
مسؤول أممي: أكثر من مليوني سوري عادوا إلى مناطقهم الأصلية منذ ديسمبر
عاد أكثر من مليوني سوري من لاجئين ونازحين إلى مناطقهم الأصلية منذ الإطاحة بالحكم السابق في ديسمبر (كانون الأول)، وفق ما أعلن مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، من بيروت، الخميس، قبيل توجهه إلى دمشق.
وكتب غراندي في منشور على منصة «إكس»: «أكثر من مليوني سوري لاجئ ونازح عادوا إلى ديارهم منذ ديسمبر (كانون الأول)»، عادّاً أن ذلك «مؤشر أمل وسط التوتر المتصاعد في المنطقة».
At a meeting with President Aoun of Lebanon, we discussed how to increase opportunities for Syrian refugees to return home.Many refugees have already made that choice.But for returns to be sustainable, Syria needs more and faster international support.@LBpresidency pic.twitter.com/HP8YU2y1zv
— Filippo Grandi (@FilippoGrandi) June 19, 2025
وناقش غراندي خلال لقائه الرئيس اللبناني جوزيف عون «سُبُل زيادة الفرص أمام اللاجئين السوريين للعودة إلى وطنهم»، حسب منشوره. وأضاف: «اختار العديد من اللاجئين بالفعل العودة، لكن لكي تكون هذه العودة مستدامة، فإن سوريا بحاجة إلى دعم دولي أكبر وأسرع».
وتُقدّر السلطات اللبنانية عدد السوريين على أراضيها بنحو 1.5 مليون، بينهم أكثر من 755 ألفاً مسجلون لدى الأمم المتحدة.
وأعدّت الحكومة اللبنانية خطة لإعادة اللاجئين السوريين تدريجياً إلى بلادهم، تتوقع بموجبها مغادرة 200 ألف إلى 300 ألف لاجئ قبل بداية سبتمبر (أيلول).
وتنص الخطة على منح كل لاجئ يرغب في مغادرة لبنان 100 دولار، مع إعفائه من أي غرامات مترتبة في حال كون إقامته منتهية الصلاحية، ويُشترط على اللاجئ توقيع تعهد بعدم العودة إلى لبنان بصفته لاجئاً.
من جهته، قال الرئيس اللبناني خلال لقائه غراندي إن بلده «متمسك بضرورة عودة النازحين السوريين إلى بلادهم بعد زوال أسباب نزوحهم»، وفقاً لبيان صادر عن الرئاسة.
ودعا عون «مفوضية شؤون اللاجئين إلى تكثيف جهودها للمساعدة على تحقيق هذه العودة والاستمرار في تقديم المساعدات لهم داخل الأراضي السورية».
ومنذ إطاحة حكم الرئيس بشار الأسد في الثامن من ديسمبر، بدأ سوريون العودة تدريجياً إلى مناطقهم، من داخل سوريا وخارجها، لا سيما من الدول المجاورة مثل لبنان وتركيا. لكن حجم الدمار وترهل البنى التحتية أو عدم توفرها والوضع الاقتصادي تحول دون عودة أعداد كبيرة إضافية منهم.
وقدّرت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين في يونيو (حزيران)، أنّ أكثر من 500 ألف سوري عادوا من الخارج.
وأعلنت تركيا في يونيو عودة أكثر من 273 ألف سوري إلى بلادهم كانوا لاجئين على أراضيها منذ ديسمبر.
وشرّد النزاع الذي بدأ عام 2011 بعيد قمع السلطات لاحتجاجات شعبية اندلعت ضدّ حكم عائلة الأسد، نحو نصف عدد سكان سوريا داخل البلاد وخارجها. ولجأ الجزء الأكبر من النازحين إلى مخيمات في إدلب شمال غربي البلاد ومحيطها.
وتعمل السلطات السورية الجديدة التي يقودها الرئيس أحمد الشرع، بعد رفع العقوبات الغربية، على دفع عجلة التعافي الاقتصادي، تمهيداً لبدء مرحلة الإعمار، الذي تقدّر الأمم المتحدة تكلفته بأكثر من 400 مليار دولار.
ولا يزال نحو 13.5 مليون سوري في عداد اللاجئين أو النازحين، حسب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.
وقدّرت المنظمة الدولية للهجرة أن «نقص الفرص الاقتصادية والخدمات الأساسية يُشكل التحدي الأبرز» أمام عودة السوريين.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق الأوسط
منذ 21 دقائق
- الشرق الأوسط
عن الفقر في سوريا وتداعيات أخرى
قبل أن يصل عام 2024 إلى نهايته، كانت مؤسسات دولية ومراكز أبحاث عدة أكدت مرات أن معدلات الفقر في سوريا تتراوح ما بين 90 و93 في المائة من إجمالي السكان. ورغم أن النسبة لا تشمل السوريين في بلدان الشتات، فإن أوضاعهم لم تكن بعيدة عن هذه النسبة، إذا دققنا في حال السوريين من لاجئين ومقيمين فيها، حيث الفقر وصعوبات العيش لكثيرين في لبنان والأردن وتركيا، وإذا كان الوضع أفضل في بلدان اللجوء الأوروبي، وفي بلاد الإقامة العربية المريحة مثل بلدان الخليج، تبدو الأوضاع أفضل بقليل، فإنه ينبغي الانتباه إلى أن أغلب من في الشتات يعيشون على المساعدات الاجتماعية الخاصة باللاجئين أو بمعونة الأقارب، وفي الحالتين فإن دخولهم محدودة بالنسبة لمستويات الدخل والعيش في تلك البلدان. وللحقيقة، فإن الارتفاع الكبير في نسبة الفقر في سوريا، كان نتيجة الحرب التي عاشتها البلاد ما بين بدايات عام 2011 وأواخر عام 2024؛ إذ كانت نسبة الفقر قبل عام 2011 حول نسبة 70 في المائة، وسببها الأساسي جملة السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي رسمها ونفذها نظام الأسد، وخاصة في العشرية الأولى من القرن، قبل أن يذهب إلى سياسات القتل والتهجير والنهب بعد عام 2011، فترفع نسبة الفقر إلى ما هي عليه حالياً. ومنذ إسقاط نظام الأسد في ديسمبر (كانون الأول) 2024 وقيام العهد الجديد، تغيرت قواعد السياسة في سوريا، وخاصة في المجالين السياسي والاقتصادي، مما وفّر أرضية جديدة للتعامل مع الفقر، وفرصاً أفضل لخفض نسبته على الأقل. غير أن هذه الحقيقة بدت صعبة التحقيق بحكم وقائع سوريا بعد نظام الأسد، ووقائع خارجية تتعلق بها. وأبرز وقائع الأولى أن نظام الأسد خلف بلداً مدمراً ومنهوباً بكل معنى الكلمة في قدراته واقتصاده ومؤسساته، وشعباً مشتتاً تحيط به صعوبات ومشاكل مركبة وسط مستوى مرتفع من التدخلات الإقليمية والدولية، والتي كان أبرزها العقوبات الدولية، ولا سيما الأميركية والأوروبية منها، ووجوداً أجنبياً متعدداً كرست له امتدادات سياسية واجتماعية وأمنية وسط سوريين في أنحاء مختلفة من البلاد. ولا شك أن هذه الوقائع تساهم في استمرار الفقر، وتعوق أغلب محاولات الخروج من جحيمه. غير أن الأمر لم يتعلق بما كان قائماً من وقائع فقط، بل أضيفت إليه عوامل أخرى متنوعة في تأثيرها على الفقر والفقراء، منها أن هناك أعداد هائلة فقدت وظائفها. إذاً لا بد من الإقلاع بالأنشطة الاقتصادية سواء الإنتاجية أو الخدمية، للحد من أسباب تردي مستويات الحياة المعيشية للسوريين، والبقاء في دائرة الفقر القائم.أما في الجانب الإيجابي من مساعي سلطات العهد الجديد، فكانت مساعيها نحو مغادرة تركة الأسد وتداعيات سياسته؛ إذ توالت إعلانات النظام الجديد وعوداً بإصلاح ونهوض اقتصادي شامل، وذهبت بعض السياسات الإصلاحية نحو إعادة الحقوق لأصحابها، ومنها أراضٍ وعقارات مستولى عليها منذ عقود، وتم اتخاذ إجراءات لتوفير الحاجة للطاقة من الكهرباء والنفط والغاز، وتم التوسع في تلبية الحاجة من السلع والبضائع وسط تقلبات في أسعارها وميل عام إلى ارتفاع الأسعار. ولأن عجزت الإجراءات الداخلية عن بدء مسار معالجة الفقر وما كرسه من وقائع سوء في حياة السوريين، فإن جهوداً رسمية كثيفة تمت للتواصل مع مختلف الدول من أجل كسب دعمها ومشاركتها في إعادة إنهاض سوريا، ولا سيما في إعادة الإعمار، وهي أكثر نقطة ضرورة وأهمية في التحديات التي تواجه سوريا. ولعبت لقاءات القمة السورية العربية والأجنبية دوراً في عودة سورية محدودة إلى المحيط الإقليمي والدولي، والأهم في نتائجها أنها أدت إلى رفع العقوبات الأميركية - الأوروبية، ومعها وعود ومبادرات للاستثمار من شأنها في الحالتين مساعدة العهد الجديد للإيفاء بوعوده والتزاماته في نهوض البلاد وتنمية اقتصادها، وتحسين الأوضاع المعيشية للسكان، بما فيها تخفيض نسبة الفقر التي تعتبر العامل الأساسي في رفع مستوى حياة السوريين في جوانبها المختلفة. فالفقر ينعكس سلباً على تلبية الاحتياجات المعيشية من غذاء وشراب وسكن، ويحد من الحصول على الخدمات الضرورية من تعليم وصحة وخدمات بلدية، وإذا كان يمنع ويحد من قدرة الواقعين تحته من الذهاب إلى مشاريع عمل مهما كانت متواضعة، فإنه يحد من قدرتهم في البحث عن عمل بما يفرضه من تقييدات على علاقاتهم في الاتصال بأصحاب الأعمال أو وكلائهم، أو المؤسسات المعنية بتنظيم العمالة، كما يمنع من تنمية قدراتهم بما يتوافق مع احتياجات سوق العمل. لا يقتصر الفقر، وخاصة في حالته السورية الراهنة، على فرض ظلاله القاسية على السوريين اليوم، بل يمد أثره السيئ إلى الأجيال القادمة من السوريين، وكان الأهم في أسباب جعلت أغلب جيل الشباب الذين تقل أعمارهم عن 25 سنة من الهامشيين؛ فقد دفعهم للعيش في مخيمات وعشوائيات في ظروف معيشية صعبة، وحرمهم من أبسط حقوقهم من تعليم وصحة ونمو طبيعي، وآمال بمستقبل أفضل. وواقع حال السوريين اليوم يتطلب نهوضاً حقيقياً وعاجلاً، لن يكون ممكناً دون خطط إنماء شاملة ومدروسة، يكون في مقدمة أهدافها التصدي للفقر، والعمل على علاجه وتداعياته. وإن لم تذهب الخطط بهذا الاتجاه، فإنَّ ما ينتظر السوريين صعب، وقد يصير أصعب من كل التقديرات.


الشرق الأوسط
منذ 21 دقائق
- الشرق الأوسط
إسرائيل... أوهام القوة المهيمنة والأمن الحر
منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) سنة 2023 ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لا يكف عن الصياح بأن إسرائيل ستغير شكل المنطقة، والقصد من وراء كلامه، الوصول إلى فكرة إسرائيل المهيمنة بالمطلق، المتنعمة في «الأمن الحر والمستدام». شنت إسرائيل حملة وحشية على غزة، وانتقلت من بعدها إلى «حزب الله» في لبنان، ولاحقاً استهدفت مخازن الجيش السوري، والآن تكمل المسيرة مع إيران بهدف ظاهر ممثل في القضاء على البرنامج النووي، والخفي هو إزالة نظام الملالي. عبر صفحات مجلة «الفورين بوليسي» الأميركية، يفاجئنا البروفسور ستيفن والت، أستاذ العلوم السياسية الأشهر في جامعة هارفارد، بأنه على الرغم من أن كل الإجراءات الإسرائيلية الأخيرة قد حققت نجاحاً جزئياً - على الأقل على المدى القصير- فإنه لا ينبغي لنا أن نعتبر إسرائيل قوة مهيمنة على صعيد منطقة الشرق الأوسط، بشكل مؤكد ونهائي. يستحضر والت من بطن التاريخ القريب، تجربة الولايات المتحدة بوصفها قوة مهيمنة في نصف الكرة الغربي، ويقارن بينها وبين إسرائيل، وعنده أن القوة المهيمنة الإقليمية تتمتع بنفوذ هائل، لدرجة أنها لا تعود تواجه تهديدات أمنية كبيرة من جيرانها، وهو ما استطاعت واشنطن الوصول إليه سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، منذ نهايات القرن التاسع عشر. إسرائيل اليوم لا تستوفي هذا المعيار، فنظرة سريعة على المنطقة تقطع بأن الحوثيين لا يزالون متمردين، والجيش الإسرائيلي غارق وموحل في غزة، رغم الدمار الذي حل بالقطاع، وعلى الرغم من إضعاف «حماس» و«حزب الله» من حيث موازين القوة والتسلح، فإنه لم يتم القضاء عليهما كأفكار آيديولوجية ودوغمائية دفعة واحدة، وهو ما لن يحدث. في الوقت عينه، كان المبرر الرئيسي للهجمات على إيران هو الخوف من امتلاكها أسلحة نووية يوماً ما. لم يكن الخطر يتمثل في أن تستخدم إيران قنبلة ذرية لمهاجمة إسرائيل، ذلك لأن الملالي يعلمون أن هذا سيناريو انتحاري بالنسبة إليهم، بل كان الخوف الرئيس بالنسبة لإسرائيل هو أن مثل تلك القنبلة سوف تحد من قدرة إسرائيل على استخدام القوة في المنطقة من دون عقاب. خوف إسرائيل الكبير والخطير من صعود أي قوة عسكرية في المنطقة، يتمحور حول فكرة فقدانها ما نسميه «الأمن الحر» ذاك الذي تمتعت به القوى الكبرى حول العالم تاريخياً، وآخرها الولايات المتحدة الأميركية، بوصفها قوة مهيمنة وحيدة منذ وقت طويل، ما يَسَّر لها الدخول في مغامرات عسكرية متعددة، وإن دفعت أكلافاً غالية وعالية لتبعاتها، بدءاً من كوريا، ومروراً بأفغانستان، وصولاً إلى العراق. لن تصبح إسرائيل قوة مهيمنة، ما دامت تهرب إلى الأمام، وتحاول تجاهل القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني الذي يشكل قرابة نصف الأراضي التي تحتلها عسكرياً. ولعل الحقائق التي تتعامى إسرائيل عن رؤيتها أو مقاربتها، هي أن القوى العظمى تميل إلى افتراض أن تفوقها العسكري الهائل سيسحق خصومها بسرعة، هذه الثقة المفرطة تعني أنها لا تدرك حدود قوتها العسكرية، ولذلك تضع أهدافاً لا يمكن تحقيقها، إن وجدت، إلا من خلال صراع طويل الأمد، بينما المشكلة الأكبر هي أنها بتركيزها على النتائج الفورية في ساحة المعركة، قد تهمل العناصر الأوسع اللازمة للنجاح، مثل توفير شروط السلام الدائم. هنا يمكن القطع بأن إسرائيل قد حققت على مدار تاريخها، نجاحاً عسكرياً تكتيكياً ملحوظاً، ولكن من دون كفاءة استراتيجية. ولعل هذا الاستنتاج لا يُستغرَب، نظراً لأنها منذ أوائل سبعينات القرن الماضي دولة تابعة للولايات المتحدة، التي تعاني سياستها الأمنية القومية، من الصفات والعيوب نفسها. لا تتوافر في إسرائيل مواصفات القوة المهيمنة، وأولاها الاعتماد على الذات بشكل كامل، وهو ما لا تقوم به، وظهر جلياً في المواجهة مع إيران، حيث شكلت الحاجة إلى قنابل الأعماق أمراً حاسماً وحازماً في مواجهة البرنامج النووي. كان الدعم الأميركي لإسرائيل منذ نشأتها وحتى الساعة، هو عماد قوتها وهيمنتها البادية للعيان، غير أن هذا المدد اللوجيستي قد لا يستمر إلى وقت قريب، حيث يُتوقَّع أن تتغير التركيبة الديموغرافية للولايات المتحدة، ويتوارى الطهرانيون والمحافظون من الرجال البيض، في ثنايا وحنايا أعراق أخرى، غير مرتهنة لإسرائيل. السؤال الجوهري الذي يطرحه ستيفن والت، هو: كيف يمكن لدولة يقل عدد سكانها عن 10 ملايين نسمة، ربعهم من غير اليهود، أن تهيمن على منطقة شاسعة تضم نحو 400 مليون عربي ونحو 90 مليون فارسي؟ ما تملكه إسرائيل هو درجة من الهيمنة الهامشية من دون الهمينة الحقيقية، وهو تاريخياً، مكان محفوف بمخاطر أوهام القوة العسكرية فحسب.


الشرق الأوسط
منذ 21 دقائق
- الشرق الأوسط
إيران وإسرائيل والنظام العالمي
يمكن أن يؤكد لك كل الخبراء الاستراتيجيين أن مستقبل النظام الدولي، ونوعية الصراعات التي يمكن أن تقع لا يمكن التنبؤ بهما بشكل دقيق؛ ولكن ما يجري اليوم من أحداث دولية يمكن أن يعطي لنا مسلمة واحدة، وهي أن قانون القوة هو الطاغي فيما يجري وما سيجري من أحداث؛ بمعنى أن الكثير من القوانين الدولية ستبقى حبراً على ورق، والعديد من المنظمات العالمية ستدخل في سبات عميق؛ وهذا طبعاً سيستمر لسنوات بل ولعقود، وسيقوي النفاق الدولي وازدواجية المعايير التي تخدم مصالح القوى العظمى، وسينمي كل يوم الخط الفاصل بين دول الجنوب الشاملة والفاعلين الكبار في النظام العالمي، بل سيساهم في الزيادة من حدة التوتر بين القوى العظمى أنفسها. روسيا تدخلت في أوكرانيا واستمرت الحرب ولا تزال، ولم يوقف الدعم الغربي لكييف توغل القوات الروسية، ولا منعها من مخالفة القوانين الدولية رغم العقوبات، بل بدأ الرئيس بوتين يستعيد مكانته وحيويته في الساحة الدولية إلى درجة أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب يكلمه هاتفياً لساعات طوال، ويدعوه للجلوس ولو شرفياً في قاعة الوسطاء الرئيسيين الذين يمكنهم أن يتوسطوا بين إسرائيل وإيران؛ كما أن إسرائيل قامت بعد هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 بالقضاء على وكلاء إيران في المنطقة: «حماس» ثم «حزب الله»، ثم قامت برفع الغطاء عن نظام الأسد في سوريا، والآن أشعلت الحرب بينها وبين إيران، كما قامت الولايات المتحدة بشن غارات على الحوثيين في اليمن انتهت بالاتفاق على ألا تصاب المصالح الأميركية من سفن وقواعد عسكرية بسوء. هذه القوى العظمى، وبالأخص الولايات المتحدة، لا يمكن لأحد أن يفرض عليها حصاراً شاملاً، ولا أن يرسل عليها صواريخ تزيل النظام وأهله، ولا أن يحاكمها بحجة أنها خالفت القوانين الدولية، أو لم تأخذ رضا ومباركة مجلس الأمن؛ بل هي من تقرر وتعاقب، بل يمكنها أن توقف قرارات المحاكم الدولية ومحاصرة من سولت له نفسه متابعة الحلفاء. والآخرون إما أن يتناغموا مع هذه الوضعية أو ينتظروا الويلات التي يمكن أن تصيبهم. فها هي إيران كانت تظن أنها في بروج مشيدة؛ لأن عندها وكلاء في كل المنطقة يؤمنون بمبدأ الموالاة للولي الفقيه، وتمدهم بالسلاح والأموال؛ كما أنها نجحت في تعزيز المصالح القومية الإيرانية، والتمركز داخل النظام الإقليمي، وابتزاز الخصوم والأنداد، ومأسسة عقيدة مفادها بأنه إذا كانت هناك حروب إقليمية فإنها لا محالة ستدور دائماً على أراضي الآخرين، وليس داخل أراضيها. إيران كانت تعتقد، كما بعض المفكرين العرب بأن ما يجري من أحداث ومفاوضات لا متناهية حول النووي الإيراني ما هو إلا مسرحية شكسبيرية بطلتاها إيران وإسرائيل، والكاتب الرئيسي لها هي الولايات المتحدة؛ لم تكن أبداً مسرحية! اشتغل الإسرائيليون لسنوات على كيفية القضاء على مقومات النظام الإيراني، وأصبحوا بارعين في المراوغة والكتمان والمباغتة. تجاوز «الموساد» الخرائط والحدود، وجند الجواسيس، وفعل كل هذه الاختراقات داخل إيران. والإيرانيون على علم بأن أميركا وإسرائيل جسم واحد، وأنه رغم التصريحات المتناقضة في بعض الأحيان بين واشنطن وتل أبيب، فإن العقيدة واحدة، والمصالح واحدة، والتعاون الاستراتيجي والعسكري دائم، وأن الدول الغربية في المسائل الوجودية لا يمكنها أن تتجاوز رغبات الدولة العبرية. ظن الإيرانيون أن الحكومة الإسرائيلية متبوعة بانتخابات ديمقراطية، وأن الناخبين سيسقطون أي حكومة تضع شعبها في حرب استنزاف تسقط فيها الأرواح والمباني؛ ولكن غاب عنهم أنه في الحروب المصيرية لا تسقط هذه الحكومات، بل تتقوى وتكون على استعداد لتحمل التكلفة، وبخاصة أن عندها شيكاً على بياض من أميركا والحلفاء. الأمور صعبة ومعقدة للغاية، والمستقبل سيحكمه قانون القوة، بدل قوة القانون. والمنظمات الدولية بما فيها الأمم المتحدة ستصبح صورية وغير مؤثرة، ودول العالم ستكون ملزمة بالاصطفاف مع القوى العظمى، وسيزداد السباق العالمي نحو التسلح في بيئة دولية تعرف اليوم أزيد من 57 أزمة نزاع مفتوحة، وأزيد من 200 من الجماعات المسلحة، وتكلف فيها الصراعات نحو 17 تريليون دولار، وهي وقائع وأرقام لم تصل إليها البشرية من قبل.