logo
#

أحدث الأخبار مع #معهدسينتري

مفارقة الأمن الإيراني: تقدّم المسيّرات وتخلّف الاتصالات
مفارقة الأمن الإيراني: تقدّم المسيّرات وتخلّف الاتصالات

المدن

timeمنذ 14 ساعات

  • سياسة
  • المدن

مفارقة الأمن الإيراني: تقدّم المسيّرات وتخلّف الاتصالات

تركِّز إيران استثماراتها الاستراتيجية على ثلاثة أركان أساسية: ترسانة كبيرة من الصواريخ الباليستية، وأسطول من الطائرات المسيّرة الفتاكة، وبرنامج نووي يبدو أنه كان على أعتاب مرحلة عسكرية. لكن هذا البناء العسكري الهائل يقف على بنية رقمية هشة، تتجلّى في الثغرات التالية: شبكات اتصالات بالية عفا عليها الزمن، وتقنيات مراقبة تكشف أسرار الدولة بدل حمايتها، وقطع متعمّد للإنترنت حوّل منظومة الدفاع إلى حالة من "العمى التكتيكي". هذا التناقض يلخص المشهد الإيراني: قوة عسكرية ضخمة وبرنامج نووي طموح، قائمان على أرضية رقمية من زجاج. اتصالات مدنية من عصر التسعينات بينما تنطلق صواريخ إيران الباليستية وطائراتها المسيّرة نحو تل أبيب، تتحول شبكات اتصالاتها المدنية إلى نقطة ضعف حرجة. فلا تزال 74% من الشبكات تعتمد على تقنيات 2G/3G القديمة، وفق تقرير GSMA لعام 2023، مما يفتح ثغرات في بروتوكول SS7 يتسبب في تسريب مواقع المستخدمين الجغرافية (معهد سيتزن لاب). وتزداد المخاطر في المدن، حيث تنتشر أجهزة التنصت (IMSI Catchers) بكثافة تصل إلى ثلاثة أضعاف المتوسط الإقليمي (دراسة "أمن الاتصالات في الشرق الأوسط" – معهد سينتري بدبي)، محوِّلةً الشوارع إلى فخاخٍ استخباراتيةٍ تلتقط أسرار الجيش والدولة من الهواء. حتى التطبيقات الحكومية الإلزامية كـ"روبيكا" و"سروش" تتحول إلى أبواب خلفية للاختراق، إذ يستخدم 43% من اتصالاتها نظام تشفير قديم غير آمن (TLS 1.0)، وتفشل 67% من بروتوكولاتها الأمنية في توفير حماية فعلية. ولا يعترف بعض المحللين في الفضائيات العربية بأن الضرر وقع منذ سنوات نتيجة تقادم البنية التحتية للاتصالات، فيبررون قطع الإنترنت اليوم بأنه إجراء ضروري لمكافحة التجسّس! مفارقة "شاهد": براعة التصميم وإخفاق التكتيك في خضمّ انهيار شبكات الاتصالات المدنية القديمة، تتمتع الطائرات المسيّرة الإيرانية بمرونة تكنولوجية. فـ"شاهد 136" مزوّدة بنظام توجيه هجين يجمع بين إشارات الأقمار الروسية "غلوناس" ومستشعرات ملاحية داخلية (INS) تعتمد على الجيروسكوبات ومقاييس التسارع. وقد أثبتت هذه المسيّرة جدارَتها حتى استوردت روسيا آلافًا منها لاستخدامها في حربها ضد أوكرانيا، نظرًا لقدرتها على حمل 50 كيلوغرامًا من المتفجرات وتكلفتها المنخفضة وفاعليتها العالية. ويسمح التزامن بين GNSS وINS للطائرة بالاستمرار في المسير لعدة دقائق رغم محاولات التشويش، من دون أن تنحرف تمامًا عن مسارها. ومع ذلك، تُظهر الإحصاءات الأوكرانية أن 70% من هذه المسيّرات تخسر مسارها عند تعرضها لتشويش مستمر لأكثر من 22 دقيقة، ويُعثر على حطامها على مسافة تتراوح بين 8 و12 كيلومترًا من الهدف الأصلي. تعتمد منظومات رصد هذه المسيّرات على تقنيات لا علاقة لها بأنظمة توجيهها، منها رادارات المراقبة المحمولة جواً مثل AWACS التي تكشف الأهداف عبر ارتداد الموجات الكهرومغناطيسية. وتسهّل أسراب المسيرات اكتشافها جماعيًا، إذ يُضاعف تجمعها المقطع الراداري الكلي (RCS - المساحة الظاهرة للرادار) رغم صغر حجم كل وحدة (~0.1 م²). هنا يكمن الخطأ التكتيكي الإيراني: فقد كانت أسراب المسيرات في المراحل الأولى من الحرب الحالية تزيد كفاءة الكشف بنسبة 300% مقارنة بالطائرات المنفردة، وتحولت هذه الكثافة إلى ميزة دفاعية لإسرائيل، فالتعرف على 100 طائرة مجتمعة أسهل بكثير من تعقب طائرة واحدة متسللة، واعتراض سرب كامل أقل كلفة بنحو سبع مرات من مواجهة هجمات متناثرة. ويبدو أن إيران، بعد أن خسرت المئات منها، أدركت أخيرًا أنّ إرسال دفعات محدودة من المسيّرات يكبّد إسرائيل خسائر أكبر، كما شهدنا على مدار الأيام الأربعة الماضية. خرائط التدمير الرقمية تعتمد إسرائيل في هجماتها على نقاط الضعف الرقمية الإيرانية، بدءاً باختراق الشبكات المدنية حيث لا تسرق البيانات فحسب، بل تحدد مواقع ضباط الحرس الثوري بدقة تصل إلى 15 مترًا، وتحوّلها إلى أهداف دقيقة لتوجيه الضربات الجوية. فإيران، بتركيزها المفرط على "القوة العمياء" أي منظومتها الصاروخية وطائراتها المسيّرة، فتحت الباب لهجمات إسرائيلية أكثر فعالية. ففي السنوات الماضية استغلت إسرائيل ثغرات شبكات الاتصال لتحديد مخازن الأسلحة ومصانع الصواريخ ومنشآت التخصيب وقادة الحرس والعلماء النوويين. تتجلّى المفارقة بين تخلف بنية الاتصالات وتقدّم القوة الصاروخية والطائرات المسيّرة بشكل أوضح عند النظر إلى الإنفاق؛ إذ تخصص إيران 23 دولارًا لتعزيز أسطول طائراتها المسيّرة مقابل كل دولار واحد تنفقه على تطوير شبكات الاتصالات. أما التقارير الأخيرة التي تزعم ضبط شبكات تجسّس لصالح الموساد واكتشاف عددٍ ضخمٍ من العملاء فجأة تحت وطأة القصف الإسرائيلي، تبدو محاولات يائسة للتغطية على الفشل. الواقع أن أسرار الحرس الثوري والبرنامج النووي التي سُرقت في الأمس القريب بسبب تخلف بنية الاتصالات هي التي تُستخدم بالدرجة الأولى اليوم لاستهدافهما.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store