
ما بعد دخول الولايات المتحدة الحرب الجارية ضد إيران
مازالت الحرب الجارية بين إسرائيل وإيران تمثل فرصة مهمة لاختبار العديد من المقولات والافتراضات، خاصة بعد دخول الولايات المتحدة طرفا مباشرا فى هذه الحرب من خلال تنفيذها ضربات مباشرة لعدد من المنشآت النووية فجر أمس باستخدام قاذفات B-2 Spirit. الحرب أسهمت فى تراجع الاعتماد على الوكلاء، ومن ثم تراجع نموذج الحرب بالوكالة بشكل كبير. ومثلت فرصة كبيرة لاختبار علاقات صدق علاقات الشراكة بين إيران والقوى الصاعدة فى النظام العالمى (الصين وروسيا)، ومدى استعداد الأخيرة لحماية إحدى نقاط ارتكاز مهمة لهذه القوى، ليس بالضرورة من خلال تدخل عسكرى، لكن على الأقل من خلال التدخل السياسى لدى الولايات المتحدة وإسرائيل. صحيح أن الشريكين الصينى والروسى مارسا هجوما، بدرجات مختلفة، على الولايات المتحدة وإسرائيل داخل مجلس الأمن، لكن هذا لم يكن كافيا لوقف الحرب أو ردع إسرائيل والولايات المتحدة عن الاستمرار فى ضرب إيران، ما يشير إلى أن هناك حدودا أو سقفا ــ حتى الآن ــ لاستعداد أو لقدرة هذه القوى الصاعدة على حماية شركائها داخل النظام العالمى قيد التشكل.
قد لا يكون ذلك استنتاجا نهائيا، فقد يرتبط ذلك مرحليا بحسابات القوى الصاعدة، والموازنة الاستراتيجية الدقيقة بين تكاليف التدخل والحماية من ناحية، والمكاسب التى يمكن أن تنجم عن هذا التدخل، من ناحية أخرى. لكن فى جميع الحالات، فإن الواقع يشير إلى أن إحدى الخلاصات المهمة للحرب الجارية ــ حتى الآن ــ أن هناك سقفا لحدود الاعتماد على القوى الصاعدة، وهى خلاصة ستمثل بلا شك محددا مهما فى بناء التحالفات والمحاور الدولية والإقليمية خلال المرحلة المقبلة، خاصة فى منطقة آسيا المحيط الهادي، ومنطقة الإندوباسيفيك بشكل عام. هذه الخلاصة تأكدت فى إقليم الشرق الأوسط مرتين خلال أقل من عام، كانت الأولى مع تخلى روسيا عن حليفها نظام بشار الأسد فى مواجهة المعارضة المحلية، وجاءت الحرب الجارية لتؤكد هذه الخلاصة مرة ثانية.
مرة أخرى، قد يرتبط ذلك بحسابات مرحلية لهذه القوى، لكنها فى الأغلب ستكون حالة طويلة الأمد نسبيا، وقد يكون عدم التدخل لدعم الحلفاء/ الشركاء سمة هيكلية لإحدى هذه القوى وجزءا من عقيدتها الاستراتيجية، أو امتدادا لطبيعة نظامها الثقافى الداخلي.
هذه الحقائق تؤسس لاستنتاج آخر وهو أننا سنظل فى مرحلة الأحادية القطبية القائمة بقيادة الولايات المتحدة لفترة غير محددة. ويمكن القول إن الحرب الجارية، بعد تدخل الولايات المتحدة، أشبه بحرب الخليج الثانية (1990/1991)؛ فإذا كانت الأخيرة قد مثلت توثيقا أو «شهادة موت» النظام ثنائى القطبية وميلاد النظام أحادى القطبية بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، فإن قرار الولايات المتحدة بالتدخل فى الحرب الجارية ضد إيران هو أقرب إلى شهادة بإطالة حياة النظام أحادى القطبية إلى أمد غير معلوم فى المدى المنظور.
هذا التدخل الأمريكى قد يتبعه حزمة أخرى من القرارات والسياسات لتأكيد الخلاصة نفسها. لقد كان من المتوقع أن تركز إدارة ترامب على المواجهة المباشرة مع الصين وروسيا كمدخل لحسم الصراع الجارى على قمة النظام العالمى للحفاظ على النظام أحادى القطبية، لكن الواضح أن التركيز قد يكون ــ فى الأغلب وحتى الآن ــ على حسم الصراع أولا فى «المناطق الطرفية»، بعيدا عن مركز النظام العالمى أو قمته.
التدخل الأمريكى المباشر فى الحرب الجارية ضد إيران يبدو فى أحد وجوهه دعما للحليف الإسرائيلي، لكنه ليس بعيدا عن الصراع الجارى على قمة النظام العالمي، خاصة إذا أخذنا فى الاعتبار طبيعة الأسلحة الأمريكية المستخدمة، وطبيعة الأهداف التى تم العمل عليها. بهذه الطريقة، تكون الإدارة الأمريكية الراهنة قد نجحت فى تأجيل الصدام العسكرى مع القوى الصاعدة إلى أجل غير مسمى، دون أن ينفى ذلك أن دقة وصلابة هذه الاستنتاجات ستظل بلا شك مرهونة بردود الفعل الإيرانية على الضربات الأمريكية التى تم تنفيذها ضد المنشآت النووية، ومرهونة أيضا بالنتائج النهائية للحرب، وبالطريقة التى ستنتهى بها، وإن كان من غير المتوقع أن تمثل ردود الفعل الإيرانية نقطة تحول استراتيجية فى مسار الحرب.
الجانب الإسرائيلى قد ينتقل إلى التركيز على هدف آخر، وضعه ضمن أهدافه منذ اليوم الأول، وهو إزاحة النظام الإيرانى القائم، على أمل بناء نظام جديد ينطلق من قناعات مغايرة؛ بمعنى بناء نظام بديل يتخلى عن المشروع النووي؛ انطلاقا من أن هذا المشروع مثل أساسا لعلاقات صراعية مع الغرب ودول الإقليم وعبئا على الاقتصاد الإيرانى والسياسة الخارجية الإيرانية، والتخلى كذلك عن العلاقة الصراعية مع إسرائيل. مازالت الرسائل الصادرة عن الولايات المتحدة أنها لا تسعى إلى تغيير النظام فى إيران، وأنها تختلف مع إسرائيل فى أولوية هذا الهدف. قد يكون الموقف الأمريكى ــ فى حالة صِدْقِه ــ مدفوعا بالخبرة الأمريكية فى إزاحة الأنظمة السياسية بالقوة العسكرية؛ إذ تشير هذه الخبرة إلى أنه يمكن تحقيق هذه الإزاحة، لكن من الصعب بناء نظام بديل حليف ومستقر، وهو ما أكدته تجربتا أفغانستان وليبيا وغيرهما. ومدفوعا أيضا بتعقد الحالة الإيرانية. لكن مع ذلك، لا يمكن الوثوق بالرسائل الصادرة عن الولايات المتحدة، والتى قد تمثل جزءا من سياسة «الغموض الاستراتيجي» التى مارستها ــ ومازالت ــ الإدارة الأمريكية منذ ما قبل بدء العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد إيران. ويرجح هذا الاحتمال عاملان آخران.
أولهما: مستوى التنسيق الذى وصلت إليه العلاقات الأمريكية ــ الإسرائيلية فى الحرب، الأمر الذى يعنى إمكان التأثير الإسرائيلى على ترتيب الأهداف الأمريكية فى الحرب.
وثانيهما: أن إزاحة النظام القائم قد لا يرتبط به بالضرورة هدف إقامة بناء نظام إيرانى بديل؛ فقد يكون الهدف هو إدخال إيران والإقليم فى حالة من الفوضى.
هذه الفوضى ستسهم، أولا، فى خروج المشروع النووى عن السيطرة وتراجعه كأولوية كأمر واقع. كما أنها تمثل، ثانيا، عاملا محفزا على ضمان خروج إيران من معادلات القوة فى الإقليم. أضف إلى ذلك اعتياد الولايات المتحدة والغرب على حالات الفوضى التى نجمت عن إزاحة العديد من الأنظمة.
------------------------------------------------
إن الحرب الجارية، بعد تدخل الولايات المتحدة، أشبه بحرب الخليج الثانية (1990/ 1991)؛ فإذا كانت الأخيرة قد مثلت توثيقا أو «شهادة موت» النظام ثنائى القطبية وميلاد النظام أحادى القطبية بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، فإن قرار الولايات المتحدة بالتدخل فى الحرب الجارية ضد إيران هو أقرب إلى شهادة بإطالة حياة النظام أحادى القطبية إلى أمد غير معلوم فى المدى المنظور.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الصباح العربي
منذ 33 دقائق
- الصباح العربي
اخبار حرب ايران واسرائيل الان - عودة قاذفات B-2 إلى ميزوري تثير جدلاً واسعًا بعد ضرب المواقع النووية الإيرانية
وصل طيارو قاذفات B-2 إلى قاعدة عسكرية في ولاية ميزوري الأميركية عقب تنفيذ ضربات جوية استهدفت منشآت نووية داخل الأراضي الإيرانية، حيث نشر الرئيس الأميركي دونالد ترامب مقاطع مصورة ترصد لحظة عودتهم، ووجه إليهم رسالة شكر مشيدًا بما وصفه بـ"الأداء المذهل" خلال تنفيذ المهمة. واستخدم ترامب، عبر حسابه الرسمي على منصة "تروث سوشيال"، لهجة تصعيدية تجاه النظام الإيراني، حيث تساءل بشكل غير مباشر عن جدوى استمراره، ملمحًا إلى ضرورة التغيير في حال فشلت السلطات الإيرانية في الارتقاء بالبلاد إلى المكانة التي تستحقها، دون أن يذكر بشكل صريح الدعوة إلى إسقاط النظام، مكتفيًا بالقول إن مصطلح "تغيير النظام" لم يعد محبذًا سياسيًا، لكن الواقع يفرض طرحه. وأكد ترامب في منشوراته أن القوات الأميركية نفذت ضربات عالية الدقة على منشآت نووية حساسة داخل إيران، مشيرًا إلى أن الجيش الأميركي أظهر احترافية متقدمة في تنفيذ العملية، وأن النتائج الميدانية أوضحت حجم الضرر الذي طال تلك المنشآت، واصفًا الخسائر التي لحقت بالمواقع الإيرانية بأنها "كبيرة للغاية". وسلطت شبكة "فوكس نيوز" الضوء على دور نسائي في العملية، كاشفة عن تولي قائدة أميركية مسؤولية إحدى قاذفات B-2 التي قصفت منشأة فوردو النووية، وهي المنشأة التي تقع على عمق كبير تحت الأرض وتُعد من أبرز مراكز تخصيب اليورانيوم في إيران. وفي وقت سابق، تحدث ترامب عن الضربة الأميركية عبر بيان رسمي، مؤكدًا أن الهجوم استهدف ثلاث مواقع نووية مركزية شملت مجمعات في فوردو، نطنز وأصفهان، وأشار إلى أن قاذفات الشبح أسقطت حمولتها الكاملة من القنابل على فوردو، ما يعكس الطابع الحاسم للعملية التي نُفذت تحت غطاء من السرية والتخطيط المشترك بين أفرع مختلفة من الجيش الأميركي.


الكنانة
منذ 37 دقائق
- الكنانة
ترامب إذا كان نظام إيران غير قادر على جعلها عظيمة مرة أخرى لماذا لا يكون هناك تغيير فيه
ترامب إذا كان نظام إيران غير قادر على جعلها عظيمة مرة أخرى لماذا لا يكون هناك تغيير فيه صفاء مصطفي……..الكنانة نيوز تساءل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لماذا لا يكون هناك تغيير في النظام في ايران إذا كان النظام الإيراني الحالي غير قادر على 'جعل إيران عظيمة مرة أخرى'. وفي حسابه على منصة 'تروث سوشال'، كتب ترامب: 'ليس من الصحيح سياسيا استخدام مصطلح 'تغيير النظام'، ولكن إذا كان النظام الإيراني الحالي غير قادر على جعل إيران عظيمة مرة أخرى.. لماذا لا يكون هناك تغيير في النظام في ايران؟' وأنهى ترامب منشوره بكلمة 'MIGA'، بما يرمز إلى 'MAKE IRAN GREAT AGAIN'، أي لنجعل إيران عظيمة مجددا، وهو مقتبس من شعار حملته 'MAGA'، أي 'MAKE AMERICA GREAT AGAIN' (لنجعل أمريكا عظيمة مجددا'.

فيتو
منذ ساعة واحدة
- فيتو
مدير وكالة الطاقة الذرية يكشف حجم الضرر في منشآت إيران النووية بعد القصف الأمريكي
قدم المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل جروسي، لمجلس الأمن الدولي، وصفا لحالة المواقع النووية الإيرانية الثلاثة التي تم استهدافها بالضربات الأمريكية. وقال جروسي، خلال الاجتماع الطارئ لمجلس الأمن في نيويورك، إن حفرا تظهر بوضوح في منشأة فوردو لتخصيب اليورانيوم بالغة التحصين تحت الأرض. وأضاف جروسي: "في الوقت الحالي، لا أحد بما في ذلك الوكالة الدولية للطاقة الذرية قادر على تقييم حجم الأضرار تحت الأرض في منشأة فوردو". وذكر جروسي أن المداخل إلى أنفاق في أصفهان كانت على ما يبدو تستخدم لتخزين مواد مخصبة، قد تعرضت للقصف. وفي الموقع الثالث، في نطنز، تعرضت منشأة لتخصيب اليورانيوم للقصف. وحسبما قال جروسي أمام مجلس الأمن فإن إيران أبلغت الوكالة بأنه لم يتم تسجيل أي زيادة في مستويات الإشعاع خارج المنشآت الثلاث. وكان مسئولون قد قالوا قبل هجوم إسرائيل على إيران في 13 يونيو إن معظم اليورانيوم الإيراني عالي التخصيب كان مخزنا تحت الأرض في أصفهان. وأكد مسؤولون إيرانيون أنه سيتم اتخاذ تدابير لحماية المواد النووية لإيران دون إبلاغ الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وردّ جروسي على ذلك قائلا إن بإمكان إيران القيام بذلك بطريقة تحترم ما يُعرف بالتزاماتها في إطار اتفاق الضمانات بموجب معاهدة حظر الانتشار النووي. وأضاف جروسي أمام مجلس الأمن "يمكن لإيران اتخاذ أي تدابير خاصة لحماية موادها ومعداتها النووية وفقا لالتزاماتها بالضمانات والوكالة. هذا أمر ممكن". وتعقد الوكالة الدولية للطاقة الذرية "اجتماعا طارئا" في مقرها في فيينا الإثنين، بحسب ما أعلن جروسي والذي كتب على 'إكس'أمس الأحد: "نظرا للوضع في إيران، أدعو إلى اجتماع طارئ لمجلس المحافظين اليوم". ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.