم في دعم الإنفاق العام، وعلى رأسه أكبر ميزانية دفاعية في العالم. هذه الميزة مكّنت الولايات المتحدة من تنفيذ عمليات عسكرية باهظة التكاليف خارج حدودها، دون التعرض إلى ضغوط تمويلية محلية. كما تسمح للولايات المتحدة بالاقتراض بعملتها الوطنية فقط، ما يجنّبها مخاطر تقلبات أسعار الصرف، و يمنحها ميزة الاقتراض بتكاليف فائدة منخفضة نسبياً، كون احتياطيات البنوك المركزية في الدول الأخرى غالباً ما تُستثمر في أدوات الدين الأميركية، خصوصاً سندات الخزانة. وتبقى سوق سندات الخزانة الأميركية حتى الآن الأكبر والأكثر سيولة في العالم، ما يجعلها الأسهل من حيث الدخول إليها أو الخروج منها بيعاً وشراءً. وتشير تقديرات حديثة إلى أن موقع الدولار كعملة احتياطية عالمية يتيح للحكومة الأميركية اقتراضاً يتجاوز ما يمكنها تحمّله بنسبة 22% بفضل هذه المكانة. كما أن الجمع بين القوة العسكرية والمالية عزز الثقة بالاقتصاد الأميركي، حيث يرى المستثمرون في أدوات الدين الأميركية ملاذاً آمناً. وبعد إعادة انتخاب دونالد ترمب لولاية ثانية، بدأ على الفور التصرف بوصفه المدافع الأول عن هيمنة الدولار، كما هدد أي دولة تتخلى عن التعامل بالدولار بأنه لن يمكنها بيع أي شيء للولايات المتحدة، وعليها العثور على "أحمق" آخر للتعامل معه، وفق"بلومبرغ". وفي 30 نوفمبر الماضي، حذر ترمب "بريكس" من أنه سيطلب تعهدات بعدم تحركها لتدشين عملة جديدة كبديل لاستخدام الدولار، مكرراً تهديداته بفرض رسوم بنسبة 100%. 3) هل تتراجع هيمنة الدولار حالياً؟ يستشعر بعض صناع السياسات النقدية ومحافظو البنوك المركزية الكبرى حول العالم بأن هناك تراجعاً وشيكاً يختمر تحت السطح في هيمنة الدولار. ترى رئيسة البنك المركزي الأوروبي، كريستين لاغارد، أن هناك فرصة لمواجهة الهيمنة الطويلة للدولار حالياً مع تعزيز دور اليورو، بما يتيح لمنطقة العملة الموحدة الاستفادة من مزايا طالما كانت حكراً على العملة الأميركية، مثل انخفاض تكاليف الاقتراض للحكومات والشركات، واقتصاد يتمتع بقدر أكبر من الحماية ضد تقلبات أسعار الصرف. أما الصين فترى عالماً تتنافس فيه العملات بقوة مع تراجع هيمنة الدولار، وتسعى منذ سنوات إلى تعزيز استخدام عملتها عالمياً من خلال توقيع اتفاقات لتسوية المدفوعات مع دول مثل البرازيل وإندونيسيا وغيرها، ودفع استخدام اليوان عالمياً. وأشار محافظ البنك المركزي الصيني، بان قونغ شنغ، أن هناك نقاشات جارية حول العالم بشأن تقليص الاعتماد المفرط على عملة واحدة (الدولار)، مضيفاً أن مكانة اليوان العالمية قد تعززت خلال السنوات الأخيرة. وبلغت حصة اليوان من المدفوعات العالمية نحو 4.1% في مارس، بحسب بيانات "سويفت"، مقارنة بحصة الدولار البالغة 49%. ومن الصين إلى روسيا، حيث قال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في 22 أبريل 2024، إن روسيا والصين توقفتا بشكل شبه كامل عن استخدام الدولار في تجارتهما المتبادلة، حسبما أوردت حينذاك وكالة الأنباء الروسية (تاس). وكشف لافروف أن أكثر من 90% من التعاملات تتم تسويتها بالعملة الوطنية للبلدين. كما تظهر المؤشرات الحالية أن هيمنة الدولار على الاقتصاد العالمي على أول طريق التراجع، حيث تتنامى طموحات الكتل الاقتصادية الصاعدة في كسر "الهيمنة الأحادية"، مع تزايد اعتماد بعض الدول على العملات المحلية في التبادل التجاري. وناقشت مجموعة "بريكس" العام الماضي مسألة تجنب الدولار، وزاد الغزو الروسي لأوكرانيا من اهتمام بعض الدول بالابتعاد عن العملة الأميركية، بعدما أثارت العقوبات الغربية على موسكو تساؤلات حول ما إذا كانت العملة قد تحولت إلى أداة ضغط جيوسياسي، وفق "بلومبرغ". في الإطار ذاته، قال البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية إن ارتفاع حجم تجارة روسيا باليوان الصيني في أعقاب الحرب في أوكرانيا وفرض العقوبات الغربية قد يقوّض قوة الدولار الأميركي. كما فاقمت مخاطر الرسوم الجمركية التي فرضتها واشنطن هذا العام من النفور العالمي من الدولار، إذ طلب بعض المصدّرين الأميركيين تسوية معاملاتهم بعملات بديلة، من بينها اليوان، في مسعى للحد من تأثير تقلبات العملة الأميركية، بحسب مسؤول في مصرف "يو إس بانكورب" (US Bancorp). وتراجعت حصة الدولار من الاحتياطيات الدولية من نحو 70% في العقد الأول من القرن الحالي إلى 60% في عام 2022، وجاء بعده اليورو بنسبة 20%، ثم عدد من العملات الأخرى التي لم تتجاوز نسبتها خانة الآحاد، مثل الين الياباني والجنيه الإسترليني واليوان الصيني، وفق دراسة "المجلس الأطلسي". 4) لماذا يسعى خصوم أميركا إلى كسر هيمنة الدولار؟ يسعى خصوم واشنطن إلى كسر هيمنة الدولار لأنها تمنح الولايات المتحدة قوة غير مسبوقة في التأثير على الاقتصاد العالمي خارج حدودها السيادية. فعبر سيطرتها على العملة الاحتياطية الأولى عالمياً، تستطيع واشنطن فرض عقوبات مالية فعالة تعزل دولاً بأكملها عن النظام المصرفي العالمي، وتحد من قدرتها على إجراء معاملات تجارية دولية أو الوصول إلى احتياطاتها من النقد الأجنبي. اقرأ المزيد: التوجه لتجنب الدولار عالمياً يكتسب زخماً في آسيا كما ترى دول، مثل الصين وروسيا وإيران، أن هذا النفوذ المالي يمثل أداة "هيمنة جيوسياسية" أكثر منه مجرد امتياز اقتصادي. فكلما بقي الدولار مهيمناً على التبادلات العالمية، ظلت الاقتصادات الأخرى مضطرة إلى المرور عبر النظام المالي الأميركي، بما فيه من قواعد رقابية وتشريعات تخدم مصالح واشنطن. 5) ماذا ستخسر واشنطن لو تخلى العالم عن الدولار؟ فقدان الدولار لمكانته على الساحة العالمية قد يؤدي إلى ارتفاع تكلفة الاقتراض وزيادة التقلبات المالية وتآكل القوة الشرائية ما قد يجبر الولايات المتحدة على المفاضلة الصعبة بين أولوياتها الدفاعية والاجتماعية، وفق دراسة "المجلس الأطلسي". هذا التحول يمكن أن يؤدي إلى انخفاض الطلب على الدولار، وقد تتراجع الاستثمارات في الأصول الأميركية مثل سندات الخزانة، مع اتجاه الدول إلى تنويع محافظها لتشمل عملات أخرى. ومع تقليص الدول لحيازاتها من الأصول المقوّمة بالدولار الأميركي، تتراجع قدرة الاحتياطي الفيدرالي على التأثير في الأوضاع المالية العالمية، الأمر الذي يؤثر على فعالية قرارات السياسة النقدية الأميركية. التخلي عن استخدام الدولار له تداعيات جيوسياسية، إذ يمكن أن يُضعف من قوة الولايات المتحدة على الساحة الدولية، وتتراجع أيضاً أداة النفوذ التي تستخدمها الولايات المتحدة ضد الدول الأخرى. وتفقد واشنطن تدريجياً قدرتها على استخدام الدولار كأداة دبلوماسية أو كسلاح اقتصادي. كما أن الفراغ الذي قد ينشأ حال حدوث ذلك، لن يمر وقت طويل قبل أن تملأه قوى جيوسياسية طامحة. وبالتالي فإن الحفاظ على مركزية الدولار لا يرتبط فقط بالاقتصاد، بل يُعدّ ركيزة أساسية في حماية الأمن القومي للولايات المتحدة واستمرار دورها القيادي على الساحة الدولية، حسب الدراسة. يمكن أن تؤدي مبادرات التخلي عن الدولار إلى ضغوط تضخمية محتملة في الولايات المتحدة. فمع انخفاض الطلب على الدولار الأميركي، قد يزداد المعروض منه في الأسواق العالمية، مما يؤدي إلى تراجع قيمته. وقد يسهم هذا الانخفاض في رفع أسعار الواردات، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى تعزيز الضغوط التضخمية داخل الولايات المتحدة، مما ينعكس سلباً على القوة الشرائية للمستهلكين واستقرار الاقتصاد بشكل عام. جونغيوان زوي ليو الخبيرة في مركز الأبحاث الأميركي "مجلس العلاقات الخارجية" تقول إن فقدان الدولار لمكانته كعملة احتياطية سيخلف تداعيات اقتصادية وسياسية خطيرة على الولايات المتحدة. فبدون هيمنة الدولار، ستفقد الولايات المتحدة قدرتها على الاقتراض السريع وبتكلفة منخفضة، مما قد يضر بقدرتها على تمويل السياسات الصناعية أو برامج الرعاية الاجتماعية. كما أن التخلي عن استخدام الدولار سيعيد صياغة قواعد النظام المالي العالمي، الذي يستند حالياً إلى القيم الأميركية بفضل قيادة الدولار له. 6) هل هناك بدائل جاهزة لاستبدال هيمنة الدولار الأميركي؟ حتى الآن لا توجد عملة بديلة واقعية يمكن أن تحتل مكانة الدولار العالمية، حيث تراجع استخدام اليورو في المعاملات العالمية خلال العامين الماضيين، وفقاً لبيانات شبكة "سويفت" العالمية للمدفوعات، فيما لا يزال اليوان الصيني عملة ناشئة في التجارة غير المرتبطة مباشرة بالصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، حسب "بلومبرغ"، ويعاني الروبل الروسي من التقلبات مع استمرار الحرب على أوكرانيا.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store