logo
متى ستضرب إيران منشآت "إسرائيل" النووية؟

متى ستضرب إيران منشآت "إسرائيل" النووية؟

فلسطين اليوممنذ 13 ساعات

الكاتب: أحمد عبد الرحمن
حتى كتابة سطور هذا المقال، يبدو أن القيادة السياسية والعسكرية في إيران لم تتخذ قراراً بتوجيه ضربة صاروخية مباشرة ضد المنشآت النووية الصهيونية، وهي على الرغم من تعرّض بعض منشآتها لهجمات "إسرائيلية " متعدّدة، كما حدث في نطنز وفوردو وأراك وغيرها، إلّا أنها ما زالت حتى الآن تحتفظ بهدوئها المعتاد، وتُبقي هذا الخيار مطروحاً ولكن في الوقت المناسب.
يُعرف عن المخطّطين الاستراتيجيين في إيران برود أعصابهم، وعدم تأثّرهم بالكثير من الأحداث التي يراها غيرهم بأنها تستدعي رداً مختلفاً أو خارجاً عن المألوف، وهم في هذا شأنهم شأن معظم الإيرانيين، إن لم يكن جميعهم، والذين يمتازون بالكثير من الهدوء، ويتحاشون الانفعالات الزائدة عن الحد، وينظرون إلى الأحداث والتطوّرات من زاويتها الاستراتيجية طويلة الأمد.
قد يقول البعض بأن إيران قد ضربت فعلا أحد المواقع الإسرائيلية المعنية بالسلاح النووي، والمقصود هنا بطبيعة الحال هو معهد وايزمان للعلوم الواقع في "رحوفوت" قرب مدينة الرملة المحتلة، ما تسبّب في دمار كبير في مختبراته الرئيسية، وصفها أحد العاملين فيه بأنها غير مسبوقة، إلا أن هذا المعهد لا يُعتبر منشأة مباشرة لإنتاج السلاح النووي أو مشتقّاته، بل هو معهد بحثي بالدرجة الأولى، يتألف من عدة أقسام، منها قسم الأبحاث النووية والإلكترونات والرياضيات التطبيقية، وقسم الأشعة ما دون الحمراء والكيمياء التصويرية وأبحاث النظائر المشعة والكيمياء العضوية والتجارب البيولوجية، وهو وإن كان يطرح خططاً ويقدّم مقترحات في هذا الجانب، إلا أنه لا يحوي أي قسم عملي لإنتاج أسلحة نووية، ولا تُقام فيه تجارب في هذا المجال، ويبدو أن الهدف من ضربه كان عبارة عن رسالة إيرانية لـ"إسرائيل" حول القدرة على استهداف منشآتها النووية الرئيسية، في الوقت الذي تحتاج فيه إلى ذلك.
وهنا يأتي السؤال الذي يشغل بال الجميع في "إسرائيل" وربما حول العالم أيضاً، والمتعلّق بالوقت الذي تذهب فيه إيران باتجاه خيار الهجوم على المنشآت النووية في "الدولة" العبرية، وهل هي قادرة فعلاً على القيام بذلك، وما هي التداعيات التي يمكن أن تنشأ عن هذا الهجوم الذي بات يشكّل كابوساً مفزعاً للإسرائيليين.
لكن قبل الإجابة عن هذا السؤال، دعونا نعرّج على طبيعة المنشآت النووية الإسرائيلية، والتي وعلى الرغم من مضي سنوات طويلة على إنشائها، واستخدامها من قِبل الحكومات العبرية المتعاقبة كفزّاعة ضد أعدائها في المنطقة والعالم، فإن جميع الدول القريبة والبعيدة تلتزم الصمت إزاءها، ولم نسمع سوى دعوات محتشمة من بعض الأطراف للكشف عن مضمونها، وعما يمكن أن تشكّله من خطر على صعيد المنطقة على وجه الخصوص.
المنشآت النووية الإسرائيلية:
على الرغم من مرور عشرات السنين على إقامة "إسرائيل" لأول منشأة نووية على الأراضي الفلسطينية المحتلة ،إلا أنها لم تُعلن بشكل رسمي عن امتلاكها برنامجاً نووياً سواء كان عسكرياً أم سلمياً، إضافة إلى رفضها التوقيع على اتفاقية الحد من انتشار الأسلحة النووية، وقد جاءت المعلومات الأبرز عن قدرات "إسرائيل" النووية على لسان "مردخاي فعنونو"، المهندس الإسرائيلي الذي كان يعمل في مركز النقب للأبحاث النووية، حيث كشف لصحيفة الصانداي تايمز البريطانية في تشرين الأول/ أكتوبر 1986 عن بعض الملفات المصنّفة بأنها بالغة السرية تتعلّق بتلك الأنشطة، وبحسب الكثير من المعلومات فإن "إسرائيل" تملك عدة منشآت نووية نشير فيما يلي إلى أهمها:
1 - مفاعل ديمونا:
تم تشييد هذا المفاعل في حقبة الستينات من القرن الماضي في صحراء النقب بمساعدة فرنسية، ويُطلق عليه في "إسرائيل" لقب " قدس الأقداس" أو "الهيكل"، ويُعتبر المصدر الرئيسي لإنتاج البلوتونيوم المستخدم في تصنيع القنبلة النووية الإسرائيلية.
وبحسب المعلومات التي قدمها موردخاي فعنونو، ينتج المفاعل سنوياً 40 كغم من البلوتونيوم للأغراض العسكرية، وهو ما يشير، بحسب الخبراء العسكريين، إلى أن المفاعل يعمل بطاقة تصل إلى 150 ميغاواط على الأقل.
ويتكوّن المفاعل من تسعة مبان، ويعمل فيه حوالى ثلاثة آلاف فني ومهندس، ويحظى بحماية أمنية من الدرجة الأولى.
بحسب المعلومات، يحوي المبنى الأول مقر المفاعل الرئيسي المعروف بقبّته الفضية، أما الثاني الذي يقع بمعظمه تحت الأرض، فيضم منشأة فصل البلوتونيوم، وقسم تصنيع البلوتونيوم، وقسم تصنيع مكونات القنبلة المؤلفة من ديتورايد الليثيوم والبيرليوم.
المبنى الثالث في ديمونا يضم المنشأة التي يجري فيها إنتاج مادة الليثيوم، ومعالجة اليورانيوم الطبيعي، وتصنيع قضبان المفاعل، ويختص المبنى الرابع بمعالجة النفايات المشعة القادمة من قسم استخراج البلوتونيوم، وعادة ما يتم فيها تحويل النفايات إلى مواد قابلة للاستخدام، إضافة إلى فصل اليورانيوم لإعادة استخدامه مجدداً.
بدوره يُعنى المبنى الخامس بتغليف قضبان اليورانيوم بمادة الألومينيوم، فيما السادس يوفّر الطاقة والخدمات الأخرى للمفاعل.
أما المبنى السابع فيضم مختبراً لإجراء التجارب الخاصة بعملية التطوير، ويتألف من 480 وحدة تدير أجهزة الطرد المركزي الخاصة بتخصيب اليورانيوم، فيما يُعتبر المبنى الثامن منشأة لتخصيب النظائر المشعة بالليزر وتخصيب اليورانيوم، والمبنى التاسع والأخير ينتج معدن اليورانيوم المنضّب المستخدم في صناعة بعض الذخائر.
2 - مركز "ناهال سوريك" للأبحاث النووية:
جرى افتتاح مركز "ناهال سوريك" للأبحاث النووية في العام 1955 جنوب مدينة تل أبيب، حيث تم الانتهاء من بناء مفاعل الأبحاث الخاص به وهو بقدرة 5 ميغاوات في العام 1960، لكن خلافاً لمفاعل ديمونا، يخضع هذا المفاعل لنظام الحماية المنصوص عليه من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ويُعتبر من أهم مراكز البحوث العسكرية الخاصة بالسلاح النووي، كما يضم قسماً خاصاً بالأبحاث الفضائية.
3-مركز الأبحاث البيولوجية:
ويتبع هذا المركز لمكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي مباشرة، ويعمل بشكل وثيق مع العديد من الهيئات الحكومية وأولها القوات المسلحة ووزارة الطاقة، ويقع في منطقة "نتسيونا" على بعد عشرين كيلومتراً جنوب تل أبيب، ويضم حوالى 150 عالماً وباحثاً في مجال البيولوجيا والكيمياء الحيوية والكيمياء العضوية والفيزيائية وعلوم البيئة، ويُعتبر المكان الرئيسي للقيام بأبحاث حول الأسلحة الجرثومية والكيميائية.
4- مركز رافائيل:
يُعرف رسمياً باسم هيئة تطوير التسلّح الإسرائيلية، ويعتبر واحداً من أكبر المراكز العالمية لتصنيع وتطوير أنظمة التسلح البحرية والجوية والبرية، يقع المركز في مدينة حيفا، ومن أهم منشآته القسم الرقم 20 الذي يُستخدم كمختبر لتصميم الأسلحة النووية، والقسم الرقم 48 وهو عبارة عن مختبر لتطوير الصواريخ.
5-منشأة تيروش:
وهي عبارة عن مخزن للأسلحة النووية الاستراتيجية، ويتوزع هذا المخزن على شبكة من الطرق والمسارات التي توصل إلى أكثر من سبعين ملجأ، منها خمسة رئيسية يقول بعض المختصين أن الأسلحة النووية الاستراتيجية مخزّنة فيها، وتضم الملاجئ الباقية متفجرات وذخائر، ويقع هذا المركز بالقرب من قاعدة تل نوف الجوية، ومقر قيادة الوحدات الصاروخية جنوب مدينة تل أبيب.
6- منشأة يوديفات:
وهي تُعتبر منشأة خاصة لتجميع وتفكيك الأسلحة النووية، حيث أُنشئ هذا الموقع الحسّاس تحت الأرض شرق مدينة حيفا، ويعتبره بعض المراقبين والخبراء الموقع المخصص لاستقبال البلوتونيوم من مفاعل ديمونا.
7- مستودع عيلبون:
يُعتبر مستودعاً للأسلحة النووية التقليدية، يقع بالقرب من قرية عيلبون في الجليل الأسفل، وتخزن فيه قذائف المدفعية النووية والألغام النووية.
8/ معهد إسرائيل التقني (التخنيون):
يقع في مدينة حيفا، تأسس عام 1924، حيث تحوّل لاحقاً إلى جامعة وإن بقي معروفاً باسمه الأصلي، وأهم أقسامه مؤسسة الأبحاث والتطوير، وفيه قسم للهندسة النووية ومعامل ميكانيكية وكيمياوية. ويخرّج المعهد علماء ومهندسين متخصصين في الذرة.
بعد هذا الاستعراض السريع لأهم المنشآت النووية الإسرائيلية، دعونا نعُد إلى سؤالنا الأساس، والمتعلّق بالوقت الذي ستذهب فيه إيران إلى استهداف هذه المنشآت أو بعضها، والتي من دون أدنى شك تملك معلومات كافية ووافية عنها، وهل بالفعل تملك إمكانات عسكرية لتفعل ذلك، وما هي التداعيات الناتجة عن هذا الاستهداف في حال حصوله؟
في حقيقة الأمر، يبدو الذهاب نحو قرار حاسم كهذا في غاية الصعوبة والتعقيد، نظراً لحساسية الموضوع، والنتائج التي يمكن أن تترتّب عليه، لذلك نحن نعتقد أن هناك حدثين مفصليّين قد يدفعان الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى اتخاذ مثل هذا القرار، وربما في حال حدوث أحدهما أو كلاهما معاً فلن تجد إيران بدّاً من اللجوء إلى هذا القرار الصعب والبالغ الخطورة.
أول هذين الحدثين هو تمكّن "إسرائيل" من إحداث ضرر بالغ في المنشآت النووية الإيرانية، ولا سيّما في موقع فوردو الحصين، والذي وإن استطاعت المقاتلات الحربية الصهيونية استهدافه أكثر من مرة منذ بدء العدوان على إيران، إلا أن كل المؤشرات تدل على أنه لم يتعرّض لأي أذى يُذكر، حيث إن وجوده تحت الأرض بعشرات الأمتار، كما يقول الكثير من المصادر، يجعله عصيّاً على الاستهداف والتدمير.
إلا أنه في حال تمكّن العدو من إصابته بشكل مباشر في ظل الدعم العسكري الأميركي المفتوح، والذي يمكن أن يصل إلى درجة تزويد الكيان الصهيوني بقنابل خارقة للتحصينات، فإن ذلك سيدفع من دون أدنى شك القيادة الإيرانية إلى الرد بالطريقة نفسها، وإلى توجيه ضربة حاسمة للمنشآت النووية الإسرائيلية.
ثاني الحدثين المشار إليهما أعلاه هو شعور القيادة الإيرانية بأنها في طريقها لخسارة المعركة، خصوصاً إذا ما توسّعت المشاركة الأميركية فيها من الدعم العسكري والاستخباري واللوجستي، إلى المشاركة المباشرة بالقصف الجوي والصاروخي.
هذه المشاركة المحتملة، والتي يمكن أن تزيد من حدّة الضغط على القيادة في إيران، نظراً لحجم الإمكانات الأميركية الهائلة، يمكن أن تدفعها إلى الذهاب نحو إشعال كل المنطقة، بداية من إغلاق مضيق هرمز، ومروراً باستهداف القواعد الأميركية المنتشرة في المنطقة، ووصولاً إلى استهداف المنشآت النووية في "الدولة" العبرية.
فيما يخص قدرة إيران على القيام بذلك، تشير مجريات المعركة الحالية إلى أنها تمتلك الإمكانات والقدرات اللازمة لتنفيذ مثل هذا الاستهداف، خصوصاً إذا ما عرفنا أنها ما زالت تحتفظ بصواريخها الأكثر دقّة، والأوسع تدميراً لمثل هذه اللحظات الفارقة، وقد ظهر جزء من تلك القدرات في عمليات الاستهداف الأخيرة التي أصابت مراكز استراتيجية للكيان الصهيوني، كان من بينها مبنى البورصة في تل أبيب، وقاعدة الاستخبارات في بئر السبع، إضافة إلى معهد وايزمان للعلوم والتكنولوجيا المشار إليه أعلاه.
على مستوى التداعيات المباشرة لأي ضربة من هذا القبيل، فإن أي استهداف لمنشأة نووية داخل "إسرائيل" يمكن أن يؤدي إلى ضرر لا يمكن جبره أو السيطرة عليه، وهناك خشية إسرائيلية حقيقية في هذا الخصوص، حيث أشار تقرير صدر سابقاً عن وكالة الطاقة الذرية الأميركية، أنه في حال تعرّض مفاعل ديمونا، على سبيل المثال، لهجوم صاروخي، ونجح هذا الهجوم في اختراق الدفاعات الجوية والقبة الحديدية التي تحمي الموقع، فسوف يُنثَر الماء الثقيل داخل المفاعل، ويحدث انفجارات وحرائق تشتمل على مكونات وقود نووي، وتنبعث منها مواد إشعاعية، قبل أن تتحول المواد إلى سحابة تطير مع الريح بعيداً عن ديمونا.
وأضاف التقرير أن أي حادث أو تسريب أو تفجير بمفاعل ديمونا، من شأنه أن يُحدث ضرراً هائلاً في مساحة جغرافية تبدأ من النقب جنوباً وصولا إلى تل أبيب وسط البلاد، وهي منطقة يقطنها نحو 5 ملايين إسرائيلي.
هذا الأمر في حال كان المُستهدف مفاعل ديمونا، فما هي الحال لو جرى استهداف المنشآت الأخرى الموجودة داخل تل أبيب نفسها، وكم سينتج عن ذلك من خسائر لا تُعد ولا تُحصى.
على كل حال، تبدو الأيام المقبلة حُبلى بالكثير من المفاجآت، ما لم تحدث تطورات دراماتيكية تُعيد الهدوء إلى المنطقة، وهو أمر مستبعد حتى الآن، وقد نشهد أحداثاً كنّا نعتقد في يوم من الأيام أنها مجرّد أوهام أو أضغاث أحلام، إلا أنه في هذا الزمان الذي تحاول فيه قوى الشر بسط سيطرتها على كل العالم بقوة الحديد والنار، فإن كل شيء بات مُتوقعاً، وهو ما يجعل الأيام والأسابيع المقبلة مفتوحة على كل الاحتمالات.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

متى ستضرب إيران منشآت "إسرائيل" النووية؟
متى ستضرب إيران منشآت "إسرائيل" النووية؟

فلسطين اليوم

timeمنذ 13 ساعات

  • فلسطين اليوم

متى ستضرب إيران منشآت "إسرائيل" النووية؟

الكاتب: أحمد عبد الرحمن حتى كتابة سطور هذا المقال، يبدو أن القيادة السياسية والعسكرية في إيران لم تتخذ قراراً بتوجيه ضربة صاروخية مباشرة ضد المنشآت النووية الصهيونية، وهي على الرغم من تعرّض بعض منشآتها لهجمات "إسرائيلية " متعدّدة، كما حدث في نطنز وفوردو وأراك وغيرها، إلّا أنها ما زالت حتى الآن تحتفظ بهدوئها المعتاد، وتُبقي هذا الخيار مطروحاً ولكن في الوقت المناسب. يُعرف عن المخطّطين الاستراتيجيين في إيران برود أعصابهم، وعدم تأثّرهم بالكثير من الأحداث التي يراها غيرهم بأنها تستدعي رداً مختلفاً أو خارجاً عن المألوف، وهم في هذا شأنهم شأن معظم الإيرانيين، إن لم يكن جميعهم، والذين يمتازون بالكثير من الهدوء، ويتحاشون الانفعالات الزائدة عن الحد، وينظرون إلى الأحداث والتطوّرات من زاويتها الاستراتيجية طويلة الأمد. قد يقول البعض بأن إيران قد ضربت فعلا أحد المواقع الإسرائيلية المعنية بالسلاح النووي، والمقصود هنا بطبيعة الحال هو معهد وايزمان للعلوم الواقع في "رحوفوت" قرب مدينة الرملة المحتلة، ما تسبّب في دمار كبير في مختبراته الرئيسية، وصفها أحد العاملين فيه بأنها غير مسبوقة، إلا أن هذا المعهد لا يُعتبر منشأة مباشرة لإنتاج السلاح النووي أو مشتقّاته، بل هو معهد بحثي بالدرجة الأولى، يتألف من عدة أقسام، منها قسم الأبحاث النووية والإلكترونات والرياضيات التطبيقية، وقسم الأشعة ما دون الحمراء والكيمياء التصويرية وأبحاث النظائر المشعة والكيمياء العضوية والتجارب البيولوجية، وهو وإن كان يطرح خططاً ويقدّم مقترحات في هذا الجانب، إلا أنه لا يحوي أي قسم عملي لإنتاج أسلحة نووية، ولا تُقام فيه تجارب في هذا المجال، ويبدو أن الهدف من ضربه كان عبارة عن رسالة إيرانية لـ"إسرائيل" حول القدرة على استهداف منشآتها النووية الرئيسية، في الوقت الذي تحتاج فيه إلى ذلك. وهنا يأتي السؤال الذي يشغل بال الجميع في "إسرائيل" وربما حول العالم أيضاً، والمتعلّق بالوقت الذي تذهب فيه إيران باتجاه خيار الهجوم على المنشآت النووية في "الدولة" العبرية، وهل هي قادرة فعلاً على القيام بذلك، وما هي التداعيات التي يمكن أن تنشأ عن هذا الهجوم الذي بات يشكّل كابوساً مفزعاً للإسرائيليين. لكن قبل الإجابة عن هذا السؤال، دعونا نعرّج على طبيعة المنشآت النووية الإسرائيلية، والتي وعلى الرغم من مضي سنوات طويلة على إنشائها، واستخدامها من قِبل الحكومات العبرية المتعاقبة كفزّاعة ضد أعدائها في المنطقة والعالم، فإن جميع الدول القريبة والبعيدة تلتزم الصمت إزاءها، ولم نسمع سوى دعوات محتشمة من بعض الأطراف للكشف عن مضمونها، وعما يمكن أن تشكّله من خطر على صعيد المنطقة على وجه الخصوص. المنشآت النووية الإسرائيلية: على الرغم من مرور عشرات السنين على إقامة "إسرائيل" لأول منشأة نووية على الأراضي الفلسطينية المحتلة ،إلا أنها لم تُعلن بشكل رسمي عن امتلاكها برنامجاً نووياً سواء كان عسكرياً أم سلمياً، إضافة إلى رفضها التوقيع على اتفاقية الحد من انتشار الأسلحة النووية، وقد جاءت المعلومات الأبرز عن قدرات "إسرائيل" النووية على لسان "مردخاي فعنونو"، المهندس الإسرائيلي الذي كان يعمل في مركز النقب للأبحاث النووية، حيث كشف لصحيفة الصانداي تايمز البريطانية في تشرين الأول/ أكتوبر 1986 عن بعض الملفات المصنّفة بأنها بالغة السرية تتعلّق بتلك الأنشطة، وبحسب الكثير من المعلومات فإن "إسرائيل" تملك عدة منشآت نووية نشير فيما يلي إلى أهمها: 1 - مفاعل ديمونا: تم تشييد هذا المفاعل في حقبة الستينات من القرن الماضي في صحراء النقب بمساعدة فرنسية، ويُطلق عليه في "إسرائيل" لقب " قدس الأقداس" أو "الهيكل"، ويُعتبر المصدر الرئيسي لإنتاج البلوتونيوم المستخدم في تصنيع القنبلة النووية الإسرائيلية. وبحسب المعلومات التي قدمها موردخاي فعنونو، ينتج المفاعل سنوياً 40 كغم من البلوتونيوم للأغراض العسكرية، وهو ما يشير، بحسب الخبراء العسكريين، إلى أن المفاعل يعمل بطاقة تصل إلى 150 ميغاواط على الأقل. ويتكوّن المفاعل من تسعة مبان، ويعمل فيه حوالى ثلاثة آلاف فني ومهندس، ويحظى بحماية أمنية من الدرجة الأولى. بحسب المعلومات، يحوي المبنى الأول مقر المفاعل الرئيسي المعروف بقبّته الفضية، أما الثاني الذي يقع بمعظمه تحت الأرض، فيضم منشأة فصل البلوتونيوم، وقسم تصنيع البلوتونيوم، وقسم تصنيع مكونات القنبلة المؤلفة من ديتورايد الليثيوم والبيرليوم. المبنى الثالث في ديمونا يضم المنشأة التي يجري فيها إنتاج مادة الليثيوم، ومعالجة اليورانيوم الطبيعي، وتصنيع قضبان المفاعل، ويختص المبنى الرابع بمعالجة النفايات المشعة القادمة من قسم استخراج البلوتونيوم، وعادة ما يتم فيها تحويل النفايات إلى مواد قابلة للاستخدام، إضافة إلى فصل اليورانيوم لإعادة استخدامه مجدداً. بدوره يُعنى المبنى الخامس بتغليف قضبان اليورانيوم بمادة الألومينيوم، فيما السادس يوفّر الطاقة والخدمات الأخرى للمفاعل. أما المبنى السابع فيضم مختبراً لإجراء التجارب الخاصة بعملية التطوير، ويتألف من 480 وحدة تدير أجهزة الطرد المركزي الخاصة بتخصيب اليورانيوم، فيما يُعتبر المبنى الثامن منشأة لتخصيب النظائر المشعة بالليزر وتخصيب اليورانيوم، والمبنى التاسع والأخير ينتج معدن اليورانيوم المنضّب المستخدم في صناعة بعض الذخائر. 2 - مركز "ناهال سوريك" للأبحاث النووية: جرى افتتاح مركز "ناهال سوريك" للأبحاث النووية في العام 1955 جنوب مدينة تل أبيب، حيث تم الانتهاء من بناء مفاعل الأبحاث الخاص به وهو بقدرة 5 ميغاوات في العام 1960، لكن خلافاً لمفاعل ديمونا، يخضع هذا المفاعل لنظام الحماية المنصوص عليه من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ويُعتبر من أهم مراكز البحوث العسكرية الخاصة بالسلاح النووي، كما يضم قسماً خاصاً بالأبحاث الفضائية. 3-مركز الأبحاث البيولوجية: ويتبع هذا المركز لمكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي مباشرة، ويعمل بشكل وثيق مع العديد من الهيئات الحكومية وأولها القوات المسلحة ووزارة الطاقة، ويقع في منطقة "نتسيونا" على بعد عشرين كيلومتراً جنوب تل أبيب، ويضم حوالى 150 عالماً وباحثاً في مجال البيولوجيا والكيمياء الحيوية والكيمياء العضوية والفيزيائية وعلوم البيئة، ويُعتبر المكان الرئيسي للقيام بأبحاث حول الأسلحة الجرثومية والكيميائية. 4- مركز رافائيل: يُعرف رسمياً باسم هيئة تطوير التسلّح الإسرائيلية، ويعتبر واحداً من أكبر المراكز العالمية لتصنيع وتطوير أنظمة التسلح البحرية والجوية والبرية، يقع المركز في مدينة حيفا، ومن أهم منشآته القسم الرقم 20 الذي يُستخدم كمختبر لتصميم الأسلحة النووية، والقسم الرقم 48 وهو عبارة عن مختبر لتطوير الصواريخ. 5-منشأة تيروش: وهي عبارة عن مخزن للأسلحة النووية الاستراتيجية، ويتوزع هذا المخزن على شبكة من الطرق والمسارات التي توصل إلى أكثر من سبعين ملجأ، منها خمسة رئيسية يقول بعض المختصين أن الأسلحة النووية الاستراتيجية مخزّنة فيها، وتضم الملاجئ الباقية متفجرات وذخائر، ويقع هذا المركز بالقرب من قاعدة تل نوف الجوية، ومقر قيادة الوحدات الصاروخية جنوب مدينة تل أبيب. 6- منشأة يوديفات: وهي تُعتبر منشأة خاصة لتجميع وتفكيك الأسلحة النووية، حيث أُنشئ هذا الموقع الحسّاس تحت الأرض شرق مدينة حيفا، ويعتبره بعض المراقبين والخبراء الموقع المخصص لاستقبال البلوتونيوم من مفاعل ديمونا. 7- مستودع عيلبون: يُعتبر مستودعاً للأسلحة النووية التقليدية، يقع بالقرب من قرية عيلبون في الجليل الأسفل، وتخزن فيه قذائف المدفعية النووية والألغام النووية. 8/ معهد إسرائيل التقني (التخنيون): يقع في مدينة حيفا، تأسس عام 1924، حيث تحوّل لاحقاً إلى جامعة وإن بقي معروفاً باسمه الأصلي، وأهم أقسامه مؤسسة الأبحاث والتطوير، وفيه قسم للهندسة النووية ومعامل ميكانيكية وكيمياوية. ويخرّج المعهد علماء ومهندسين متخصصين في الذرة. بعد هذا الاستعراض السريع لأهم المنشآت النووية الإسرائيلية، دعونا نعُد إلى سؤالنا الأساس، والمتعلّق بالوقت الذي ستذهب فيه إيران إلى استهداف هذه المنشآت أو بعضها، والتي من دون أدنى شك تملك معلومات كافية ووافية عنها، وهل بالفعل تملك إمكانات عسكرية لتفعل ذلك، وما هي التداعيات الناتجة عن هذا الاستهداف في حال حصوله؟ في حقيقة الأمر، يبدو الذهاب نحو قرار حاسم كهذا في غاية الصعوبة والتعقيد، نظراً لحساسية الموضوع، والنتائج التي يمكن أن تترتّب عليه، لذلك نحن نعتقد أن هناك حدثين مفصليّين قد يدفعان الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى اتخاذ مثل هذا القرار، وربما في حال حدوث أحدهما أو كلاهما معاً فلن تجد إيران بدّاً من اللجوء إلى هذا القرار الصعب والبالغ الخطورة. أول هذين الحدثين هو تمكّن "إسرائيل" من إحداث ضرر بالغ في المنشآت النووية الإيرانية، ولا سيّما في موقع فوردو الحصين، والذي وإن استطاعت المقاتلات الحربية الصهيونية استهدافه أكثر من مرة منذ بدء العدوان على إيران، إلا أن كل المؤشرات تدل على أنه لم يتعرّض لأي أذى يُذكر، حيث إن وجوده تحت الأرض بعشرات الأمتار، كما يقول الكثير من المصادر، يجعله عصيّاً على الاستهداف والتدمير. إلا أنه في حال تمكّن العدو من إصابته بشكل مباشر في ظل الدعم العسكري الأميركي المفتوح، والذي يمكن أن يصل إلى درجة تزويد الكيان الصهيوني بقنابل خارقة للتحصينات، فإن ذلك سيدفع من دون أدنى شك القيادة الإيرانية إلى الرد بالطريقة نفسها، وإلى توجيه ضربة حاسمة للمنشآت النووية الإسرائيلية. ثاني الحدثين المشار إليهما أعلاه هو شعور القيادة الإيرانية بأنها في طريقها لخسارة المعركة، خصوصاً إذا ما توسّعت المشاركة الأميركية فيها من الدعم العسكري والاستخباري واللوجستي، إلى المشاركة المباشرة بالقصف الجوي والصاروخي. هذه المشاركة المحتملة، والتي يمكن أن تزيد من حدّة الضغط على القيادة في إيران، نظراً لحجم الإمكانات الأميركية الهائلة، يمكن أن تدفعها إلى الذهاب نحو إشعال كل المنطقة، بداية من إغلاق مضيق هرمز، ومروراً باستهداف القواعد الأميركية المنتشرة في المنطقة، ووصولاً إلى استهداف المنشآت النووية في "الدولة" العبرية. فيما يخص قدرة إيران على القيام بذلك، تشير مجريات المعركة الحالية إلى أنها تمتلك الإمكانات والقدرات اللازمة لتنفيذ مثل هذا الاستهداف، خصوصاً إذا ما عرفنا أنها ما زالت تحتفظ بصواريخها الأكثر دقّة، والأوسع تدميراً لمثل هذه اللحظات الفارقة، وقد ظهر جزء من تلك القدرات في عمليات الاستهداف الأخيرة التي أصابت مراكز استراتيجية للكيان الصهيوني، كان من بينها مبنى البورصة في تل أبيب، وقاعدة الاستخبارات في بئر السبع، إضافة إلى معهد وايزمان للعلوم والتكنولوجيا المشار إليه أعلاه. على مستوى التداعيات المباشرة لأي ضربة من هذا القبيل، فإن أي استهداف لمنشأة نووية داخل "إسرائيل" يمكن أن يؤدي إلى ضرر لا يمكن جبره أو السيطرة عليه، وهناك خشية إسرائيلية حقيقية في هذا الخصوص، حيث أشار تقرير صدر سابقاً عن وكالة الطاقة الذرية الأميركية، أنه في حال تعرّض مفاعل ديمونا، على سبيل المثال، لهجوم صاروخي، ونجح هذا الهجوم في اختراق الدفاعات الجوية والقبة الحديدية التي تحمي الموقع، فسوف يُنثَر الماء الثقيل داخل المفاعل، ويحدث انفجارات وحرائق تشتمل على مكونات وقود نووي، وتنبعث منها مواد إشعاعية، قبل أن تتحول المواد إلى سحابة تطير مع الريح بعيداً عن ديمونا. وأضاف التقرير أن أي حادث أو تسريب أو تفجير بمفاعل ديمونا، من شأنه أن يُحدث ضرراً هائلاً في مساحة جغرافية تبدأ من النقب جنوباً وصولا إلى تل أبيب وسط البلاد، وهي منطقة يقطنها نحو 5 ملايين إسرائيلي. هذا الأمر في حال كان المُستهدف مفاعل ديمونا، فما هي الحال لو جرى استهداف المنشآت الأخرى الموجودة داخل تل أبيب نفسها، وكم سينتج عن ذلك من خسائر لا تُعد ولا تُحصى. على كل حال، تبدو الأيام المقبلة حُبلى بالكثير من المفاجآت، ما لم تحدث تطورات دراماتيكية تُعيد الهدوء إلى المنطقة، وهو أمر مستبعد حتى الآن، وقد نشهد أحداثاً كنّا نعتقد في يوم من الأيام أنها مجرّد أوهام أو أضغاث أحلام، إلا أنه في هذا الزمان الذي تحاول فيه قوى الشر بسط سيطرتها على كل العالم بقوة الحديد والنار، فإن كل شيء بات مُتوقعاً، وهو ما يجعل الأيام والأسابيع المقبلة مفتوحة على كل الاحتمالات.

أي مصير ينتظر "عربات" نتنياهو في قطاع غزة؟
أي مصير ينتظر "عربات" نتنياهو في قطاع غزة؟

فلسطين اليوم

time٢٤-٠٥-٢٠٢٥

  • فلسطين اليوم

أي مصير ينتظر "عربات" نتنياهو في قطاع غزة؟

فلسطين اليوم الكاتب: أحمد عبد الرحمن على الرغم من الهالة الكبيرة التي حاولت وسائل الإعلام الإسرائيلية إضفاءها على قرار توسيع العمليات العسكرية في قطاع غزة، وبعيداً من إطلاق "جيش" الاحتلال مسمّاه الجديد القادم من عمق التاريخ الصهيوني المعبّأ بالأكاذيب والأراجيف، فإن المعطيات على الأرض، ونتيجة الكثير من المتغيّرات تجعل من إمكانية تحقيق عملية "عربات جدعون"، أو "عربات نتنياهو" أهدافها المُعلنة أمراً بالغ الصعوبة والتعقيد، بل ربما تصل إلى حد الاستحالة، على حدّ وصف الكثير من الخبراء العسكريين الصهاينة، والذين يرون في قرار توسيع العمليات مجرد عودة إلى الدوران في الحلقة المفرغة، التي يسعى من خلالها نتنياهو للتهرّب من استحقاقات اليوم التالي للحرب. قبل تسعة عشر شهراً تقريباً، أي عندما دشّنت "الدولة" العبرية حربها الإجرامية ضد قطاع غزة، كانت الأجواء المحيطة بتلك العملية تختلف شكلاً وموضوعاً عن مثيلاتها القائمة حالياً، سواء على المستوى الإسرائيلي الداخلي، أو في ما يتعلّق بالمزاج الدولي العام، والذي يشهد في هذه الأيام تغيّراً لافتاً لم يحدث طوال الأشهر الماضية، بالإضافة إلى الصعوبات التي بات يعاني منها "جيش" الاحتلال، والذي لم يعتد القتال خلال تاريخه القديم أو الحديث لفترات زمنية طويلة، إلى جانب ما يتركه هذا القتال من تداعيات سلبية على عديد المجالات داخل الكيان الصهيوني، وفي المقدمة منها تأثيره على الاقتصاد، وعلى الترابط الاجتماعي، إلى جانب ارتفاع منسوب الصراعات السياسية بين الأحزاب المختلفة. على عكس عملية "السيوف الحديدية" التي انطلقت بعد هجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر من عام 2023، فإن عربات نتنياهو "جدعون" تواجه مروحة واسعة من العقبات والعراقيل، تبدأ من المشكلات المتعلّقة باستدعاء جنود الاحتياط للالتحاق بوحداتهم القتالية، ولا تنتهي ببروز موقف دولي وعالمي رافض لاستمرار الحرب، ومُستنكر لما ينتج عنها من خسائر بشرية ومادية غير مسبوقة. على صعيد تجهيز الوحدات القتالية اللازمة لإجراء مناورة برية واسعة، كما يروّج نتنياهو وكاتس وغيرهما من أقطاب اليمين المتطرّف، لا تبدو الأوضاع على الأرض على خير ما يُرام، إذ إن العدد المطلوب من الجنود لتحرّك كهذا لم يتم الحصول عليه حتى الآن على أقل تقدير، على الرغم من أن العملية العسكرية الجديدة دخلت في مرحلتها الثانية، كما قالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" قبل أيام، وهو ما يتطلّب وجود تلك القوات في مسرح العمليات أو قريباً منه، إلا أن هذا الأمر لم يحدث، ولا يبدو أنه سيحدث في القريب العاجل. وعلى الرغم من محاولة وزير حرب العدو ورئيس أركانه الادّعاء بأن ثمانين في المائة من قوات الاحتياط التي تم استدعاؤها قد التحقت بوحداتها القتالية، فإن الواقع لا يشير إلى ذلك، لا سيّما مع انخفاض عدد القوات التي بدأت العمل في شمال القطاع وفي جنوبه، وهو ما أكدته صحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية، والتي أشارت إلى أن عدد الذين استجابوا لأوامر الاستدعاء من الجنود أقل من النصف، فيما لم تتجاوز نسبة المستجيبين من الحريديم 1.7 % حسب "يسرائيل هيوم". الوضع الداخلي في "إسرائيل" يُعدّ أيضاً من العراقيل التي تواجه استمرار "عربات جدعون" في طريقها نحو تحقيق النصر الحاسم الذي يبشّر به نتنياهو، إذ إن الانقسام الحاد الذي يضرب الجبهة الداخلية الإسرائيلية، والذي ظهر في صورة لا تقبل التأويل بعد تصريحات "يائير جولان"، رئيس حزب الديمقراطيين الإسرائيلي، والذي وصف عمليات القتل التي تجري ضد المدنيين في قطاع غزة بأنها عبارة عن هواية، إلى جانب تصريحات زعيم المعارضة "يائير لابيد "، الذي هاجم فيها نتنياهو من جديد، محمّلاً إياه مسؤولية كل الإخفاقات التي تواجهها "الدولة" منذ السابع من أكتوبر وحتى الآن. هذه التصريحات، إضافة إلى مواقف كثير من القادة السابقين لأجهزة الأمن والاستخبارات الإسرائيلية، تُلقي مزيداً من الشك حول إمكانية نجاح ما يخطّط له رئيس وزراء الاحتلال وائتلافه المتطرّف، وتجعل مسألة وجود إجماع على ما يجري في غزة أمراً مستحيلاً. متغيّر ثالث يمكن الإشارة إليه للدلالة على كمية العراقيل التي تواجه "عربات نتنياهو" في غزة، وهو ارتفاع منسوب الخسائر الاقتصادية الناتجة عن استمرار الحرب، سواء نتيجة مشاركة جنود الاحتياط في الحرب لفترات طويلة، وهم الذين يشكّلون عصباً مهماً لدورة الإنتاج الإسرائيلية، أو نتيجة هروب المئات من رؤوس الأموال من "الدولة" بحثاً عن أماكن أكثر أمناً لاستثماراتهم، وخوفاً من تعرّضهم لخسائر إضافية من جرّاء تضرّر قطاع الصناعة والتجارة في الكيان، والتي بلغت مستويات خسائره حتى الآن نسباً غير مسبوقة، وهو الأمر الذي أشارت إليه صحيفة "يديعوت أحرونوت" بقولها : "إن مكانة إسرائيل في انهيار، والضرر في اقتصادها يمكن أن يصل إلى مليارات الدولارات". وبما أن أحد أهم مصادر قوة "دولة" الاحتلال هو الاقتصاد، الذي وضعها في مصاف الدول الكبرى على مستوى العالم في هذا المجال، فإن إمكانية تأثير هذا المعطى على استمرار العملية العسكرية يبدو أمراً وارداً وممكناً. خارجياً، يمكن ملاحظة عديد من التطورات والتغيّرات على المواقف الدولية، والتي يبدو أنها باتت على قناعة كاملة بضرورة إيقاف الحرب، أو عدم الذهاب في اتجاه توسيعها على أقل تقدير، وضرورة الحد من تداعياتها الكارثية على المدنيين الفلسطينيين، وخصوصاً ما يتعلّق منها بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية، إلى جانب التداعيات الناتجة عن استمرار إغلاق المعابر، ووقف إدخال المساعدات الغذائية والدوائية لأكثر من مليونين وربع مليون مواطن يعيشون داخل قطاع غزة. في مقدّمة تلك التطورات يأتي الموقف الأميركي الذي، وإن كان يشوبه الكثير من الكذب والنفاق، لا سيّما في ظل استمرار واشنطن بدعمها العسكري والسياسي غير المحدود لـ"دولة" الكيان، ومعارضتها فرض أي عقوبات عليه، على الرغم من كل ما يرتكبه من جرائم ومذابح، فإن هناك ما يشير إلى حدوث نوع من التباين بين الجانبين الإسرائيلي والأميركي، خصوصاً مع رغبة الرئيس ترامب في عدم إفساد الحرب على غزة مشاريعه القادمة في المنطقة، والتي تعتمد في الأساس على الجانب الاقتصادي، وهو ما كان واضحاً خلال زيارته الأخيرة إلى دول الخليج، والتي عاد منها وفي جعبته تريليونات الدولارات. التغيّر الذي طرأ على الموقف الأميركي كان واضحاً في عدم زيارة ترامب إلى "إسرائيل" خلال جولته الأخيرة في المنطقة، وهو الأمر الذي كرّره نائبه "جيمس ديفيد فانس"، الذي ألغى زيارته إلى الكيان العبري حتى لا يُفهم منها بأنها دعم لتوسيع العمليات في غزة، حسب وصف موقع "أكسيوس" الأميركي. صحيح أن هذا الموقف لم ينضج بعد ليشكّل ضغطاً حقيقياً على "إسرائيل" لوقف جرائمها، وصحيح أن الدعم العسكري والسياسي الأميركي للكيان الصهيوني ما زال على حاله، إلا أن بروز تباينات بين الجانبين يمكن أن يُعطي مزيداً من الأمل في إمكانية حدوث تحوّل ما قد يساعد في وقف المجزرة المُرتكبة في غزة. على غرار الموقف الأميركي، وربما بدرجة أكثر وضوحاً، ظهر عديد من المواقف لدول أخرى حول العالم، وفي المقدّمة منها مجموعة من الدول الأوروبية، إذ شهدت الأيام الأخيرة عاصفة من الانتقادات صادرة عن تلك الدول ضد استمرار الحرب، وضد توسيعها، لا سيّما من بعض العواصم التي كانت منذ بداية العدوان تقف إلى جانب "دولة" الاحتلال، بل وقدّمت لها دعماً عسكرياً واستخبارياً لافتاً، مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا على سبيل المثال، ناهيك بالدعم السياسي والاقتصادي والإعلامي. أحد أهم المواقف الأوروبية التي صدرت أخيراً كان من قِبل وزير الخارجية البريطاني "ديفيد لامي"، الذي طالب بوقف الحرب، وتعليق المفاوضات المتعلّقة باتفاقية التجارة الحرّة مع "دولة" الاحتلال، إضافة إلى تهديده باتخاذ خطوات أخرى في حال استمر العدوان. هذا الأمر تكرّر على لسان وزير البيئة في الحكومة البريطانية، والذي وصف الوضع في غزة بأنه لا يُطاق، متّهماً حكومة نتنياهو بتعقيد الأمور، ومطالباً إيّاها بوقف ما وصفه بالأعمال العدائية فوراً. تصريحات أخرى مشابهة صدرت عن وزراء ومسؤولين من فرنسا وهولندا وبلجيكا والنرويج وإسبانيا وإيرلندا وغيرها، دعت جميعها إلى ضرورة وقف الحرب، وسرعة إدخال المساعدات الإنسانية لسكّان القطاع، بل وصل الأمر إلى الذهاب نحو إقرار مشاريع لوقف تصدير السلاح إلى "إسرائيل"، وإلى فرض عقوبات عليها، وهو الأمر الذي يحدث للمرة الأولى في تاريخ العلاقات بين تلك الدول والكيان الصهيوني. على كل حال، بعد هذا العرض المختصر لجملة من المتغيّرات والتحوّلات التي تجعل من إمكانية نجاح مغامرة نتنياهو الجديدة أمراً شبه مستحيل، يمكننا أن نشير إلى عامل آخر سيجعل من هذه المغامرة المستحيل بعينه، هذا العامل يتعلّق بصمود الشعب الفلسطيني وقواه المقاومة في قطاع غزة، بالإضافة إلى دعم ومساندة حلفائه في المنطقة وعلى رأسهم جبهة الإسناد اليمنية. إذ إن هذا العامل الذي شكّل خلال شهور الحرب الماضية حائط صد في وجه كل مخطّطات الاحتلال، وأفشل بما لا يدع مجالاً للشك كل المشاريع الهادفة إلى دفع الشعب الفلسطيني إلى رفع راية الاستسلام، والهجرة عن أرضه رغماً عنه، سيُفشل من جديد خطط الاحتلال ومشاريعه مهما كلّف ذلك من ثمن، ومهما تطلّب الأمر من تضحيات. صحيح أن الأوضاع الإنسانية والحياتية في قطاع غزة كارثية بكل ما للكلمة من معنى، وصحيح أن عدّاد الشهداء والجرحى ما زال في ارتفاع، وبلغ نِسَباً قياسية خلال الأسبوعين الأخيرين، بيد أن كل ذلك لن يدفع هذا الشعب المعطاء إلى التوقّف أو التراجع، بل هو مصرّ على مواصلة مسيرته المعمّدة بالدم والأشلاء حتى تحقيق أهدافه المحقّة والمشروعة، تلك الأهداف التي لن تكسرها سيوف نتنياهو المثلومة، ولن تقف في طريقها عرباته التي ستتعطّل وتتحطّم أمام بأس هذا الشعب العظيم وإصراره.

لماذا يُكثّف الاحتلال من أحزمته النارية في قطاع غزة؟
لماذا يُكثّف الاحتلال من أحزمته النارية في قطاع غزة؟

فلسطين اليوم

time٢٠-٠٥-٢٠٢٥

  • فلسطين اليوم

لماذا يُكثّف الاحتلال من أحزمته النارية في قطاع غزة؟

فلسطين اليوم الكاتب: أحمد عبد الرحمن منذ السنوات الأولى لإنشاء "جيش" الاحتلال الإسرائيلي في العام 1948، والذي كانت عصابات الأرجون والهاجاناه وشتيرن وغيرها نواته الأولى، لجأ هذا "الجيش" إلى استخدام القوة المفرطة وغير المتكافئة ضد كل أعدائه سواء كانوا دولاً أم جماعات ،وقد اعتمد في كل معاركة القديمة والحديثة على ما يتوفّر له من إمكانيات عسكرية هائلة، يأتي معظمها من حليفه الأهم في واشنطن ،ومن الكثير من دول العالم الأخرى، والتي تنظر إلى "دولة" الاحتلال بأنها عبارة عن رأس حربتها المتقدّم في منطقة الشرق الأوسط، وأنها سوطها الغليظ وذراعها الضارب الذي تؤدّب به كل مناوئيها ومخالفيها من دول وشعوب المنطقة. في كل حروب "إسرائيل" السابقة ضد دول الإقليم، وما تلاها من حروب ومعارك مع جماعات وفصائل المقاومة الفلسطينية والعربية، اعتمد "جيش" الاحتلال بصورة خاصة واستثنائية على قواته الجوّية، والتي تُعتبر من الأحدث والأكفأ على مستوى العالم، وهي تملك من الإمكانيات والقدرات ما يؤهّلها لتحقيق تفوّق كاسح على كل أعدائها في المنطقة خصوصاً، وعلى كثير من دول العالم عموماً. في أيّار/ مايو من العام2021، والذي شهد اشتعال معركة "سيف القدس" بين المقاومة في غزة وجيش الاحتلال الصهيوني، قام سلاح الجو الإسرائيلي باستخدام أسلوب قتالي جديد لم يكن معتاداً من قبل، حيث نفّذ غارة جوية جنوب غرب مدينة غزة بشكل وأسلوب عُرفا لاحقاً باسم "الحزام الناري"، والذي أدّى في ذلك الوقت إلى استشهاد قائد كتائب القسّام في لواء غزة الشهيد "باسم عيسى"، إضافة إلى مجموعة كبيرة من قيادات وكوادر القسّام الآخرين. منذ تلك اللحظة بات أسلوب الأحزمة النارية يتكرّر وإن بشكل أوسع وأشمل، ولا سيّما منذ انطلاق معركة "طوفان الأقصى"، والتي شهدت مئات العمليات من هذا النوع، أسفرت عن سقوط أعداد هائلة من الشهداء والمصابين، إلى جانب دمار غير مسبوق في الأحياء السكنية، والمناطق العمرانية والصناعية والتجارية في قطاع غزة. خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة ازدادت وتيرة هذه الأحزمة في مختلف مناطق القطاع، كان من أبرزها ما جرى شرق مدينة غزة، ولا سيّما في حيَّي الشجاعية والتفاح، وهو ما يتكرّر منذ عدّة أيام شرق مدينة خان يونس، وشمال منطقة بيت لاهيا أقصى شمال غرب القطاع، الأمر الذي يشير إلى تصاعد واسع في عمليات "جيش" الاحتلال، والذي كما يبدو بدأ عمليته المسمّاة "عربات جدعون "وإن من دون إعلان رسمي حتى كتابة هذا المقال. تعريف عام بالمفاهيم العسكرية تُصنّف "الأحزمة النارية" بأنها عبارة عن أسلوب عسكري يتم الاعتماد عليه بهدف إخلاء المدن من السكّان، من خلال قصف جوي عنيف ومركّز، يسهم في حدوث دمار هائل في البنى والمنشآت، وفي سقوط أعداد كبيرة من القتلى والمصابين، حيث جرى اللجوء إليه للمرة الأولى إبّان الحرب العالمية الثانية من قِبل الجيش الألماني، الذي قام بقصف مدينة وارسو البولندية بهذه الطريقة. في الحرب على غزة اختلفت الأحزمة النارية عن سابقاتها شكلاً وموضوعاً، إذ باتت تُستخدم لتحقيق أهداف أوسع من مجرد الإخلاء أو فرض الحصار على منطقة معيّنة، بل تجاوزت ذلك لتحقيق مروحة أوسع من الأهداف سنشير إلى بعضها بعد قليل. في العدوان على غزة تحديداً يمكن النظر إلى "الحزام الناري" بأنه عبارة عن غارة أو غارات جوية متتالية وعنيفة، تقوم بتنفيذها مجموعة من الطائرات الحربية في الوقت نفسه، وتستهدف منطقة جغرافية محدّدة، بحيث تؤدي هذه الغارات إلى تدمير مساحة واسعة من المنشآت أو البيوت، إلى جانب قتل أكبر عدد ممكن من الموجودين في هذه المنطقة. في أوقات أخرى يقتصر "الحزام الناري" على غارة واحدة فقط تنتهي في ثوان معدودة، ويتم خلالها إطلاق عدد من القنابل الثقيلة ضد هدف معيّن سواء تحت الأرض أم فوقها، وهذه العمليات في العادة يكون الهدف منها تنفيذ عمليات اغتيال نوعية كما جرى في الضاحية الجنوبية لبيروت أكثر من مرة، أو كما جرى في عمليات اغتيال أخرى في قطاع غزة. يمكن للقصف الذي يجرى خلال تنفيذ الحزام الناري أن يكون بشكل طولي أو عرضي، أي من الشمال باتجاه الجنوب مثلاً في خط مستقيم، ويمكنه أيضاً أن يكون بشكل دائري، في حال كان الهدف منه فرض حصار على منطقة معينة، وفي حالات أخرى يمكن له أن يكون بشكل متعرّج، في حال كان الهدف عبارة عن استحكامات دفاعية للطرف الآخر مُقامة بشكل هندسي متعرّج ،أو نفق تحت الأرض مُقام بالطريقة نفسها. الأدوات تُعتبر الطائرات الحربية الوسيلة الفُضلى لتنفيذ الأحزمة النارية بأشكالها كافة، وإن كان هناك إمكانية لتنفيذ جزء منها بواسطة المدفعية الثقيلة، والتي تُستخدم عادة في المناطق المفتوحة، او في حال القيام بتشكيل جدار ناري يؤمن الحماية للقوات أثناء الانسحاب أو الهجوم، أو في حالات إخلاء القتلى والجرحى من ميدان القتال. في "جيش" الاحتلال يعتمدون بشكل شبه كامل على الطائرات المقاتلة بشتّى أنواعها، إذ يملك "الجيش" الإسرائيلي مجموعة متقدّمة وحديثة من هذه الطائرات، وهي لديها المرونة التكتيكية، والقدرات العملانية لتنفيذ هذا النوع من الغارات بكل كفاءة واقتدار، ولا سيّما في ظل عدم وجود سلاح دفاع جوّي مناسب وفعّال لدى فصائل المقاومة في غزة، والتي لا تملك سوى بعض المضادات القديمة المحمولة على الكتف مثل صواريخ سام7 وستريللا، وكلاهما لا يملك أي فرصة للتصدّي للطائرات الحربية الإسرائيلية. من أهم الطائرات الحربية التي يستخدمها "جيش" الاحتلال لتنفيذ أحزمته النارية هي طائرات (F-15)، والتي وإن كانت تُعتبر أقدم مقاتلاته الجوية، إلا أنها تتميّز عن باقي الطائرات بقدرتها على حمل قنابل ثقيلة يزن بعضها ألفي رطل، أي ما يعادل 900 كجم تقريبا، وفي مقدمة هذه القنابل التي اُستخدمت بكثافة في غزة قنبلة (أم كى84-)، التي تحتوي على 430 كجم من المتفجرات شديدة الانفجار، وتتسبّب عند إسقاطها بإحداث حفرة يبلغ قطرها 15 مترا، وعمق يصل إلى 12 متراً، وبإمكانها اختراق 40 سنتيمتراً من المعدن، وحوالي 3.4 أمتار من الخرسانة المسلّحة، إضافة إلى قنبلة (GBU-28) والتي لم يثبُت حتى الآن أنه جرى استخدامها في العدوان على القطاع، وهي قنبلة ذكية تزن أكثر من 2000 كجم، وتُوَجّه بأشعة الليزر، وتملك هذه القنبلة خاصية النفاذ عميقاً في باطن الأرض بعمق قد يصل إلى ثلاثين متراً، و6 أمتار من الباطون المسلّح . الطائرة الثانية التي تنفّذ أحزمة نارية هي الـ (F-16)، وهي مقاتلة ذات مواصفات عالية، وتملك إمكانية مهاجمة الأهداف الأرضية من خلال استخدامها صواريخ جو-أرض، أو من خلال القنابل الموجّهة بأشعة الليزر. في غاراتها على غزة والتي تُطلق فيها الصواريخ من علوٍّ منخفض، تستخدم طائرات (F-16) قنابل من طراز GBU-39" "، والتي تُعتبر من أهم القنابل الذكية والموجّهة التي يملكها جيش الاحتلال، وهي ذات جيل متقدّم مخصّصة لاختراق التحصينات والثكنات العسكرية، ونسفها من الداخل مثل المستودعات والملاجئ الخرسانية، ومع أنها ذات قطر صغير نسبيا قياسا بالقنابل الكبيرة، إلا أنها ذات فعالية تدميرية عالية. ثالث الطائرات الحربية الإسرائيلية المُستخدمة هي الـ (F-35)، وهي تستطيع التخفّي بشكل كامل عن الرادارات، وتبلغ سرعتها حوالي 1200 ميل في الساعة، ولديها إمكانية لتحديد الأخطار المحيطة بها بزاوية 360 درجة، وتطير على ارتفاع خمسين ألف قدم، تملك الطائرة إلى جانب صواريخ الجو- جو ، قنبلتين موجهتين من طراز ((GBU-31 يبلغ وزن كل واحدة منهما حوالى 900 كجم، وهي مخصصة لاستهداف المواقع الأرضية المحصّنة. الأهداف هناك عدّة أهداف يسعى "جيش" الاحتلال لتحقيقها من خلال استخدامه أسلوب "الأحزمة النارية"، وهي في العادة تكون أهدافاً حسّاسة ومهمة، ومن أجل النجاح في الوصول إليها يستخدم هذا النوع من الغارات، والتي تستنفد جزءً كبيرا من إمكانياته العسكرية وتحديداً من القنابل والصواريخ، إضافة إلى الجهد العملياتي المتواصل خلال تنفيذ العملية أو الفترة التي تسبقها، والتي تتركّز عادة على جمع المعلومات الاستخبارية الدقيقة، ووضع الخطة المناسبة للتنفيذ. 1/استهداف الأنفاق والممرّات تحت الأرضية: يسعى العدو على الدوام إلى إفقاد خصمه عوامل القوة التي يتمتّع بها أو يمتلكها، ومن أهم تلك العوامل هي مراكز القيادة والسيطرة، وغرف العمليات، إلى جانب مخازن السلاح، ومرابض إطلاق الصواريخ، وهذه كلها يعتقد الاحتلال أنها موجودة تحت الأرض في أنفاق محصّنة أنشأتها المقاومة خلال سنوات طوال، وهو يحاول من خلال استخدام "الأحزمة النارية " القضاء عليها وتدميرها، ولا سيّما، وهو يعرف أكثر من غيره، فشل عمليات القصف التقليدية في إنجاز هذه المهمة، لذلك يلجأ إلى هذه الطريقة المستحدثة لعلّه يحقّق نتائج أفضل. 2/تنفيذ عمليات الاغتيال: يعتمد العدو خلال السنوات الأخيرة على عمليات القصف الجوي في تنفيذ معظم عمليات الاغتيال التي تستهدف قادة المقاومة، سواء في فلسطين أم خارجها، وبما أن الإجراءات الأمنية التي باتت فصائل المقاومة وقادتها ينتهجونها أصبحت أكثر تعقيداً من ذي قبل، وهو ما تسبب في فشل الكثير من عمليات الاغتيال الإسرائيلية، خصوصاً إذا كان الهدف موجوداً في مكان محصّن، أو لا يُعرف مكانه بدقة، لجأت "إسرائيل" إلى أسلوب الحزام الناري، والذي يستهدف في بعض الأحيان مربعات كاملة، أو مجموعة من الأبنية الكبيرة، بحيث يحرم الهدف المراد قتله أي فرصة للنجاة حتى لو لم يُصب بشكل مباشر . 3/ تهيئة مسرح العمليات: يستخدم "جيش" الاحتلال في كثير من الأحيان أسلوب "الأحزمة النارية " لتهيئة مسرح العمليات لنشاط عسكري مُحتمل، وهو ما يجري كما يبدو حالياً شرق خان يونس وشمال بيت لاهيا، إذ يقوم العدو من خلال هذا الأسلوب بالتمهيد للتوغّل البري الذي يتطلّب تمهيد ساحة القتال، بما يُعطي أفضلية للقوات المهاجمة على حساب المدافعة. هذا الأمر يتطلّب تدمير العقد القتالية التي يوجد فيها المدافعون، والتي تسبّب عادة خسائر كبيرة لجيش الاحتلال، إضافة إلى استهداف ما يُعتقد بأنها فتحات للأنفاق الدفاعية، والتي تُستخدم للمناورة من قبل المقاومين سواء للهجوم أم الانسحاب، إلى جانب تدمير المنازل المرتفعة، والتي يمكن أن تُستخدم لرصد ومراقبة القوات المهاجمة. ما سبق من أهداف يحاول العدو تحقيقه من خلال اللجوء إلى أسلوب الأحزمة النارية، إضافة إلى أساليب أخرى من قبيل تأثيرها النفسي على السكّان، ودفعهم إلى إخلاء مناطقهم على وجه السرعة بسبب شدة القصف، لم ينجح خلال شهور الحرب الطويلة في تحقيق الأهداف المرجوّة من ورائه، وعلى الرغم من حجم الضرر الذي يلحق بالمواطنين من جرّاء هذا النوع من الاستهدافات، إلا أن إصرارهم على تمسّكهم بأرضهم لم يتزحزح، وهم باتوا يفضّلون الموت على الرحيل أو النزوح إلى المجهول. على كل حال، نحن على ثقة بأن كل ما يسعى إليه العدو من وراء استخدامه وسائل وأساليب يعاقب عليها القانون الدولي، وتُعتبر جرائم إبادة جماعية بحق المدنيين العزّل، لن تنجح في تحقيق ما يسعى إليه، وأن كل هذا القتل والإجرام اللذين يرتكبهما أمام سمع وبصر هذا العالم العاجز والظالم سيرتد عليه وبالاً من دون أدنى شك. صحيح أن الثمن الذي يدفعه الفلسطينيون في غزة كبير، وصحيح أن فاتورة الدم قد ارتفعت إلى مستويات قياسية، إلا أن هذا الشعب الصابر والشجاع سيصل في نهاية المشوار إلى ما يصبو إليه، ولن يكون مصير القتلة والمجرمين أحسن حالاً من أمثالهم عبر التاريخ، هذا التاريخ الذي سيكتب بأحرف من نور قصة شعب صنع المستحيل، واجترح المعجزات، ولم يألُ جهداً في تحقيق أهدافه في الحرية والاستقلال.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store