
أردوغان: نتنياهو وحكومته كتبوا أسماءهم بجانب طغاة مثل هتلر
قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اليوم الجمعة إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته كتبوا أسماءهم إلى جانب طغاة مثل هتلر، منتقدا الانتهاكات الإسرائيلية في غزة والهجوم الإسرائيلي على إيران، الذي حذر من أنه يقترب من "نقطة اللاعودة".
وأكد أردوغان في كلمة له، بمنتدى شباب منظمة التعاون الإسلامي في إسطنبول، أن العالم الإسلامي يمر حاليا بمرحلة صعبة، وقال إن "الحرب والصراعات والفوضى وسُحب عدم الاستقرار غطت جغرافيا حضارتنا. منذ عامين، أينما نوجه أنظارنا نُصدم بجرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية".
وأضاف أن نتنياهو وحكومته "من خلال ما ارتكبوه من جرائم بوقاحة، ومن دون أي احترام للقوانين طوال الشهور الماضية، كتبوا أسماءهم إلى جانب الطغاة مثل هتلر وبول بوت".
وقال إن إسرائيل التي تشتكي اليوم من تضرر مستشفياتها نفذت أكثر من 700 هجوم على وحدات صحية في غزة فقط، بينما يتم بوحشية استهداف من يقفون في طوابير الطعام بغزة لنيل كسرة خبز أو قليل من الحساء.
واعتبر الرئيس التركي أن "من حوّل غزة إلى أكبر معسكر اعتقال في العالم لا يحق له الحديث عن جرائم حرب، فذلك ليس مجرد تناقض، بل وقاحة وانعدام للخجل".
وتابع أن غزة تشهد منذ 21 شهرا إحدى أكثر الفظائع خزيا في العصر الحديث، معتبرا أن حكومة نتنياهو المسؤولة الأولى عن الإبادة الجماعية في غزة "والصامتين حيال المجازر شركاء في الجريمة".
مكيدة نتنياهو
وحذر أردوغان القوى المؤثرة على إسرائيل من الوقوع في "مكيدة نتنياهو"، وطالبها بأن تستخدم نفوذها لإرساء وقف النار والهدوء في المنطقة، داعيا إلى "رفع الأيدي عن الزناد" في الصراع بين إيران وإسرائيل قبل مزيد من الدمار والدماء.
وأكد الرئيس التركي أن بلاده "لم تتردد أبدًا في الوقوف إلى جانب المظلومين رغم استهدافه وحكومته من قبل اللوبي الصهيوني". ووجه التحية "لشباب فلسطين الأبطال، وشباب غزة الشجعان، الذين يدافعون ببسالة عن أرضهم التي وُلدوا عليها منذ 622 يوما في وجه الهجمات الوحشية التي تشنها حكومة إسرائيل".
في السياق نفسه، وخلال اتصال هاتفي مع المستشار الألماني فريدريش ميرتس اليوم الجمعة، أكد أردوغان أن مرحلة الصراع التي بدأت مع الهجوم الإسرائيلي على إيران زادت التهديدات لأمن المنطقة إلى أعلى مستوى.
وقال بيان نشرته دائرة الاتصال في الرئاسة التركية، عبر حسابها على منصة "إكس"، إن الجانبين تناولا خلال الاتصال العدوان الإسرائيلي على إيران والعلاقات الثنائية بين البلدين وقضايا إقليمية.
وحذر أردوغان خلال الاتصال من أن هجمات إسرائيل على إيران قد تضر بالمنطقة وأوروبا من حيث الهجرة واحتمال حدوث تسربات نووية، مؤكدا أن السبيل لحل الخلافات النووية مع إيران هو الجلوس إلى طاولة المفاوضات.
ومنذ 13 يونيو/حزيران تشن إسرائيل بدعم أميركي عدوانا على إيران استهدف منشآت نووية وقواعد صاروخية وقادة عسكريين وعلماء نوويين، وردت طهران بإطلاق وطائرات مسيرة
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
بانون يعارض الانضمام للحرب على إيران ويوجه تحذيرات لترامب
ذكرت شبكة "إيه بي سي" الأميركية أن ستيف بانون المستشار السابق للرئيس الأميركي دونالد ترامب يبدى معارضة لتدخل واشنطن في الحرب على إيران، ويرى أنه "لا يمكن الوثوق بمخابرات إسرائيل" وأن القنبلة الخارقة للتحصينات ربما لا تعمل كما هو مخطط له. وأوضحت الشبكة أن بانون التقى مؤخرا ترامب ونقل إليه مخاوفه من تبعات أي تدخل في الحرب التي تخوضها إسرائيل ضد إيران. وأشارت إلى أن المستشار السابق حذر من أخطار على القوات الأميركية المنتشرة في المنطقة إذا ردت إيران على قصف أي من منشآتها النووية. وأكدت أن بانون حذر من أن القنبلة الخارقة للتحصينات ربما لا تعمل كما هو مخطط لها، وأن استخبارات إسرائيل لا يمكن الوثوق بها. وصممت القنابل الأميركية " جي بي يو-57" زنة 13 طنا لتدمير أهداف في أعماق الأرض، وهو سلاح يقول الخبراء إنه يمكن استخدامه لاستهداف البرنامج النووي الإيراني، بما في ذلك موقع فوردو. وقالت الشبكة إن القنبلة خضعت للاختبار فقط، ولم تُستخدم مطلقًا في الميدان، كما لا يُعرف على وجه الدقة طبيعة الخرسانة والمعادن التي تحمي موقع فوردو النووي، وعبر خبراء من مخاوف من أن احتمال أن يؤدي هجوم أميركي إلى "إثارة عش دبابير دون تدميره". ورفض بانون التعليق على لقائه ترامب، قائلاً فقط إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو"يحتاج إلى إنهاء ما بدأه". في المقابل، أكد مسؤولون في الإدارة الأميركية أنهم "واثقون من القدرة على تفكيك برنامج إيران النووي"، وأن "استعراض القوة ضروري لضرب منشأة فوردو أو لحماية 40 ألف جندي قد تستهدفهم إيران أو حلفاؤها". وقال أحدهم إن "هذه الإدارة واثقة للغاية من قدرتها على تفكيك البرنامج النووي الإيراني. لا ينبغي لأحد أن يشك في ما يمكن للجيش الأميركي القيام به". وقال كيرت ميلز، المدير التنفيذي لمجلة "ذي أميركان كونسرفاتيف"، الذي يعارض أيضًا العمل العسكري في إيران إن "بانون، بطريقة أو بأخرى، يرسل يوميًا رسالة واضحة وصارمة ضد العمل العسكري".


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
هل تنهار "إستراتيجية إيران العظمى"؟
ما بين ماضٍ إمبراطوري يُصر على الحضور رغم الأفول، وواقع إقليمي مضطرب بصراعات النفوذ والهيمنة، يسعى الباحث الإيراني-الأميركي فالي نصر، في كتابه "الإستراتيجية العظمى لإيران: تاريخ سياسي"، إلى تقديم تفسير مركَّب للمسار الذي اتخذته الجمهورية الإسلامية منذ عام 1979 لبناء مشروعها الجيوسياسي، الذي يرتكز -بحسب نصر- على ما يصفه بـ"الإستراتيجية الكبرى للممانعة"، وهي رؤية موجهة بالأساس لمقاومة النفوذ الغربي، وخاصة الولايات المتحدة الأميركية. يُمثِّل الكتاب محاولة لقراءة التاريخ السياسي الإيراني من زاوية إستراتيجية، ترصد كيف تطوّرت الثورة لتصبح رؤية لدولة، تتخطى اللحظة الانفعالية الدينية الأولى، لتتجلى كنقطة انطلاق لصياغة ما يشبه الفلسفة الإستراتيجية المتكاملة، تمتد من "الدفاع المقدّس" خلال حرب الثمانينيات، وصولا إلى مفاهيم "الدفاع الأمامي" و" محور المقاومة"، التي شكّلت أدوات طهران الجديدة لإعادة تموضعها في النظامين الإقليمي والدولي. وفي حين بقيت غالبية التصورات الغربية حول إيران أسيرة لخطاب الثورة الإسلامية عام 1979، وهو خطاب يركّز على الجانب الأيديولوجي والديني، متجاهلةً تعقيدات المشهد الإيراني الحديث. يكشف نصر، في المقابل، كيف تحولت إيران -عبر عقود ما بعد الثورة- من دولة ثورية، تسعى لتصدير خطابها العقائدي، إلى دولة تُعيد بناء إستراتيجيتها القومية، اعتمادا على حقائق الجغرافيا والتاريخ والضرورات الجيوسياسية، وليس فقط على الأيديولوجيا. صحيح أن الثورة مثَّلت لحظة تأسيسية مفصلية، لكن التجربة الإيرانية بعد ذلك -لا سيما خلال حربها مع العراق (1980-1988)- دفعت النظام نحو إعادة التفكير في مصادر قوته وفي عوامل هشاشته. تلك الحرب، التي يصفها نصر بأنها لحظة التكوين الصلبة للفكر الإستراتيجي الإيراني، كشفت أن الضمانة الحقيقية لأمن إيران تكمن في قدراتها الذاتية، وأن الغرب لا يمكن الوثوق به. من هنا، نشأت ما تُعرف بـ"عقيدة المقاومة"، وهي الفكرة التي تحوّلت لاحقا إلى الركيزة المركزية للإستراتيجية العظمى للجمهورية الإسلامية. عقيدةٌ لا تقوم فقط على الردع أو الدفاع، بل على بناء منظومة ممتدة من النفوذ، العابر للحدود، تقوم مقام التحالفات الكلاسيكية. من "الدفاع المقدس" إلى "الدفاع الأمامي" يطرح فالي نصر مفهوم "الدفاع الأمامي" في الإستراتيجية الإيرانية باعتباره يُجسد عمليا "عقيدة المقاومة"، إذ لا يعبّر فقط عن تحول في المفاهيم، بل عن إعادة هندسة كاملة لطريقة إيران في إدارة صراعاتها الإقليمية. بموجب هذا المفهوم، لم تعد طهران تكتفي بردع الأعداء داخل حدودها، بل باتت تسعى إلى نقل خطوط التماس بعيدا عن جغرافيتها، لتدور المعركة -ماديا ومعنويا- على أرض الخصم أو في محيطه القريب. لا يُراد من هذه الإستراتيجية التوسّع الإمبراطوري أو احتلال الأراضي وفق ما يحاجج به فالي نصر، بل غاية ما تسعى إليه طهران هو بناء طوقٍ ردعي مرن، يجعل أي اعتداء على العمق الإيراني مكلفا ومعقدا للغاية، وفق نموذج "الحرب البعيدة"، الذي ينقل الاشتباك من قلب إيران إلى هوامش النفوذ الأميركي والإسرائيلي، ويخلق شبكة من الجبهات المفتوحة تشلّ قدرة الخصم على المبادرة. وتتجلى تلك الرؤية بوضوح في الدور المحوري لـ" فيلق القدس"، الذراع الخارجية للحرس الثوري ، الذي تحوّل خلال العقدين الماضيين إلى رأس الحربة في تنفيذها، إذ لم يكن الفيلق مجرد أداة تدخل عسكري، بل جهاز إستراتيجي لإدارة التحالفات العابرة للحدود، وقيادة محورٍ واسع من الفاعلين المسلحين المحليين الذين يدينون بالولاء أو ينسّقون بدرجات مختلفة مع طهران: من حزب الله في لبنان، إلى الحشد الشعبي في العراق، إلى الحوثيين في اليمن، وصولا إلى دعم حركتي حماس والجهاد الإسلامي في غزة. ويشدّد نصر على أن إيران لا تسعى -في واقع الأمر- إلى القضاء على إسرائيل أو طرد أميركا عسكريا من المنطقة في حقيقة الأمر، بل هدفها هو إنهاك الخصوم بما يقلل من فرص شن أي أعمال عدائية مباشرة ضدها وجعلها مكلفة إستراتيجيا للغاية. إنها فلسفة تقوم على الصبر والاستنزاف، أقرب في جوهرها إلى ما عبّر عنه هنري كيسنجر حين قال عن حرب فيتنام: "الثائر ينتصر إذا لم يُهزم، أما الجيش النظامي فيخسر إذا لم ينتصر". المحور، والرسالة، والانفجار: 7 أكتوبر وعودة المقاومة يُفرد فالي نصر مساحة بارزة من كتابه لتحليل هجوم 7 أكتوبر 2023، معتبرا إيّاه لحظة مفصلية في تفعيل إستراتيجية إيران الإقليمية. فالهجوم، الذي نفّذته كتائب عز الدين القسام ، لم يكن مجرد عملية عسكرية مفاجئة، بل اختبارا حقيقيا لقدرة طهران على الجمع بين العقيدة والمناورة. جاء الهجوم ليُسقط الهالة الردعية التي أحاطت بإسرائيل طويلا، ويُعيد القضية الفلسطينية إلى مركز الطاولة الإقليمية، ويُربك اندفاعة التطبيع العربي مع تل أبيب. ورغم أن غزة كانت ساحة الانفجار، فإن ارتداداته امتدت إلى سوريا والعراق ولبنان واليمن، وجرى تفعيل جبهات أخرى لتكون بمنزلة مسارح إسناد وتحدٍّ إضافي. لكن الصدمة الكبرى، كما يروي نصر، وقعت بعد عام واحد فقط. ففي أكتوبر/تشرين الأول 2024، باغتت إسرائيل حزب الله بضربة خاطفة أدّت إلى اغتيال معظم قياداته، بمَن فيهم أمينه العام حسن نصر الله ، وتدمير واسع للضاحية الجنوبية في بيروت. هذه الضربة مثّلت ارتدادا عنيفا للمحور الإيراني، وأعادت طهران إلى وضع دفاعي قلق، لكنها لم تُحدث شرخا في عقيدتها الأساسية. فالحرب، كما يكتب نصر، "طويلة، ولن تُحسم بضربة واحدة" . أعداء الداخل والخارج: معركة التوازن المستحيل يربط الكاتب، بعين الباحث المتمرس، بين شرارتين بدتا في الظاهر متباعدتين: احتجاجات "مهسا أميني" التي هزّت الداخل الإيراني عام 2022، وهجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 الذي زلزل أمن إسرائيل من غزة. ومن هذا الربط تنبثق فرضية مركزية في تفكيره مفادها أن النظام الإيراني لا يفصل بين الخارج والداخل كما يتوهّم كثير من المراقبين، بل يراهما وجهين لصراع واحد. فتماسك الداخل، في نظر طهران، ليس وليد سياسة اقتصادية ناجحة أو إصلاح سياسي متدرج، بل نتيجة مباشرة لمراكمة أوراق القوة الإقليمية. بهذا المنطق، لم يرَ قادة إيران أن الغضب الشعبي المتفجر في شوارع طهران وقم وتبريز تعبير عن مأزق اجتماعي داخلي، بل "مؤامرة خارجية" بتحريك غربي، كما فسّرتها أجهزة الدولة، مما زاد من قناعة القيادة بجدوى التشدد لا الانفتاح، والمجابهة لا المصالحة. فالمرشد علي خامنئي ، كما يحلل نصر، يرى في الضغوط الغربية مسوّغا لإغلاق الداخل، لا بوابة لانفتاحه. لكن المفارقة القاسية تكمن في أنّ الإستراتيجية الكبرى، التي نجحت في كسب أوراق خارجية، باتت تستنزف الرصيد الداخلي للنظام. ومع تآكل الطبقة الوسطى، وتزايد الضغط الاقتصادي، تحوّلت السياسة الخارجية من أداة قوة إلى وسيلة بقاء، ومن مشروع توسع إلى حائط صد ضد الانهيار من الداخل، بحسب الكاتب. من جانب آخر، يفكك نصر، في فصول لاحقة، العلاقة المعقدة بين المشروع النووي الإيراني وإستراتيجية الممانعة الكبرى. فالنووي -كما يرى- لم يكن يوما مشروعا عقائديا أو دينيا كما تروّج بعض الخطابات الغربية، بل رافعة إستراتيجية دقيقة، وضعتها طهران على طاولة الردع الشامل، بوصفها أداة تفاوض، لا أداة حرب. يدرك صانع القرار الإيراني أن العالم لا يحترم سوى مَن يملك أوراقا ثقيلة، قابلة للاستخدام أو التلويح، وأن السيادة في هذا العصر تُقاس بمدى القدرة على الاقتراب من الخطوط الحمراء دون تجاوزها. من هنا، صار النووي ملفا مركزيا في مشروع الاستقلال الإستراتيجي الإيراني بوصفه ورقة ضغط طويلة الأجل. لكن المفارقة المؤلمة -كما يوضح نصر- أن هذا السلاح غير المكتمل تحوّل أيضا إلى ساحة استنزاف خطيرة: وسيلة لردع الخارج من جهة، وذريعة لحصار اقتصادي خانق من الداخل من جهة أخرى. وهكذا تعيش طهران في معادلة ملغومة بين تطوير المشروع وضمان عدم تجاوزه للخطوط الحمراء التي تبرر عملا عسكريا دوليا، وهو ما يشبه ما وصفه كيسنجر ذات مرة بـ"المسافة الإستراتيجية بين الطموح والانتحار". محور المقاومة: النظام الإقليمي الموازي في أحد أعمق محاور تحليله، يتناول فالي نصر ظاهرة "محور المقاومة"، لا بوصفه تحالفا ظرفيا أو تكتلا عقائديا، بل باعتباره مشروعا جيواستراتيجيا صاعدا، يطمح إلى إعادة تعريف القوة والنفوذ في الإقليم، من خارج قوالب الدولة القُطرية وموازينها التقليدية. فقد بدأ هذا المحور، كما يوضح نصر، ببناء أدوات ردع غير متماثلة (خلايا، وميليشيات، وشبكات غير نظامية)، ثم راكم بمرور الزمن مكونات أشبه ما تكون بنظام إقليمي موازٍ له روايته العقائدية، ورموزه الأيديولوجية، وقنواته الإعلامية، وأذرعه العسكرية الممتدة من بغداد إلى صعدة، ومن دمشق إلى غزة. ورغم أن طهران لا تمارس سيطرة كاملة على قرارات حلفائها في "المحور"، فإنها تتحكم في الاتجاه العام من خلال بنية معقدة من التنسيق العقائدي، والدعم اللوجستي، والتمويل المستمر، فيما يمكن وصفه بقيادة غير مرئية، لكنها فعّالة، أشبه بقبضة ناعمة تُمسك بعصب القرار من دون أن تُقيّده علنا. غير أن نصر يزعم أن ثمة هشاشات تكتنف هذا البناء. فمع صعود قادة ميدانيين يمتلكون طموحات تتجاوز الحسابات الإيرانية، ومع تزايد الضربات التي تستهدف المكونات المختلفة للمحور، بات المشروع مهددا إما بالتفتت الذاتي وإما بالتحوّل إلى عبء إستراتيجي على صانع القرار الإيراني، فالمشروع الذي بدأ ليكون درعا للنفوذ، قد يتحول -في لحظة ما- إلى عباءة مثقوبة تجرّ إيران إلى هُوّة معارك لا قرار لها فيها. الذاكرة الإستراتيجية: حين تصوغ الجغرافيا السياسة يغوص فالي نصر عميقا في الجذر النفسي والتاريخي لنظرية الأمن القومي الإيراني، ليكشف عن بنية ذهنية تشكّلت عبر قرون من الجراح المفتوحة. فإيران، كما يصوّرها، لا تصوغ سياساتها فقط من منطلق المصلحة المباشرة، بل من خلال سردية قومية مثقلة بتاريخ من التدخلات الخارجية والإهانات السيادية، بدءا من معاهدات الاستسلام أمام روسيا القيصرية، وصولا إلى الاحتلال البريطاني-السوفياتي في ا لحرب العالمية الثانية ، ثم الانقلاب الأميركي-البريطاني ضد حكومة محمد مصدق عام 1953. كل هذه الأحداث، كما يقول نصر، شكّلت ما يشبه "عقدة الاضطهاد" في وعي النخبة السياسية الإيرانية. ولذلك، فإن السياسة الخارجية لا تُبنى في طهران باعتبارها إستراتيجية مصالح فحسب، بل فعل مقاومة لعكس مسار الإهانة التاريخية. ومن ثم فإن أي انفتاح على الغرب يُنظر إليه بوصفه خطرا وجوديا، وأي تراجع يُفسَّر تنازلا عن الكرامة الوطنية. ومن هنا، لا تسعى "الممانعة" فقط لرفض الهيمنة، بل استعادة الكبرياء المهدورة عبر القرون. إنها محاولة لإحياء فكرة "العظمة الإيرانية"، ليس على هيئة إمبراطورية بالضرورة، بل هوية مقاومة متجذّرة، تمزج لغة السياسة بالمقدّس الأيديولوجي، وتعبر عن نفسها في مصطلحات "الدفاع عن المستضعفين"، و"مواجهة الظلم"، و"الصمود أمام المشروع الصهيوني". إلى أين تتجه الإستراتيجية الإيرانية؟ في ختام كتابه، يُطلق فالي نصر تحذيرا مزدوج النبرة؛ لقد بلغت الإستراتيجية الكبرى للجمهورية الإسلامية مداها الهيكلي، فرغم ما حققته طهران من مكاسب عسكرية وإعلامية عبر أدوات الحرب غير المتكافئة، فإن الكلفة صارت باهظة، ومرهقة لنسيج الدولة ذاتها. فالشعب الإيراني، المثقل بعقوبات اقتصادية لا هوادة فيها، يعاني من انسداد الأفق وغياب الأمل. طبقة الشباب، التي كان يمكن أن تكون وقودا للنهضة، صارت تتأرجح -بحسب وصفه- بين منفيين؛ منفًى خارجي نحو الهجرة، ومنفًى داخلي في هوامش المعارضة. وخارجيا، تتبدى أمام إيران اليوم بيئة جيوسياسية غير مواتية، وفي هذا المناخ، تبدو إستراتيجية طهران كما لو أنها تسبح عكس التيار. ومع ذلك، لا يتوقع نصر أن تتراجع إيران عن هذا النهج، فالمقاومة بوصفها إستراتيجية عظمى للدولة لم تعد مجرد خيار سياسي، بل باتت هوية مؤسِّسة للنظام، والعدول عنها يستلزم تفكيك البنية التي أقامتها الجمهورية الإسلامية طيلة أربعة عقود. يقول نصر إنه لا يسعى إلى إصدار الأحكام، بل إلى "فهم المنطق الداخلي" لإستراتيجية تبدو للكثيرين غامضة، بل مستفزة. فإيران -كما يصورها- ليست دولة مهووسة بالهيمنة أو أسيرة العقيدة، بل كيان مركّب، يشتبك مع تاريخه أكثر من اشتباكه مع خصومه. دولة تحمل جراح الإمبراطوريات الساقطة، وتسعى إلى استعادة الهيبة المهدورة، لكن عبر أدوات غير تقليدية، وفي عالم لا يعترف إلا بمنطق الردع والقوة. ولذلك، فإن مقاربة إيران يجب ألا تظل أسيرة القاموس الغربي المكرور: "راعية إرهاب"، "دولة ثيوقراطية"، "نظام مارق". بل تحتاج إلى فهمٍ أعمق: ما دوافعها؟ ما هواجسها الوجودية؟ ما الذي يجعلها ترى في محيطها تهديدا؟ وما الذي يجعلها تُعيد تعريف النفوذ بوصفه منظومة رمزية وعقائدية، لا مجرد مصالح مادية؟ لحظة الحقيقة: حين تصطدم الإستراتيجية بالحقائق الكبرى في لحظة مفصلية لا تشبه سواها، حدث ما لم يكن في الحسبان. ففي فجر الثالث عشر من يونيو/حزيران 2025، نفّذت إسرائيل ضربة عسكرية نوعية، استهدفت قلب القيادة العسكرية الإيرانية، وأسقطت كبار رجالاتها؛ حسين سلامي، ومحمد باقري، وعلي شادماني، وعددا من العلماء النوويين، في واحد من أكبر التحديات التي واجهت الجمهورية الإسلامية منذ نشأتها. كان الرد الإيراني سريعا، وصادما، وذا طابع غير مسبوق أيضا؛ مئات الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة انطلقت من العمق الإيراني مباشرة باتجاه إسرائيل كبّدتها خسائر بشرية ومادية هي الأثقل منذ حرب أكتوبر 1973. لكن هل تعني هذه اللحظة أن "الإستراتيجية العظمى" قد سقطت؟ أم أنها بصدد الانتقال إلى طور جديد، أشد صراحة وأقرب إلى المواجهة المباشرة؟ لم يكن الرد الإيراني مجرد ثأر عابر، بل إشارة إستراتيجية مفادها أن طهران باتت مستعدة لتجاوز الخطوط القديمة، لتقول إنها قادرة على الرد من أراضيها، لا من خلال حلفائها. لكن هذا الرد أيضا كُتب بلغة دقيقة، تُبقي على منطق "الضبط الانفعالي"، فلا تدخل في حرب شاملة، ولا تسكت على الهجوم. وكأنها تقول: "نرد، لكن لا ننتحر". لقد قام فالي نصر ببناء تحليله على فرضية أن إستراتيجية إيران تقوم على مزيج من البراغماتية والرمزية، ومن العمق الوطني والامتداد الإقليمي. لكن الواقع الجديد، بما فيه من انكشاف خطير في البنية القيادية والعسكرية، يضع هذا التحليل في مواجهة حادة مع معادلات جديدة. لقد بات صانع القرار الإيراني اليوم مضطرا للاختيار بين مسارين: إما تطوير نوعي يُعيد ضبط قواعد الاشتباك، وإما السير نحو جدار الإنهاك الداخلي والخارجي، حيث تُستنزف القوة الناعمة والخشنة معا، ويبدأ الجسم الضخم بالتفسّخ من داخله. وتحت هذا الضغط، يبرز سؤال وجودي: هل لا يزال مشروع "الممانعة" صالحا ليكون عقيدة ردع، بعدما أصبح هو نفسه في مرمى القصف؟ وهل تظل مرونة "محور المقاومة" قادرة على حفظ المشروع من الانهيار، أم أنها ستُستدرج إلى مواجهة لم تُبْنَ أصلا لخوضها؟


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
إسرائيل حاولت زعزعة إيران فساعدت في توحيدها
أصبح الهجوم العسكري الإسرائيلي المستمر على إيران أحد أبرز الضربات العابرة للحدود في تاريخ المنطقة الحديث. فالعملية، التي تجاوزت كونها استهدافًا لمنصات صواريخ أو منشآت نووية، شملت اغتيالات بارزة وهجمات إلكترونية معقدة. من أبرز تطوراتها اغتيال عدد من كبار القادة الإيرانيين، بينهم اللواء محمد باقري، وفي الحرس الثوري حسين سلامي، ورئيس القوة الجوفضائية أمير علي حاجي زاده. هذه الاغتيالات تشكل أقسى ضربة تتعرض لها القيادة العسكرية الإيرانية منذ الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988). ومع ذلك، فإن الهجوم يتجاوز كونه عملية عسكرية بحتة؛ فهو تجسيد لعقيدة سياسية بُنِيَت على مدى عقود. رغم التصريحات الإسرائيلية التي تصف العملية بأنها إجراء استباقي لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي، فإن المنطق الإستراتيجي العميق يبدو أكثر وضوحًا: زعزعة استقرار الجمهورية الإسلامية وصولًا إلى انهيارها. فلطالما اعتبر بعض الإستراتيجيين الإسرائيليين والأميركيين أن الحل الوحيد لاحتواء الطموحات النووية الإيرانية يكمن في تغيير النظام. وهذه الحملة تندرج في هذا التوجه القديم، لا فقط عبر الوسائل العسكرية، بل من خلال ضغوط نفسية وسياسية واجتماعية داخل إيران. تُظهر التطورات الأخيرة أن العملية ربما صُمِمَت لإشعال شرارة انتفاضة داخلية. فالخطة مألوفة: اغتيال القادة، حرب نفسية، حملات تضليل، واستهداف رمزي لمؤسسات الدولة. في طهران، أفادت التقارير بأن الهجمات الإلكترونية المدعومة إسرائيليًا والغارات الدقيقة أصابت مباني حكومية ووزارات، وعطلت مؤقتًا البث التلفزيوني الوطني؛ أحد أركان البنية الإعلامية للجمهورية الإسلامية. في المقابل، تعكس التصريحات السياسية الإسرائيلية هذا المسار. ففي لقاءات مغلقة وتصريحات صحفية محددة، أقر المسؤولون بأن المنشآت النووية الإيرانية المحصنة عميقًا- بعضها مدفون لأكثر من 500 متر تحت جبال زاغروس والبرز- لا يمكن تدميرها دون تدخل أميركي مباشر باستخدام قنابل GBU-57 الخارقة للتحصينات، التي لا تستطيع حملها سوى قاذفات B-2 أو B-52 الأميركية. وغياب هذه الإمكانات جعل القادة الإسرائيليين يقتنعون بأن وقف البرنامج النووي الإيراني لن يتحقق إلا بتغيير النظام. هذا السياق يمنح الأفعال العسكرية والسياسية الإسرائيلية بعدًا جديدًا. فبعد الهجمات، كثفت إسرائيل رسائلها الموجهة إلى الشعب الإيراني، ووصفت الحرس الثوري ليس كمدافع عن الوطن، بل كأداة قمع ضد الشعب. وكانت الرسالة: "هذه ليست حرب إيران، بل حرب النظام." وقد ردد شخصيات من المعارضة الإيرانية في الخارج- كرضا بهلوي نجل شاه إيران السابق، ولاعب كرة القدم السابق علي كريمي- هذا الخطاب، مؤيدين الهجمات، وداعين إلى إسقاط النظام. لكن يبدو أن الإستراتيجية حققت عكس ما كانت ترجوه. فعوضًا عن إشعال ثورة جماهيرية أو تفكيك الوحدة الوطنية، عززت الهجمات شعورًا عامًا بالتماسك الوطني عبر مختلف التيارات. حتى بعض المنتقدين التقليديين للنظام عبّروا عن غضبهم مما اعتبروه اعتداءً أجنبيًا على السيادة الوطنية. وتجددت في الوعي الجماعي ذكريات التدخلات الخارجية- من انقلاب 1953 بدعم الـCIA، إلى حرب العراق- مفجّرة ردة فعل دفاعية متأصلة. حتى بين نشطاء حركة "المرأة، الحياة، الحرية"- التي أشعلت احتجاجات وطنية إثر مقتل مهسا أميني عام 2022 أثناء احتجازها- برز تردد واضح في دعم أي تدخل عسكري أجنبي. ومع انتشار صور المباني المدمرة وجثث الجنود الإيرانيين، تراجعت مطالب التغيير السياسي لصالح خطاب الدفاع عن الوطن. وبرزت شخصيات عامة ومعارضون سابقون للجمهورية الإسلامية يدافعون عن إيران ويُدينون الهجمات الإسرائيلية. فقد صرح أسطورة كرة القدم علي دائي: "أفضل الموت على أن أكون خائنًا"، رافضًا أي تعاون مع الهجوم الأجنبي. أما القاضي السابق والمعتقل السياسي محسن برهاني فكتب: "أُقبّل أيادي جميع المدافعين عن الوطن"، في إشارة إلى الحرس الثوري وبقية القوات المسلحة. ما بدأ كضربة عسكرية محسوبة ضد أهداف محددة، قد ينتهي بتعزيز النظام لا بإضعافه؛ عبر حشد وحدة وطنية وتكميم الأصوات المعارضة. فمحاولة صنع ثورة من الخارج قد لا تفشل فقط، بل قد تنقلب ضد من خطط لها. وإذا كان الهدف النهائي لإسرائيل هو تحفيز انهيار النظام، فقد تكون قد قللت من شأن الصلابة التاريخية للنظام السياسي الإيراني، ومن قوة التماسك الذي يولده الألم الوطني. وبينما تسقط القنابل ويُقتل القادة، يبدو أن النسيج الاجتماعي الإيراني لا يتفكك، بل يعيد نسج نفسه من جديد.