
النساء .... السلاح السري للجاسوسية البريطانية
مرت 15 سنة منذ أن عدت لموسكو في مهمة لصالح "اندبندنت"، كنت آنذاك كاتبة في العشرينيات من عمري، أحاول تخطي وفاة والدي، وأتلمس إجابات لأسئلة كثيرة تركها غيابه معلقة. من بين تلك الأسئلة: كيف تأثر والدي عندما اكتشف من خلال عنوان في صحيفة عندما كان في الـ19 من عمره أن والده – كيم فيلبي – كان عميلاً مزدوجاً؟
سرت يومها على أرصفة موسكو الرمادية المكسوة بالثلوج، للمرة الأولى منذ الطفولة، أقتفي أثر جدي في المدينة التي لجأ إليها بعد انكشاف أمره كـ"الرجل الثالث" في خلية كامبريدج التجسسية. ومع كل خطوة، كانت الأسئلة تتكاثر في رأسي. من بينها: أين كانت النساء في هذه الحكاية؟
على مدار سنوات، قرأت كتباً وشاهدت مسرحيات وأفلاماً لا تحصى عن حياة جدي ورفاقه من الجواسيس السوفيات، وكانت كلها تقريباً حكايات عن رجال.
ولم يعلن جهاز الاستخبارات الخارجية البريطاني "أم آي 6" MI6 تعيين امرأة على رأسه إلا اليوم، مع اختيار بلايز متروويلي لهذا المنصب.
صحيح أن بعض الوجوه النسائية ظهرت هنا وهناك، لكنها كانت في الغالب وجوه السكرتيرات أو الزوجات، مثل زوجة كيم الرابعة، روفينا (أو روفا كما كنا نناديها)، التي جلست بجانبها على الأريكة نفسها التي جلست عليها مع والدي خلال زيارتنا في ثمانينيات القرن الماضي، داخل الشقة التي خصصت لـ كيم فور وصوله إلى الاتحاد السوفياتي على متن ناقلة نفط قادمة من بيروت.
تحدثت روفا دامعة عن زوجها الراحل، لكنني لم أستطع تجاهل التساؤلات التي راودتني حول دورها الحقيقي في حكايته. هناك من قال إنها كانت "هدية" لـ كيم، لإلهائه بعد وصوله إلى ما وراء الستار الحديدي، بينما رأى آخرون أنها كانت أداة بيد جهاز الاستخبارات والأمن السوفياتي، وضعت إلى جانبه لمراقبته. لم يكن بمقدوري معرفة الحقيقة، وغالب الظن أنني لن أعرفها أبداً.
ما اكتشفته لاحقاً، أثناء بحثي لكتابي الجديد، وهو عمل غير روائي موجه للكبار والصغار معاً، هو أن النساء كثيراً ما أدين أدواراً بارزة ومتشعبة في عالم الجاسوسية على مر العصور.
غلاف كتاب "الحياة السرية للنساء الجاسوسات" (بينغوان)
"الحياة السرية للنساء الجاسوسات" The Secret Lives of Women Spies هو مجموعة من القصص التي تنفض الغبار عن العالم السري المشوق للجاسوسات، من القرن الـ19 وحتى يومنا هذا. من هارييت توبمان، عضو الكشافة المسلحة في جيش الاتحاد [الجيش الذي مثل الولايات الشمالية خلال الحرب الأهلية الأميركية 1861–1865]، إلى زاندرا فليميستر، أول امرأة سوداء تنضم إلى جهاز الخدمة السرية البريطانية، مروراً بـ نور عنايت خان، التي عملت لحساب جهاز العمليات الخاصة البريطاني خلال الحرب العالمية الاستثنائية، وجوزفين بيكر التي تحولت إلى نجمة في صفوف المقاومة الفرنسية.
هؤلاء النسوة – وعددهن يقارب 20 – انخرطن في مختلف زوايا عالم التجسس، وخضن مغامرات محفوفة بالأخطار دفاعاً عن قناعاتهن، مما جعلهن في نظر بعضهم بطلات، وفي نظر آخرين خائنات.
إلى جانب سرد القصص الشخصية المذهلة لهؤلاء النساء، يغوص الكتاب في السياقات التاريخية التي أحاطت بحياتهن، في محاولة لفهم دوافعهن وخياراتهن. تأتي بعض القصص واضحة المعالم، مثل قصة "ساراسواتي راجاماني"، الضابطة في جهاز الاستخبارات الوطني الهندي، التي أعلنت بعفوية حاسمة وهي في الـ10 من عمرها أمام المهاتما غاندي: "حين أكبر، سأطلق النار على إنجليزي".
أما قصص أخرى، كحكاية "ماتا هاري"، فهي أكثر تعقيداً وغموضاً، إذ ارتبطت قصتها الأسطورية طويلاً بصورة الجاسوسة الألمانية التي استخدمت سحرها وجاذبيتها كسلاح، غير أن هذه الرواية بدأت تتداعى مع ظهور سردية جديدة تصورها كامرأة مسلوبة القوة، فعلت كل ما في وسعها لتعود لابنتها التي انتزعها منها زوج عنيف.
في السنوات الأخيرة، بدأت الاستخبارات البريطانية تخطو خطوات واضحة نحو مزيد من الشفافية والتنوع. ففي عهد دام ستيلا ريمينغتون – التي عينت عام 1992 كأول امرأة تتولى قيادة جهاز الاستخبارات الداخلية MI5، وتبعتها إليزا مانينغهام بولر في 2002 - صدر توجيه بأن تفرج المخابرات الداخلية عن ملفاتها إلى الأرشيف الوطني بعد فترة زمنية محددة.
وبفضل الكشف عن حزمة من الوثائق بموجب هذا البروتوكول عام 2015، تبين أن امرأة نمسوية تدعى إديث تيودور-هارت – وكانت مصورة بارعة وأماً عزباء كرست حياتها لرعاية ابنها المصاب بمرض عقلي – هي من قامت بتجنيد جدي لصالح السوفيات في ثلاثينيات القرن الماضي. لقد كانت بالغة الأهمية لدرجة أن الجاسوس الشهير في خلية كامبريدج، أنتوني بلينت (الذي كان أيضاً من أقرباء الملكة إليزابيث الثانية)، وصفها تحت الاستجواب بأنها "الجدة الكبرى لنا جميعاً".
وما يثير التأمل أيضاً أن أول من حاول فضح جدي كيم فيلبي كجاسوس مزدوج كانت امرأة أخرى، هي جين سيسمور، أول ضابطة في جهاز الاستخبارات الداخلية البريطاني. غير أنها، وبعد خلاف مع المدير العام بالإنابة، فصلت من الجهاز بتهمة العصيان قبل أن تتمكن من جمع ما يكفي من معلومات لإثبات شكوكها.
لم تجند النساء بانتظام كضابطات استخبارات في جهاز الأمن الداخلي البريطاني أو جهاز الاستخبارات الخارجية حتى أواخر سبعينيات القرن الماضي. وفي مقابلة حديثة مع مجلة "هاربرز بازار"، قالت ستيلا ريمينغتون: "عندما انضممت إلى جهاز الأمن الداخلي في عام 1969، كانت النساء يقمن بالأعمال المساندة، بينما الرجال يتولون مهمات 'استخلاص المعلومات". اجتمعت ستيلا مع مجموعة من الموظفات المستاءات، وكتبن رسالة يطالبن فيها بمهمات أفضل وأكثر تحدياً، وكان أول اختبار لها أن تدخل إلى حانة وتحصل على أكبر قدر ممكن من المعلومات عن شخص ما من دون أن تثير الشبهات، وأضافت مازحة: "لقد كدت أطرد من المكان، للاشتباه في أنني أتحرش بالزبائن!".
ومن المثير للاهتمام أن فيرنون كيل، الذي شارك في تأسيس جهاز الاستخبارات الخارجية في عام 1909، وصف الأشخاص الذين يرغب في تجنيدهم بأنهم رجال "يستطيعون تدوين ملاحظاتهم على أطراف أكمام قمصانهم وهم على ظهور الخيل".
حتى اليوم، لم تتول امرأة قط قيادة جهاز الاستخبارات الخارجية البريطاني (أم آي 6)، لكن هذا الواقع تغير الآن. فمع تنحي ريتشارد مور هذا العام عن منصب رئيس جهاز الاستخبارات السرية في المملكة المتحدة، أعلنت الحكومة تعيين بلايز متروويلي، ضابطة الاستخبارات المحترفة، لشغل منصبه.
تبلغ متروويلي من العمر 47 سنة، وتشغل حالياً منصب رئيسة قسم التكنولوجيا في (أم آي 6) والمعروف بـ"كيو"، وكانت انضمت إلى الجهاز في عام 1999، وأمضت معظم مسيرتها المهنية في أدوار عملياتية في الشرق الأوسط وأوروبا.
ويذكر أن ثلاث نساء يشغلن بالفعل ثلاثة من أصل أعلى أربعة مناصب في الجهاز، وأجرين مقابلة جماعية موسعة مع صحيفة "فايننشال تايمز" في عام 2022. وفي تلك المقابلة، صرحت مديرة العمليات، التي نشأت في شمال غربي إنجلترا وتعلمت في مدرسة حكومية، بأن كونك امرأة يمكن أن يكون "السر الخفي، ففي بيئة يهيمن عليها الذكور بصورة خاصة، هناك ميل إلى الاستهانة بالنساء، وبالتالي النظر إليهن على أنهن أقل تهديداً".
لذا، ليس من المستغرب إطلاقاً أن يجري تعيين امرأة الآن على رأس جهاز الاستخبارات الخارجية البريطاني.
من الصعب تحديد السبب وراء بقاء قصص الجاسوسات في الظل إلى هذا الحد، ربما لأن معظم الكتب التي تناولت عالم التجسس كتبها رجال، أو لأن الجاسوسات نادراً ما جرى القبض عليهن. جزء من سحر الجاسوسات يكمن في قدرة الزوجة أو الأم أو السكرتيرة على الاختفاء وسط المشهد العام من دون أن تلفت الانتباه. أول جاسوسة قرأت عنها كانت أورسولا كوشينسكي، المعروفة باسم "العميلة سونيا"، وهي قائدة شبكة تجسس سوفياتية نالت وسامي الشارة الحمراء لخدماتها للاتحاد السوفياتي، لكن البريطانيين اعتبروها مجرد ربة منزل.
في عام 2014، تعرفت للمرة الأولى على "العميلة سونيا" خلال مقابلة أجريتها لهذه الصحيفة مع الصحافي تشابمان بينشر، الملقب بـ"صياد الجواسيس في شارع فليت"، وذلك قبل وفاته بقليل. وخلال جلستنا في مكتبه، كشف لي عن أعز مقتنياته: جهاز تكبير شرائح كان يخص شقيقة سونيا. قال لي آنذاك: "[بريجيت كوشينسكي] كانت مسؤولة عن أكثر بكثير مما يعرفه الناس".
في ذلك العام نفسه، وفي إطار حملة تهدف إلى استقطاب مزيد من النساء إلى أجهزة الاستخبارات السرية، كشفت ضابطة في جهاز MI6 - من دون ذكر اسمها - كيف أن كونها أماً وجاسوسة في آن معاً منحها ميزة مهنية فريدة، قالت: "هذا الدور يتيح لي التواصل مع طيف واسع من الأشخاص، من إرهابيين إلى زعماء سياسيين، فأنا أقل إثارة للريبة من امرأة عازبة"، وأضافت، وهي زوجة وأم لأطفال صغار: "[الإرهابيون] لديهم أمهات وأخوات وبنات".
وخلال عملي على تأليف هذا الكتاب، وجدت أجوبة لعدد من الأسئلة التي كانت تؤرقني، بينما ظلت أسئلة أخرى – كما هو متوقع – بلا إجابة. ما بات مؤكداً لدي هو أن تغييب النساء عن الروايات المتداولة في عالم الجاسوسية يفضح الطريقة التي صغنا بها التاريخ وتحدثنا عنه عبر السنين، لأن من يملك سلطة التوثيق هو من يقرر من يظهر في القصة، لكن لحسن الحظ، هذا الواقع بدأ يتغير. فمؤرخات معاصرات مثل شرباني باسو، وكلير مالي، وآيمي باتلر غرينفيلد، وآن سيبا، وكلير هابارد - هول، والدكتورة هيلين فراي، يعملن على إعادة رسم الرواية التاريخية، وكتابة النساء مجدداً في قلب الحكاية، مسلطات الضوء على من كن في الظل ويستحققن الآن الظهور في النور.
يصدر كتاب "الحياة السرية لنساء الجاسوسية" عن دار "بافن" في الـ19 من يونيو (حزيران)، وتباع النسخة الواحدة بسعر 8.99 جنيه استرليني.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


Independent عربية
منذ 3 أيام
- Independent عربية
النساء .... السلاح السري للجاسوسية البريطانية
مرت 15 سنة منذ أن عدت لموسكو في مهمة لصالح "اندبندنت"، كنت آنذاك كاتبة في العشرينيات من عمري، أحاول تخطي وفاة والدي، وأتلمس إجابات لأسئلة كثيرة تركها غيابه معلقة. من بين تلك الأسئلة: كيف تأثر والدي عندما اكتشف من خلال عنوان في صحيفة عندما كان في الـ19 من عمره أن والده – كيم فيلبي – كان عميلاً مزدوجاً؟ سرت يومها على أرصفة موسكو الرمادية المكسوة بالثلوج، للمرة الأولى منذ الطفولة، أقتفي أثر جدي في المدينة التي لجأ إليها بعد انكشاف أمره كـ"الرجل الثالث" في خلية كامبريدج التجسسية. ومع كل خطوة، كانت الأسئلة تتكاثر في رأسي. من بينها: أين كانت النساء في هذه الحكاية؟ على مدار سنوات، قرأت كتباً وشاهدت مسرحيات وأفلاماً لا تحصى عن حياة جدي ورفاقه من الجواسيس السوفيات، وكانت كلها تقريباً حكايات عن رجال. ولم يعلن جهاز الاستخبارات الخارجية البريطاني "أم آي 6" MI6 تعيين امرأة على رأسه إلا اليوم، مع اختيار بلايز متروويلي لهذا المنصب. صحيح أن بعض الوجوه النسائية ظهرت هنا وهناك، لكنها كانت في الغالب وجوه السكرتيرات أو الزوجات، مثل زوجة كيم الرابعة، روفينا (أو روفا كما كنا نناديها)، التي جلست بجانبها على الأريكة نفسها التي جلست عليها مع والدي خلال زيارتنا في ثمانينيات القرن الماضي، داخل الشقة التي خصصت لـ كيم فور وصوله إلى الاتحاد السوفياتي على متن ناقلة نفط قادمة من بيروت. تحدثت روفا دامعة عن زوجها الراحل، لكنني لم أستطع تجاهل التساؤلات التي راودتني حول دورها الحقيقي في حكايته. هناك من قال إنها كانت "هدية" لـ كيم، لإلهائه بعد وصوله إلى ما وراء الستار الحديدي، بينما رأى آخرون أنها كانت أداة بيد جهاز الاستخبارات والأمن السوفياتي، وضعت إلى جانبه لمراقبته. لم يكن بمقدوري معرفة الحقيقة، وغالب الظن أنني لن أعرفها أبداً. ما اكتشفته لاحقاً، أثناء بحثي لكتابي الجديد، وهو عمل غير روائي موجه للكبار والصغار معاً، هو أن النساء كثيراً ما أدين أدواراً بارزة ومتشعبة في عالم الجاسوسية على مر العصور. غلاف كتاب "الحياة السرية للنساء الجاسوسات" (بينغوان) "الحياة السرية للنساء الجاسوسات" The Secret Lives of Women Spies هو مجموعة من القصص التي تنفض الغبار عن العالم السري المشوق للجاسوسات، من القرن الـ19 وحتى يومنا هذا. من هارييت توبمان، عضو الكشافة المسلحة في جيش الاتحاد [الجيش الذي مثل الولايات الشمالية خلال الحرب الأهلية الأميركية 1861–1865]، إلى زاندرا فليميستر، أول امرأة سوداء تنضم إلى جهاز الخدمة السرية البريطانية، مروراً بـ نور عنايت خان، التي عملت لحساب جهاز العمليات الخاصة البريطاني خلال الحرب العالمية الاستثنائية، وجوزفين بيكر التي تحولت إلى نجمة في صفوف المقاومة الفرنسية. هؤلاء النسوة – وعددهن يقارب 20 – انخرطن في مختلف زوايا عالم التجسس، وخضن مغامرات محفوفة بالأخطار دفاعاً عن قناعاتهن، مما جعلهن في نظر بعضهم بطلات، وفي نظر آخرين خائنات. إلى جانب سرد القصص الشخصية المذهلة لهؤلاء النساء، يغوص الكتاب في السياقات التاريخية التي أحاطت بحياتهن، في محاولة لفهم دوافعهن وخياراتهن. تأتي بعض القصص واضحة المعالم، مثل قصة "ساراسواتي راجاماني"، الضابطة في جهاز الاستخبارات الوطني الهندي، التي أعلنت بعفوية حاسمة وهي في الـ10 من عمرها أمام المهاتما غاندي: "حين أكبر، سأطلق النار على إنجليزي". أما قصص أخرى، كحكاية "ماتا هاري"، فهي أكثر تعقيداً وغموضاً، إذ ارتبطت قصتها الأسطورية طويلاً بصورة الجاسوسة الألمانية التي استخدمت سحرها وجاذبيتها كسلاح، غير أن هذه الرواية بدأت تتداعى مع ظهور سردية جديدة تصورها كامرأة مسلوبة القوة، فعلت كل ما في وسعها لتعود لابنتها التي انتزعها منها زوج عنيف. في السنوات الأخيرة، بدأت الاستخبارات البريطانية تخطو خطوات واضحة نحو مزيد من الشفافية والتنوع. ففي عهد دام ستيلا ريمينغتون – التي عينت عام 1992 كأول امرأة تتولى قيادة جهاز الاستخبارات الداخلية MI5، وتبعتها إليزا مانينغهام بولر في 2002 - صدر توجيه بأن تفرج المخابرات الداخلية عن ملفاتها إلى الأرشيف الوطني بعد فترة زمنية محددة. وبفضل الكشف عن حزمة من الوثائق بموجب هذا البروتوكول عام 2015، تبين أن امرأة نمسوية تدعى إديث تيودور-هارت – وكانت مصورة بارعة وأماً عزباء كرست حياتها لرعاية ابنها المصاب بمرض عقلي – هي من قامت بتجنيد جدي لصالح السوفيات في ثلاثينيات القرن الماضي. لقد كانت بالغة الأهمية لدرجة أن الجاسوس الشهير في خلية كامبريدج، أنتوني بلينت (الذي كان أيضاً من أقرباء الملكة إليزابيث الثانية)، وصفها تحت الاستجواب بأنها "الجدة الكبرى لنا جميعاً". وما يثير التأمل أيضاً أن أول من حاول فضح جدي كيم فيلبي كجاسوس مزدوج كانت امرأة أخرى، هي جين سيسمور، أول ضابطة في جهاز الاستخبارات الداخلية البريطاني. غير أنها، وبعد خلاف مع المدير العام بالإنابة، فصلت من الجهاز بتهمة العصيان قبل أن تتمكن من جمع ما يكفي من معلومات لإثبات شكوكها. لم تجند النساء بانتظام كضابطات استخبارات في جهاز الأمن الداخلي البريطاني أو جهاز الاستخبارات الخارجية حتى أواخر سبعينيات القرن الماضي. وفي مقابلة حديثة مع مجلة "هاربرز بازار"، قالت ستيلا ريمينغتون: "عندما انضممت إلى جهاز الأمن الداخلي في عام 1969، كانت النساء يقمن بالأعمال المساندة، بينما الرجال يتولون مهمات 'استخلاص المعلومات". اجتمعت ستيلا مع مجموعة من الموظفات المستاءات، وكتبن رسالة يطالبن فيها بمهمات أفضل وأكثر تحدياً، وكان أول اختبار لها أن تدخل إلى حانة وتحصل على أكبر قدر ممكن من المعلومات عن شخص ما من دون أن تثير الشبهات، وأضافت مازحة: "لقد كدت أطرد من المكان، للاشتباه في أنني أتحرش بالزبائن!". ومن المثير للاهتمام أن فيرنون كيل، الذي شارك في تأسيس جهاز الاستخبارات الخارجية في عام 1909، وصف الأشخاص الذين يرغب في تجنيدهم بأنهم رجال "يستطيعون تدوين ملاحظاتهم على أطراف أكمام قمصانهم وهم على ظهور الخيل". حتى اليوم، لم تتول امرأة قط قيادة جهاز الاستخبارات الخارجية البريطاني (أم آي 6)، لكن هذا الواقع تغير الآن. فمع تنحي ريتشارد مور هذا العام عن منصب رئيس جهاز الاستخبارات السرية في المملكة المتحدة، أعلنت الحكومة تعيين بلايز متروويلي، ضابطة الاستخبارات المحترفة، لشغل منصبه. تبلغ متروويلي من العمر 47 سنة، وتشغل حالياً منصب رئيسة قسم التكنولوجيا في (أم آي 6) والمعروف بـ"كيو"، وكانت انضمت إلى الجهاز في عام 1999، وأمضت معظم مسيرتها المهنية في أدوار عملياتية في الشرق الأوسط وأوروبا. ويذكر أن ثلاث نساء يشغلن بالفعل ثلاثة من أصل أعلى أربعة مناصب في الجهاز، وأجرين مقابلة جماعية موسعة مع صحيفة "فايننشال تايمز" في عام 2022. وفي تلك المقابلة، صرحت مديرة العمليات، التي نشأت في شمال غربي إنجلترا وتعلمت في مدرسة حكومية، بأن كونك امرأة يمكن أن يكون "السر الخفي، ففي بيئة يهيمن عليها الذكور بصورة خاصة، هناك ميل إلى الاستهانة بالنساء، وبالتالي النظر إليهن على أنهن أقل تهديداً". لذا، ليس من المستغرب إطلاقاً أن يجري تعيين امرأة الآن على رأس جهاز الاستخبارات الخارجية البريطاني. من الصعب تحديد السبب وراء بقاء قصص الجاسوسات في الظل إلى هذا الحد، ربما لأن معظم الكتب التي تناولت عالم التجسس كتبها رجال، أو لأن الجاسوسات نادراً ما جرى القبض عليهن. جزء من سحر الجاسوسات يكمن في قدرة الزوجة أو الأم أو السكرتيرة على الاختفاء وسط المشهد العام من دون أن تلفت الانتباه. أول جاسوسة قرأت عنها كانت أورسولا كوشينسكي، المعروفة باسم "العميلة سونيا"، وهي قائدة شبكة تجسس سوفياتية نالت وسامي الشارة الحمراء لخدماتها للاتحاد السوفياتي، لكن البريطانيين اعتبروها مجرد ربة منزل. في عام 2014، تعرفت للمرة الأولى على "العميلة سونيا" خلال مقابلة أجريتها لهذه الصحيفة مع الصحافي تشابمان بينشر، الملقب بـ"صياد الجواسيس في شارع فليت"، وذلك قبل وفاته بقليل. وخلال جلستنا في مكتبه، كشف لي عن أعز مقتنياته: جهاز تكبير شرائح كان يخص شقيقة سونيا. قال لي آنذاك: "[بريجيت كوشينسكي] كانت مسؤولة عن أكثر بكثير مما يعرفه الناس". في ذلك العام نفسه، وفي إطار حملة تهدف إلى استقطاب مزيد من النساء إلى أجهزة الاستخبارات السرية، كشفت ضابطة في جهاز MI6 - من دون ذكر اسمها - كيف أن كونها أماً وجاسوسة في آن معاً منحها ميزة مهنية فريدة، قالت: "هذا الدور يتيح لي التواصل مع طيف واسع من الأشخاص، من إرهابيين إلى زعماء سياسيين، فأنا أقل إثارة للريبة من امرأة عازبة"، وأضافت، وهي زوجة وأم لأطفال صغار: "[الإرهابيون] لديهم أمهات وأخوات وبنات". وخلال عملي على تأليف هذا الكتاب، وجدت أجوبة لعدد من الأسئلة التي كانت تؤرقني، بينما ظلت أسئلة أخرى – كما هو متوقع – بلا إجابة. ما بات مؤكداً لدي هو أن تغييب النساء عن الروايات المتداولة في عالم الجاسوسية يفضح الطريقة التي صغنا بها التاريخ وتحدثنا عنه عبر السنين، لأن من يملك سلطة التوثيق هو من يقرر من يظهر في القصة، لكن لحسن الحظ، هذا الواقع بدأ يتغير. فمؤرخات معاصرات مثل شرباني باسو، وكلير مالي، وآيمي باتلر غرينفيلد، وآن سيبا، وكلير هابارد - هول، والدكتورة هيلين فراي، يعملن على إعادة رسم الرواية التاريخية، وكتابة النساء مجدداً في قلب الحكاية، مسلطات الضوء على من كن في الظل ويستحققن الآن الظهور في النور. يصدر كتاب "الحياة السرية لنساء الجاسوسية" عن دار "بافن" في الـ19 من يونيو (حزيران)، وتباع النسخة الواحدة بسعر 8.99 جنيه استرليني.


Independent عربية
١٦-٠٦-٢٠٢٥
- Independent عربية
تعيين امرأة للمرة الأولى على رأس جهاز الاستخبارات الخارجية البريطاني
أعلن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر الأحد أن حكومته عينت بلايز مترويلي رئيسة لجهاز الاستخبارات الخارجية "أم آي 6"، لتكون بذلك أول امرأة تتبوأ هذا المنصب في ظل ما تواجهه البلاد من "تهديدات غير مسبوقة". وحقق جهاز "أم آي 6" شهرة عالمية بفضل شخصية العميل جيمس بوند التي ابتكرها الكاتب إيان فلامينغ في سلسلة روايات جاسوسية تحولت لاحقاً إلى أفلام سينمائية. وأعلن داونينغ ستريت في بيان أن مترويلي ستكون الرئيسة الـ18 للجهاز. وقال ستارمر "يأتي هذا التعيين التاريخي لبلايز مترويلي في وقت لم يكن فيه عمل أجهزة الاستخبارات البريطانية أكثر أهمية من أي وقت مضى". وأضاف "تواجه المملكة المتحدة تهديدات غير مسبوقة (...) سواء من معتدين يرسلون سفن تجسس إلى مياهنا الإقليمية، أو قراصنة إلكترونيين يسعون من خلال مؤامراتهم الإلكترونية المتطورة إلى تعطيل خدماتنا العامة". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) ورئيس "أم آي 6" هو العضو الوحيد في الجهاز الذي يتم الإعلان عن اسمه، ويرفع تقاريره مباشرة إلى وزير الخارجية. ويشار إلى الشخص الذي يشغل هذا المنصب بالحرف "سي" وليس "أم" كما ظهر في سلسلة أفلام جيمس بوند التي أدت فيها الممثلة جودي دنش هذا الدور. وستتولى مترويلي منصبها الخريف المقبل خلفاً لرئيس الجهاز المنتهية ولايته ريتشارد مور. وأفاد البيان أنها مترويلي تشغل حالياً منصب المديرة العامة للتكنولوجيا والابتكار في "أم آي 6" وتعرف باسم "كيو". ووصفت بأنها ضابطة استخبارات محترفة انضمت إلى الجهاز عام 1999 بعد أن درست الأنثروبولوجيا في جامعة كامبريدج. وأضاف البيان أن مترويلي شغلت مناصب عليا في "أم آي 6" وكذلك في جهاز الاستخبارات الداخلية "أم آي 5"، وقضت معظم حياتها المهنية "في القيام بأدوار تنفيذية في الشرق الأوسط وأوروبا"، من دون الكشف عن تفاصيل أكثر بشأن سيرتها الذاتية. ويأتي هذا التعيين بعد ثلاثة عقود من شغل ستيلا ريمينغتون رئاسة جهاز الاستخبارات الداخلية "أم آي 5" بين عامي 1992 و1996.


صدى الالكترونية
١٢-٠٦-٢٠٢٥
- صدى الالكترونية
رحيل مفاجئ للنجم الكوري كيم جونغ سوك وسط تساؤلات وغموض
توفي عارض الأزياء والنجم التلفزيوني الكوري الجنوبي كيم جونغ سوك، عن عمر ناهز 29 عامًا، في 4 يونيو الجاري، وسط حالة من الجدل أُثيرت بسبب تقارير متضاربة وشائعات حول ظروف وفاته. وبحسب ما أفادت به صحيفة ديلي ميل البريطانية، فقد سقط شاب في العشرينيات من عمره من مبنى سكني مرتفع في مدينة هانام التابعة لمقاطعة جيونجي، وذلك بعد مشادة كلامية وقعت بينه وبين صديقته، ما فتح باب التكهنات حول هوية الضحية وأسباب الحادث. ورغم تداول أنباء عن كسر زجاجة أثناء الشجار، ما دفع البعض إلى ترجيح فرضية الانتحار هربًا من تدخل الشرطة، لم تؤكد الجهات الرسمية هذه الرواية. واكتفت عائلة كيم بتأكيد وفاته خلال مراسم الجنازة التي أُقيمت في 6 يونيو، دون الخوض في تفاصيل الحادث، ما أبقى المجال مفتوحًا أمام سيل من الشائعات والتأويلات. وفي محاولة لوقف انتشار الأخبار الكاذبة، خرجت شقيقة كيم عن صمتها عبر حسابها الشخصي على وسائل التواصل، لتنفي بشكل قاطع ما تم تداوله عن تورط شقيقها في خلاف عنيف أو اقتحام منزل صديقته. وقالت في منشور مطول: 'المعلومات المغلوطة المنتشرة تُسبب لنا ألمًا لا يُطاق، أخي لم يكن مخمورًا، ولم يقم بأي تصرف متهور كما يُشاع'. وأوضحت أن كيم كان يعاني من أزمة نفسية حادة في الفترة الأخيرة، بعد تعرضه لعملية احتيال استثماري من قبل شخص مقرّب، خسر على إثرها معظم أمواله وتراكمت عليه الديون، وأضافت: 'لقد كان مرهقًا نفسيًا ويعيش تحت ضغط كبير، يعاني بصمت منذ مدة طويلة'. العائلة أعلنت كذلك عزمها اتخاذ إجراءات قانونية بحق المواقع الإخبارية والحسابات التي تروج لادعاءات زائفة تمس بسمعة الفقيد وتزيد من معاناة ذويه. يُذكر أن كيم جونغ سوك بدأ مشواره الفني كعارض أزياء، وشارك في حملات ترويجية لعدد من العلامات التجارية، أبرزها إعلان لمستحضرات التجميل الرجالية 'داشو'، والذي ساعده على كسب شعبية واسعة. وازدادت شهرته بعد مشاركته في برنامج المواعدة الكوري المعروف Skip Dating، الذي يجمع شبابًا وفتيات في تجارب مواعدة واقعية. ورغم أنه بقي نشطًا على وسائل التواصل حتى أيامه الأخيرة، إلا أن عائلته قامت لاحقًا بتحويل جميع حساباته إلى الوضع الخاص احترامًا لخصوصيته.