
إيران: سيناريوهات السقوط أو البقاء
الباحثون عن الحرية والديمقراطية يفرون عادة من «الحكم الدينى»، وأنا أتحسس مسدسى «أى عقلى» كلما رأيت نموذج «حكم المرشد» فى أى بقعة فى العالم، ليس انحيازاً أعمى للتنوير والعالم الحر القائم على العلم.. بل اختيار واعٍ للخطوط الحمراء التى لا أتجاوزها لقبول رموز سياسية أو عمائم مسيسة.. ليس حباً أو كرهاً إنه «دفاع عن الحلم».
فى بداية رحلتى إلى الكتابة والنضال وجدت نفسى برفقة المستشارة «تهانى الجبالى» والدكتورة «نوال السعداوى» والدكتور «شريف حتاتة» و«منى حلمى» فى لندن، ندعم المقاومة الإيرانية «حركة مجاهدى خلق»، فى مؤتمر حمل عنوان «المرأة صوت المقهورين».. بحضور رئيسة الجمهورية المنتخبة للمجلس الوطنى للمقاومة الإيرانية فى المنفى «مريم رجوى».. ولم يكن المؤتمر إلا تلخيصاً لرؤيتى عن رفع القهر عن المرأة: إننا أمام تحدٍ سياسى واجتماعى وثقافى وعقائدى، أمام صدام حتمى مع أخطبوط الاستبداد الدينى والمرأة تقف على خط المواجهة.
شخصية «رجوى» ذات حضور طاغ وآسر تشعر معها بأنها «سيدة تليق بالحكم» وأن تحرير النساء من حكم الملالى قد يكون هدفاً يتجاوز كل حركات التحرير التى درسناها وعشنا بعضها فى مختلف مدن العالم.
منظمة مجاهدى خلق الإيرانية تأسست فى عام 1965 على أيدى مثقفى إيران من الأكاديميين، محمد حنيف نجاد وسعيد محسن وعلى أصغر بدیع زاد، بهدف إسقاط نظام الشاه، وبعد انتصار الثورة الإيرانية عام 1979، سعت منظمة مجاهدى خلق إلى إرساء الديمقراطية فى إيران ووقفت على شعار الحرية، وذلك بسبب معارضتها لمبدأ ولایة الفقيه. وهو ما أغضب «روح الله الخمينى»، وعلى الرغم من تعرض أنصار المنظمة لهجوم من قبل أنصار الخمينى، إلا أنهم كانوا ملتزمين بالنشاط السياسى السلمى و«مسعود رجوى» فى خطابات مختلفة عن الحريات الاجتماعية والتركيز السياسى.. وخلال المؤتمر المشار إليه تواصل «مسعود» مع المشاركين بالمؤتمر عبر الستالايت.
فى هذه الآونة كانت حركة مجاهدى خلق لها «جيش نظامى» بالمعنى الحرفى للكلمة، يتمترس على الأراضى العراقية، فقد احتضن «صدام حسين» المعارضة الإيرانية بعد حربه الطويلة مع إيران.
عانت المنظمة من التضييق والمطاردة بتصنيفها «إرهابية» مثل كل حركات المقاومة المسلحة فى العالم، حتى رفعت الخارجية الأمريكية والاتحاد الأوروبى اسمها من الكيانات الإرهابية، ثم فى تطور دراماتيكى سقطت بغداد فى مارس 2003.. وهكذا تم إصدار قرار بالإجماع من مجلس الحكم العراقى بطرد عناصر المنظمة من مدينة أشرف العراقية إلى خارج البلد وغلق مقراتها ومنعها من ممارسة أى نشاط.. وأصبحت منظمة مجاهدى خلق متنقلة من دولة أوروبية إلى أخرى.
لماذا أكتب عن المعارضة الإيرانية الأكثر تنظيماً وتمرساً الآن؟ لقد قال رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، الخميس، رداً على تصريحات وزير دفاعه بشأن المرشد الإيرانى على خامنئى، فى مقابلة مع هيئة البث الإسرائيلية: «أصدرتُ تعليماتى بأنه لن يتمتع أحد بالحصانة فى إيران».
وزير الدفاع الإسرائيلى «يسرائيل كاتس» كان قد قال: إن إعصاراً يجتاح العاصمة الإيرانية طهران، معتبراً أنه من خلال هذا المسار يتم سقوط الديكتاتوريات. وتابع كاتس فى منشور له على منصة «إكس»: أن «إعصار يجتاح طهران. يتم قصف رموز القوة وتنهار، وقريباً أهداف أخرى، مع فرار أعداد غفيرة من السكان. هكذا يتم سقوط الديكتاتوريات».. وأضاف: «يجب أن يتذكر المصير الذى حل بديكتاتور جارة إيران (العراق) الذى تعامل بهذا الأسلوب ضد إسرائيل».. فهل يتكرر نفس السيناريو بنفس الأحداث ويتفكك الشرق الأوسط بأكمله لأجل «خاطر إسرائيل»؟!!.. إنها معادلات غاية فى الوحشية أشبه بانهيار الاتحاد السوفيتى بعد الإصلاحات التى عرفت باسم البيريسترويكا (إعادة البناء والهيكلة) والغلاسنوست (الانفتاح وحرية التعبير) والتى طبقها «ميخائيل جورباتشوف».
لو تخيلنا وافترضنا جدلاً أن هذا السيناريو مرشح للحدوث فسوف تنفجر إيران كالبركان، وتتشتت العقول التى تنفذ مشروعها النووى، وتنقسم البلاد إلى دويلات فقيرة ومتصارعة، ويتم تصدير الإرهاب لبلادنا ويسقط آلاف الشهداء.. إنه كابوس بالمعنى الحرفى للكلمة.
ولا يبدده الافتراض الرومانسى سياسياً القائل بأن انتقال الحكم إلى حركة «مجاهدى خلق» أو تشكيل مجلس حكم قد يكون البديل الآمن.. لا أمن فى سقوط دولة بحجم إيران، مهما اختلفنا معها، ومع كل قصف من إسرائيل لإيران نقترب من النهاية التى أتمنى ألا تكون مروعة.
أتصور أن كلمة السیدة «مریم رجوی» فى البرلمان الأوروبى -استراسبورغ - 18 يونيو 2025 تستحق قراءة جيدة، فيما بعد، لأنها ركزت على إسقاط النظام، وقالت: «الحلّ الوحيد لهذه الحرب والأزمة هو إسقاط هذا النظام وتغييره على يد الشعب والمقاومة الإيرانية. نعم، هناك بديل يملك برنامجاً واضحاً وسجلاً طويلاً من النضال المتواصل ضد هذا النظام الدينى الاستبدادى).. لكن الشعوب العربية التى رأت فى طهران «بطولة مطلقة» وقصاصاً عادلاً لأهالى غزة من إسرائيل تستبعد هذا السيناريو، وترى فيه إنكاراً لما أظهرته طهران من صمود وتحد رغم خسائرها البشرية والعلمية.. وللأسف قد يكون السيناريو الآخر أكثر إيلاماً للجميع.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

الرياض
منذ ساعة واحدة
- الرياض
إيران أطلقت أسراباً من مسيرات شاهد 136 ودفعات من الصواريخ«إسرائيل» تقصف موقعاً نووياً في أصفهان للمرة الثانية
أعلنت إسرائيل السبت أنها قتلت ثلاثة قياديين في الحرس الثوري الإيراني وقصفت موقعاً نووياً في أصفهان للمرة الثانية منذ بدء الحرب التي دخلت يومها التاسع بين الدولة العبرية والجمهورية الإسلامية. ومع تمسّك طهران برفض التفاوض بشأن برنامجها النووي مع تواصل الضربات الإسرائيلية، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب الجمعة أن مهلة "أسبوعين" التي حددها الخميس ليقرر ما إذا كان سيوجه ضربة لإيران هي "حد أقصى"، وأنه قد يتخذ قراره قبل انتهائها. وقال وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر: إن الضربات التي طالت خصوصاً منشآت عسكرية ونووية، أخرت "لسنتين أو ثلاث سنوات" برنامج إيران النووي. وأعلن الجيش الإسرائيلي في بيان السبت أنه "قضى" على القيادي في فيلق القدس التابع للحرس الثوري سعيد إيزادي، قائلاً: إنه كان "حلقة الوصل" بين إيران وحركة (حماس). وأوضح أنه استهدِف "داخل شقة اختباء سرية" في منطقة قم جنوب طهران. ويتبع فيلق القدس للحرس الثوري وهو معني بالعمليات الخارجية خصوصاً دعم المجموعات الحليفة لإيران والمناهضة لإسرائيل في الشرق الأوسط مثل "حزب الله" اللبناني وحماس الفلسطينية. كذلك أعلن الجيش القضاء على بهنام شهرياري، مشيراً إلى أنه "قائد وحدة نقل الوسائط القتالية التابعة لفيلق القدس"، وذلك في غارة على سيارته في غرب إيران، والقيادي الآخر في الحرس أمين بور جودكي الذي قاد مئات الهجمات بالمسيرات ضد إسرائيل. إلى ذلك، أفادت وكالة إيسنا السبت بمقتل أربعة عناصر من الحرس الثوري في ضربة إسرائيلية استهدفت معسكر تدريب في تبريز بشمال غرب البلاد. استهداف متجدد لموقع أصفهان وأسفرت الضربات الإسرائيلية الأولى على إيران عن مقتل عدد من كبار القادة العسكريين، يتقدمهم رئيس هيئة أركان القوات المسلحة وقائد الحرس الثوري. وأطلقت إسرائيل حملة ضربات جوية غير مسبوقة على إيران في 13 يونيو، مؤكدة امتلاك معلومات استخباراتية تفيد بأن برنامجها النووي شارف "نقطة اللاعودة". وترد إيران بإطلاق دفعات صواريخ ومسيّرات على الدولة العبرية. وأعلن الجيش الإسرائيلي السبت أنه قصف مجددًا موقعًا نوويًا في أصفهان (وسط). وقال الجيش: إن سلاح الجو قصف خلال الليل "للمرة الثانية الموقع النووي في أصفهان"، مشيراً إلى استهداف منشأة لإنتاج أجهزة الطرد المركزي. وأكد مصدر عسكري إسرائيلي أن الضربات "عززت إنجازاتنا وزادت من الضرر اللاحق بالموقع"، مؤكداً أن إسرائيل "ألحقت ضرراً بالغاً بقدرات إيران على إنتاج أجهزة الطرد المركزي". وكانت وكالتا "مهر" و"فارس" الإيرانيتان نقلتا عن مسؤول محلي وقوع الهجوم و"عدم رصد أي تسرب لمواد خطرة". إلى ذلك، أعلن الجيش الإسرائيلي السبت شن غارات على "بنية تحتية لتخزين الصواريخ وإطلاقها وسط إيران". تشتبه الدول الغربية بأن إيران تسعى إلى امتلاك قنبلة نووية. وتنفي طهران ذلك وتدافع عن حقها في تطوير برنامج نووي مدني. وتتمسك إسرائيل بالغموض بشأن امتلاكها السلاح النووي، إلا أن معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام يقول: إنها تمتلك 90 رأساً نووياً. وقال وزير الخارجية الإسرائيلي في مقابلة نشرتها صحيفة "بيلد" الألمانية السبت "بحسب التقييمات التي نسمعها، أخّرنا بالفعل لمدة سنتين أو ثلاث على الأقل إمكانية امتلاكهم قنبلة نووية". وأضاف: "قضاؤنا على هؤلاء الأشخاص الذين قادوا تسليح البرنامج النووي ودفعوا بهذا الاتجاه، أمر بالغ الأهمية". وبدأت الضربات في خضم مفاوضات بين واشنطن وطهران تهدف للتوصل إلى اتفاق جديد بشأن الملف النووي الإيراني. ورداً على سؤال بشأن احتمال التوصل إلى اتفاق، قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي لقناة "إن بي سي" الأميركية: "ربما كانت لديهم هذه الخطة من البداية، واحتاجوا للمفاوضات للتستر عليها"، مضيفاً بشأن الأميركيين: "لا أعرف كيف يمكننا أن نثق بهم بعد الآن. ما قاموا به عملياً كان خيانة للدبلوماسية". عمليات مركبة في غضون ذلك، تواصل طهران إطلاق الصواريخ والمسيّرات نحو إسرائيل. وأعلن الحرس الثوري السبت في بيان أنه أطلق "خلال الليل عدة أسراب من مسيرات شاهد 136" ودفعات من الصواريخ، مؤكداً مواصلة "العمليات المركبة بالمسيرات والصواريخ". وفي إسرائيل، أفاد جهاز الإسعاف "نجمة داود الحمراء" بأن "ضربة طائرة مسيّرة أصابت مبنى سكنياً من طبقتين في شمال إسرائيل"، مشيراً إلى أن طواقمه لم تعثر على أي ضحايا في الموقع. وأتى ذلك بعدما حذّر الجيش من تسلل قطعة جوية معادية في منطقة بيسان (بيت شان بالعبرية). كما أفادت أجهزة الإسعاف عن اندلاع حريق على سطح مبنى في وسط الدولة العبرية، بدون ذكر ضحايا. وبحسب أحدث حصيلة للسلطات الإسرائيلية، أدت الضربات الإيرانية إلى مقتل 25 شخصاً في الدولة العبرية. من جهتها، أفادت وزارة الصحة الإيرانية الجمعة أن حصيلة القتلى وصلت الى 350 شخصاً. من جهتها، ذكرت وكالة أنباء نشطاء حقوق الإنسان (هرانا)، وهي منظمة إيرانية غير حكومية مقرها في الولايات المتحدة، أن الضربات أسفرت عن وقوع 657 قتيلاً وألفي جريح على الأقل. وأثارت الحرب حركة نزوح من طهران التي يقطنها نحو 10 ملايين نسمة. والسبت، نقل التلفزيون الرسمي الإيراني عن شرطة المرور أن "موجة العودة إلى المدن الكبرى بدأت من الأمس. يسجّل ازدحام كبير عند مداخل هذه المدن، خصوصاً طهران". كارثة تامة وتثير الحرب بين القوتين الإقليميتين مخاوف من نزاع أوسع نطاقاً في الشرق الأوسط، يضاف إلى التوترات القائمة في الشرق الأوسط منذ بدء الحرب في غزة في أكتوبر 2023. وكان رئيس أركان الجيش الإسرائيلي إيال زامير حذّر في رسالة إلى مواطنيه الجمعة، من أن النزاع سيطول. وقال: "أطلقنا الحملة الأكثر تعقيداً في تاريخنا (...) علينا أن نكون مستعدين لحملة طويلة. رغم إحراز تقدم كبير، تنتظرنا أيام صعبة. نستعد لاحتمالات عديدة".


الرياض
منذ ساعة واحدة
- الرياض
الثقافة الدبلوماسية في السعودية
تُعد الثقافة الدبلوماسية في المملكة العربية السعودية نموذجًا فريدًا يجمع بين الإرث التاريخي العريق والتكيف مع متطلبات العصر الحديث. منذ تأسيس الدولة السعودية الحديثة على يد الملك عبدالعزيز آل سعود، اتسمت الدبلوماسية السعودية بالحكمة والتوازن، مستندة إلى قيم إسلامية واجتماعية راسخة، مع التزام بالأعراف والقوانين الدولية. في ظل رؤية المملكة 2030، شهدت الدبلوماسية السعودية تحولات استراتيجية عززت مكانتها كقوة فاعلة في الساحة الدولية. يهدف هذا المقال إلى استعراض مكونات الثقافة الدبلوماسية السعودية، تطورها التاريخي، ودورها في تعزيز الاستقرار الإقليمي والعالمي، مع التركيز على الجوانب العلمية والتطبيقية التي تشكل هذه الثقافة. الثقافة الدبلوماسية تُعرف بأنها مجموعة القيم، المبادئ، والممارسات التي تحكم سلوك الدولة في علاقاتها الخارجية. في السياق السعودي، تتجلى هذه الثقافة في الالتزام بالمبادئ الإسلامية، مثل العدالة، السلام، والتعاون، إلى جانب احترام السيادة الوطنية والمعاملة بالمثل. تستمد الدبلوماسية السعودية قوتها من إرث ثقافي وتاريخي يعكس قيم الكرم، الضيافة، والحكمة في اتخاذ القرارات، وهي قيم متأصلة في المجتمع السعودي. بدأت الدبلوماسية السعودية مع تأسيس المملكة عام 1932، حيث كانت أول بعثة دبلوماسية سعودية في القاهرة عام 1348هـ / 1929م. ومع مرور الزمن، توسعت شبكة البعثات الدبلوماسية لتصل إلى أكثر من 116 بعثة، تشمل سفارات، قنصليات، ووفود دائمة في المنظمات الدولية. تأسست وزارة الخارجية عام 1930، وكانت أولى خطوات بناء جهاز دبلوماسي احترافي، حيث تولى الأمير فيصل بن عبد العزيز، لاحقًا الملك فيصل، قيادتها كأول وزير خارجية. على مر العقود، تطورت الممارسة الدبلوماسية السعودية من خلال التأسيس لمعهد الأمير سعود الفيصل للدراسات الدبلوماسية عام 1979، الذي يُعد مركزًا أكاديميًا متخصصًا في تأهيل الدبلوماسيين السعوديين. يركز المعهد على تزويد الدبلوماسيين بالمعارف النظرية والعملية في مجالات مثل العلاقات الدولية، القانون الدولي، والمفاوضات الدبلوماسية، مما يعكس التزام المملكة بتطوير كوادر دبلوماسية مؤهلة. تتميز الثقافة الدبلوماسية السعودية بعدة عناصر أساسية منها الالتزام بالمبادئ الإسلامية والوطنية، وتستمد الدبلوماسية السعودية قيمها من المبادئ الإسلامية التي تدعو إلى السلام والتعاون، مع التركيز على حماية المصالح الوطنية. هذه القيم تُترجم إلى سياسات خارجية متوازنة تحترم السيادة الوطنية للدول الأخرى. والتوازن والاستقلالية؛ فمنذ تولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز الحكم عام 2015، اعتمدت المملكة نهجًا دبلوماسيًا يعتمد على تعددية الشراكات الاستراتيجية، مما قلل الاعتماد على القوى التقليدية مثل الولايات المتحدة، وعزز استقلالية القرار السياسي. والوساطة وتسوية النزاعات؛ حيث تُظهر المملكة قدرة متميزة في لعب دور الوسيط في النزاعات الدولية، كما تجلى في استضافتها لمفاوضات بين الولايات المتحدة وروسيا حول الأزمة الأوكرانية عام 2025، مما عزز مكانتها كجسر دبلوماسي عالمي. وكذلك الالتزام بالأعراف الدولية، فتلتزم المملكة باتفاقيتي فيينا للعلاقات الدبلوماسية والقنصلية، مع تحفظات محدودة تتماشى مع مبدأ المعاملة بالمثل، مما يعكس احترامها للقوانين الدولية. أما دور الثقافة الدبلوماسية في تعزيز مكانة المملكة، فقد أسهمت الثقافة الدبلوماسية السعودية في تعزيز مكانة المملكة كقوة إقليمية وعالمية. فعلى الصعيد الإقليمي، لعبت المملكة دورًا محوريًا في حل النزاعات داخل العالم العربي، مثل الوساطة في الأزمات اليمنية واللبنانية. وعلى الصعيد العالمي، أثبتت المملكة فعاليتها كوسيط موثوق، كما في استضافتها لمفاوضات حول الأزمات الدولية الكبرى. كما ساهمت رؤية 2030 في تعزيز البعد الثقافي للدبلوماسية السعودية، حيث تسعى وزارة الثقافة إلى تعزيز مكانة المملكة الدولية من خلال الترويج للتراث الثقافي، مثل الاحتفاء بـ"عام القهوة السعودية" 2022 و"عام الخط العربي" 2020-2021، و"عام الحرف اليدوية" 2025، والتي تعكس ارتباط الثقافة الوطنية بالدبلوماسية الثقافية. ختاماً تُمثل الثقافة الدبلوماسية في المملكة العربية السعودية مزيجًا من الإرث التاريخي والتطلعات المستقبلية. من خلال الالتزام بالمبادئ الإسلامية، والمرونة في التعامل مع التحديات الدولية، والاستثمار في تطوير الكوادر الدبلوماسية، استطاعت المملكة ترسيخ مكانتها كقوة دبلوماسية فاعلة. في ظل رؤية 2030، تتجه المملكة نحو تعزيز دورها كجسر دبلوماسي عالمي، يسهم في إحلال السلام والاستقرار، مع الحفاظ على مصالحها الوطنية. إن هذا النهج المتوازن يجعل من الدبلوماسية السعودية نموذجًا يُحتذى به في العلاقات الدولية.


الرياض
منذ ساعة واحدة
- الرياض
المملكة والسلام العالمي
تعد المملكة العربية السعودية فاعلًا محوريًا في النظام الدولي، حيث تبنّت منذ توحيدها على يد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله- سياسة خارجية تقوم على مبدأ تحقيق السلم والاستقرار، وقد تميزت هذه السياسة بالاعتدال، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، إلى جانب العمل الدائم على توحيد الصفوف العربية والإسلامية، ونزع فتيل الصراعات بكل الوسائل السلمية الممكنة. وانطلاقًا من ثقلها السياسي والديني والاقتصادي، اضطلعت المملكة بدور الوساطة في عدد من النزاعات حيث قامت باستضافة محادثات تفاوضية بين أطراف متنازعة، وقدّمت مبادرات متعددة لرأب الصدع وتحقيق التوافق، لا سيما في محيطها الإقليمي الذي شهد ولا يزال يشهد حالات من عدم الاستقرار. وقد تعزز هذا الدور بشكل لافت في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز الذي واصل النهج الحكيم لأسلافه من خلال سياسة متوازنة، تقوم على مدّ جسور التعاون مع القوى العالمية، وتقديم المبادرات السعودية للحل في ملفات شائكة، لا سيما في الشرق الأوسط. فجهود الملك سلمان -حفظه الله- اتسمت بالتركيز على توحيد المواقف العربية بما يشمل دعم الشرعية في اليمن، وتقوية مؤسسات الدولة في لبنان، والسعي لاحتواء الأزمات في السودان وسوريا. أما ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله-، فقد نقل السياسة السعودية إلى مستوى جديد من الفعالية الاستراتيجية على الساحة الدولية. وبرؤية شاملة وعصرية، أعاد سموه رسم ملامح الدور السعودي في العالم، مستندًا إلى رؤية المملكة 2030، التي جمعت بين الإصلاح الداخلي والتأثير الخارجي. وقد برزت في عهده مبادرات نوعية للتقارب بين الدول، وتعزيز التعاون الدولي في ملفات البيئة والاقتصاد ومكافحة الفكر المتطرف، من خلال مبادرات مثل مبادرة الشرق الأوسط الأخضر ومنتدى مستقبل الاستثمار، وقيادة جهود التهدئة في المنطقة كما رسّخ سموه صورة المملكة باعتبارها دولة راعية للسلام، وقد نجحت جهوده في إعادة بناء جسور الثقة مع دول الجوار، وتعزيز الحضور السعودي في المشهد الجيوسياسي العالمي، سواء عبر علاقات فاعلة مع قوى كبرى مثل الصين وروسيا والولايات المتحدة، أو عبر التوسط في صراعات معقّدة، كان أبرزها جهود المصالحة في السودان واليمن، ومبادرات الدعم الإنساني للدول المنكوبة. ويبرز موقف المملكة العربية السعودية من الأزمة السورية بوصفه شاهدًا إضافيًا على التزامها الراسخ بخيار السلام، وسعيها الدؤوب لإنهاء الصراعات عبر الحلول السياسية الشاملة. فبعد سنوات من تجميد العلاقات نتيجة للظروف المأساوية التي عصفت بسوريا، تبنت المملكة سياسة منفتحة تجاه إعادة دمج سوريا في محيطها العربي، بما في ذلك عودة دمشق إلى جامعة الدول العربية، إيمانًا منها بأن الحلول المستدامة تنطلق من الحوار لا من العزلة وانطلاقًا من نهجها القائم على إعادة الإعمار كمدخل للسلام والتنمية، وأعلنت المملكة عن دعم اقتصادي وإنساني واسع للشعب السوري، يشمل تمويل مشاريع إنمائية، ومساعدة القطاعات الحيوية المتضررة، والعمل على تخفيف معاناة النازحين واللاجئين، سواء داخل سوريا أو في الدول المجاورة واضطلعت المملكة بتخفيف الضغوط الاقتصادية على الدولة السورية، من خلال دعوتها الصريحة إلى رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، باعتبار أن استمرار هذه العقوبات يسهم في تعميق معاناة الشعب السوري، ويعرقل جهود إعادة الإعمار والاستقرار. وقد تجسّد هذا التحرك الدبلوماسي في موقف سعودي واضح، عبّر عنه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان خلال لقاءات ومشاورات مع قوى دولية، إذ شدّد على ضرورة تبنّي مقاربة أكثر واقعية تجاه الأزمة السورية، تقوم على تشجيع مسارات الحل السياسي ودعم المؤسسات الوطنية، بدلًا من سياسات العزل والإضعاف وقد حظي هذا الطرح السعودي بقدر كبير من التفاعل الدولي، إذ تجاوبت الإدارة الأمريكية مع هذه الجهود ويعكس هذا الدور ما بات يُعرف بالدبلوماسية السعودية الواقعية، التي تمزج بين المبادئ السياسية والاعتبارات الإنسانية، والسعي إلى إحداث توازن بين دعم استقرار الدولة السورية من جهة، وتوجيه النظام الدولي نحو مراجعة أدواته العقابية حينما تؤدي إلى نتائج عكسية تطال المدنيين الأبرياء ويُعد هذا التحرك امتدادًا طبيعيًا لنهج المملكة القائم على السلام.