
هل تقلصت أهمية المفاجآت في إعلانات الأرباح؟
لسنوات طويلة، كانت "مفاجآت الأرباح" من أقوى المحركات في الأسواق المالية، فحين تعلن شركة ما عن نتائج فصلية تفوق توقعات المحللين أو تخالفها بشكل كبير، كانت الأسواق تستجيب على الفور بحركات حادة في الأسعار مصحوبة بتداولات كبيرة، وكانت هذه المفاجآت محور الاهتمام في إعلانات البيانات المالية، وكان المحللون يبنون سمعتهم ومكافآتهم على مدى دقة هذه التوقعات. لكن يبدو أن المشهد بدأ يتغير - ليس بشكل جذري تماماً بعد - حيث إن هناك دلالات على تقلص أهمية توقعات الأرباح وتفاعل الأسواق معها، والأسباب هي أننا نعيش اليوم في بيئة متشبعة بالبيانات اللحظية وبرامج التعلم الآلي وأنظمة التداول الخوارزمية المتطورة، وغيرها من تقنيات. فالسؤال إذن: هل لا تزال مفاجآت الأرباح مؤثرة كما كانت، أم أن التقنية بدأت في إبطال مفعولها؟
فيما قبل عصر التقنية المتقدمة، كانت حركة الأسواق أبطأ نسبياً، فالمحللون يضعون توقعاتهم الفصلية، ثم يقيمها المستثمرون، ثم تعلن الشركات نتائجها في وقت محدد، ومن ثم قد ينتج عن ذلك مفاجأة إيجابية تدفع السهم إلى الارتفاع السريع، أو مفاجأة سلبية تقابل بعقاب فوري، وذلك لأن الأسواق كانت أقل كفاءة مما هي عليه الآن، حيث المعلومة الأفضل دوماً تخلق فرصاً قيمة لمن يمتلكها، ولذا فتح ذلك المجال لما يُعرف بـ"التداول المبني على معلومات داخلية"، حيث يستفيد من يملك المعلومة غير المعلنة بميزة واضحة، فيستطيع التداول قبل الجميع ويحقق أرباحاً كبيرة على حساب الآخرين. وبالطبع هذا السلوك غير أخلاقي وتعاقب عليه أنظمة الأسواق المالية، بما في ذلك السوق المالية السعودية.
وعلى الرغم من ذلك، فإن لدى الاقتصادي الشهير ميلتون فريدمان وجهة نظر مثيرة للجدل، حيث إنه يرى أن الأسواق ذات الكفاءة العالية لا تعنيها مسألة التداول المبني على معلومات داخلية، لأنه يرى أن ردة فعل الأسواق تكون سريعة بحيث لا يمكن لأحد الاستفادة من أي معلومة لديه، لأن الأسعار تستجيب لأي أحداث أو أخبار أو تطورات بشكل سريع جداً، فتصبح المعلومات الداخلية عديمة الفائدة! أي إنه إذا كانت السوق بالفعل تعكس جميع المعلومات المتاحة العامة وشبه الخاصة والخاصة، فإن ميزة التداول الداخلي تتلاشى، لكن من جهة أخرى، في سوق يحركها الذكاء الاصطناعي والخوارزميات، هل أصلاً لا يزال هناك مجال للمفاجآت؟
لقد بدأت نماذج الذكاء الاصطناعي، خاصة النوع التوليدي منها، في تغيير طريقة قراءة الأسواق وتحليلها، فهي الآن لا تقتصر على عملية توقع الأرباح فحسب، بل إنها تقوم بتحليل نصوص لقاءات إعلان الأرباح، التي عادة تعقد مباشرة بعد إعلان النتائج، وتقوم بتحليل البيانات المالية والاقتصادية ذات العلاقة، وتحلل أسلوب ونبرة إدارة الشركة، وتربط ذلك بسلاسل الإمداد والمدفوعات المالية، وأي بيانات أخرى متعلقة بنشاط الشركة، بل حتى تقرأ تفاعلات المستثمرين في وسائل التواصل الاجتماعي وانطباعاتهم وما لديهم من آراء وأحاسيس، ويتم ذلك بشكل آني. كما أن هذه النماذج لا تنتج رقماً مطلقاً أو قراراً واحداً، بل تطرح احتمالات متعددة بأوزان مختلفة لسيناريوهات كثيرة، ويتم تحديث ذلك بشكل مذهل ومستمر، وبالتالي، فإن "المفاجأة" تصبح مجرد انحراف طفيف عن التوقع الديناميكي القائم!
أضف إلى ذلك الدور الذي يلعبه التداول الخوارزمي، الذي يقلص زمن الاستجابة إلى أجزاء من الثانية، فحين تعلن الشركة عن نتائج أعلى من التوقعات، فإن الأنظمة تتولى قراءة البيان الصحفي وتحليله واتخاذ قرارات محددة بشأنه والقيام بتنفيذ الأوامر قبل حتى أن يتمكن الإنسان الطبيعي من قراءة عنوان البيان! لذا أصبحت فرص المضاربة تُغلق فوراً، ومع ازدياد دقة التنبؤ وسرعة الاستجابة بدأت تتضاءل قيمة المعلومات غير المعلنة، فمع الوقت لن يكون التحدي في الوصول إلى المعلومة، بل في فهمها بشكل أعمق وأسرع، وبالتالي فإن هذا التطور التقني ربما يمنح كثيرا من المصداقية لرأي فريدمان في أنه بوجود كفاءة عالية غنية بالبيانات قد يصبح التداول الداخلي غير مؤثر فعلياً.
ختاماً، هل لا تزال مفاجآت الأرباح تحرك الأسواق؟ نعم، لكنها لم تعد تفعل ذلك بنفس الطريقة ولا بالتأثير نفسه، ولا بالفائدة المالية نفسها، فالأسواق اليوم بدأت تقلص من تفاعلها مع "المفاجأة"، وأصبح التفاعل محصوراً في الفجوة بين الرقم المعلن والرقم الذي كانت النماذج الذكية قد توقعته، وهذا لا شك يفتح مجالاً واسعاً للمنافسة بين نماذج الذكاء الاصطناعي.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الرياض
منذ 19 دقائق
- الرياض
«هيئة المنافسة» تشارك في اجتماعات لجنة المنافسة بمنظمة (oecd) في باريس
شاركت الهيئة العامة للمنافسة، ممثلةً بالرئيس التنفيذي الدكتور فهد بن إبراهيم الشثري، في اجتماعات لجنة المنافسة التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) المنعقدة في مدينة باريس، حيث شارك في جلسة الطاولة المستديرة، التي ناقشت تقييم أثر أنشطة هيئات المنافسة. وخلال الجلسة، استعرض الدكتور الشثري أبرز جهود المملكة في دعم البيئة التنافسية، موضحًا أن رؤية المملكة 2030 تهدف إلى تنويع الاقتصاد وزيادة مساهمة القطاع الخاص، إلى جانب الاندماج في سلاسل القيمة العالمية وتعزيز القدرة التنافسية. وأشار إلى أن الهيئة أسهمت خلال السنوات الماضية في دعم السياسات المحفزة للمنافسة، مما انعكس إيجابًا على مؤشرات الإنتاجية والاستثمار والنمو الاقتصادي, ووفقًا لأفضل الممارسات الدولية، قُدّرت مساهمة الهيئة عبر إنفاذ نظام المنافسة خلال الفترة 2022-2024 بنحو (305.4) ملايين ريال سعودي. وتحرص الهيئة العامة للمنافسة على المشاركة في مثل هذه الاجتماعات الدولية لتبادل الخبرات، والاستفادة من أفضل الممارسات، وتعزيز أوجه التعاون مع المنظمات الدولية بما يدعم أهدافها في تطوير البيئة التنافسية في المملكة.


الأنباء السعودية
منذ ساعة واحدة
- الأنباء السعودية
اقتصادي / الهيئة العامة للمنافسة تشارك في اجتماعات لجنة المنافسة بمنظمة (oecd) في باريس
باريس 25 ذو الحجة 1446 هـ الموافق 21 يونيو 2025 م واس شاركت الهيئة العامة للمنافسة، ممثلةً بالرئيس التنفيذي الدكتور فهد بن إبراهيم الشثري، في اجتماعات لجنة المنافسة التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) المنعقدة في مدينة باريس، حيث شارك في جلسة الطاولة المستديرة، التي ناقشت تقييم أثر أنشطة هيئات المنافسة. وخلال الجلسة، استعرض الدكتور الشثري أبرز جهود المملكة في دعم البيئة التنافسية، موضحًا أن رؤية المملكة 2030 تهدف إلى تنويع الاقتصاد وزيادة مساهمة القطاع الخاص، إلى جانب الاندماج في سلاسل القيمة العالمية وتعزيز القدرة التنافسية. وأشار إلى أن الهيئة أسهمت خلال السنوات الماضية في دعم السياسات المحفزة للمنافسة، مما انعكس إيجابًا على مؤشرات الإنتاجية والاستثمار والنمو الاقتصادي, ووفقًا لأفضل الممارسات الدولية، قُدّرت مساهمة الهيئة عبر إنفاذ نظام المنافسة خلال الفترة 2022-2024 بنحو (305.4) ملايين ريال سعودي. وتحرص الهيئة العامة للمنافسة على المشاركة في مثل هذه الاجتماعات الدولية لتبادل الخبرات، والاستفادة من أفضل الممارسات، وتعزيز أوجه التعاون مع المنظمات الدولية بما يدعم أهدافها في تطوير البيئة التنافسية في المملكة.


الاقتصادية
منذ ساعة واحدة
- الاقتصادية
التشبع البيعي يسيطر على الأسهم السعودية وتوقعات بيوت الخبرة لم تظهر بعد
تسبب تراجع الأسهم السعودية للأسبوع الثاني، والذي أوصل مؤشر "تاسي" لأدنى مستوياته منذ أكتوبر، في حدوث حالة من التشبع البيعي في السوق، وهذا يمهد لدفع الأسهم نحو التماسك ومحاولة الارتداد خلال الأسبوع المقبل للوصول إلى المناطق السعرية بين أغلقت السوق عند 10612 نقطة فاقدة 2%، وسط تحسن معدل التداولات اليومية بنحو 1% ليصل إلى 5.5 مليار ريال، مع تنفيذ فوتسي راسل صيانتها الدورية لمؤشراتها. سجلت السوق مكاسب في جلستين خلال الأسبوع، ما يظهر أن المتعاملين يركزون على العوامل الداخلية، وبالتالي فإن أحداث المنطقة لا تشكل تهديدا واضحا على مسار "تاسي". في المقابل، هناك تطلع أكبر نحو نتائج الشركات للربع الثاني، ومستجدات الحرب التجارية، خاصة مع اقتراب مهلة إيقاف الولايات المتحدة الرسوم الجمركية، والتي ستنتهي في مطلع الشهر المقبل. لم تظهر بعد توقعات بيوت الخبرة للربع الثاني، إلا أن ظهور ميل نحو النمو خاصة في قطاع البنوك والمواد الأساسية، مع انحسار المخاوف من الحرب التجارية، من شأنها أن تعزز فرص تحسن مسار الأسهم السعودية المتراجعة 11% منذ بداية العام. وحدة التحليل المالي