logo
صراع الهويات المميت في الشرق الأوسط

صراع الهويات المميت في الشرق الأوسط

الشرق الأوسطمنذ يوم واحد

الاشتباك المميت بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية وبين إسرائيل، الذي يجري أمام العالم اليوم، في جزء منه هو صراع هويات، ولكنه صراع مرير ومكلف في الوقت نفسه. لا أحد يعرف اليوم على وجه اليقين كيف يمكن أن ينتهي هذا الصراع، ولا جذوره في فهم الهوية الوطنية، وطريقة تطبيقها في الدولة الحديثة، هل تبقى في حدود الدولة، أم هي عابرة للدول والحدود؟
الدولة المدنية الحديثة ليست دينية بالمعنى الشامل، ولا معادية للدين، بل تضمن حرية المعتقد لكل المذاهب، وتفصل الدين عن المؤسسات السياسية، ولا تفرض مذهباً رسمياً، وتحترم التعددية الدينية.
وصل الإنسان إلى ذلك المكان لضرورات جغرافية وسياسية وحياتية، لعل جذورها القديمة هو الصراع الديني المميت في أوروبا في العصور الوسطى، وقد كان صراعاً مذهبيّاً يرغب المذهب الواحد أن يسود على الآخرين، ولكن كل تلك الحروب فشلت في حلّ تلك المسألة، ليتوافق دارسو التاريخ لمبدأين؛ الأول حياد الدولة مذهبياً، والثاني عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان المختلفة، من أجل فرض طريقة تفكير وإيمان خاص، وقد تأكدت الفكرة مع صلح وستفاليا عام 1648، بعد حروب طاحنة. هذا الصلح أنهى ما عرف بالحروب الدينية، وأرسى قاعدة ما عرف بالدولة ذات السيادة في نطاق حدودها الجغرافية.
الاستعمار الحديث بعد الحرب العالمية الأولى استخدم التدخلات في شؤون الآخرين ذريعة لفرض السيطرة، وإدخال هذه المجتمعات كما قيل، إلى ساحة الحضارة، إلا أن الحربين العالميتين الضروسين كشفتا فداحة الضرر الذي تسببه محاولة التدخل في شؤون الدول الأخرى، لذلك دخلت المجتمعات في ذلك الوقت في صراعات كارثية، على إثرها تلاشت الإمبراطوريات التقليدية القديمة.
سيادة الدولة في القانون الدولي هي مبدأ أساسي، أكّدها ميثاق الأمم المتحدة في المادة اثنين، الفقرة سبعة، وتخضع أيضاً للضرورات الجغرافية، فالدول المتجاورة تربطها مصالح مشتركة، وتدخل بعضها في شؤون بعض يؤدي غالباً إلى التوتر أو المواجهة، من هنا بدأ الحديث عما يسمى بمبدأ حسن الجوار، وهو يقضي باحترام الحدود، وحلّ الخلافات البينية بالحوار، وفق مواثيق إقليمية ودولية محترمة من الجميع.
كثير من الدول العربية في التاريخ الحديث امتنعت عن التدخل المباشر في بداية عهدها الاستقلالي، وقد أنشئت الجامعة العربية احتراماً لهذا المبدأ، التعاون دون صراع، إلا أن دولاً في الجوار بسبب الحالة الثورية التي عصفت بالمنطقة العربية، بدأت مطلع خمسينات القرن الماضي، بدأت بتجاوز ذلك المبدأ، وطفقت في التدخل المباشر في شؤون الآخرين، تحت شعارات زاعقة. وبالتالي، حدث تمزق في مجتمعات تلك الدول، التي تمّ التدخل في شؤونها، حدث ذلك أيضاً في أفريقيا بعد الانتهاء من الاستعمار المباشر، ولكن الأفارقة انتبهوا إلى أهمية السيادة للدولة الوطنية، وعدم التدخل في شؤونها، لذلك شكلوا تنظيمات قانونية لحل الخلافات البينية.
الغزو العراقي للكويت عام 1990 هو حالة واضحة من التدخل في شؤون الجوار، تحت شعارات مختلفة ولأسباب ملتبسة، ما أفقد العراق في نهاية الأمر شيئاً من استقراره، وأدخله في أزمة طويلة المدى حتى الآن لم يتعافَ منها، وقد وقفت دول الجوار بصرامة ضد ذلك التدخل.
فتح باب التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى تحت ذرائع مختلفة، هو أصل الشرور في منطقتنا في التاريخ المعاصر، ولم تكن الجمهورية الإسلامية بعيدة عن السير على ما سارت عليه الدول الثورية، فقامت لأسبابها الخاصة، وتحت شعارات مختلفة، بالتدخل في شؤون الجوار، ما أفقد المنظومة الإقليمية ثقة بعضها ببعض، وفقدت حدّاً أدنى من التآزر الجواري.
وقد أدّى فيما أدّى إلى فقدان الشرعية لعدد من البلدان، وإلى حروب داخلية طاحنة، وتعطل الدولة والاضطراب الخطير المشاهد في منطقتنا.
تجارب التاريخ تقول لنا إن فتح باب التدخل في الشؤون الداخلية من دولة في الجوار إلى محيطها، غالباً ما يؤدي إلى استنزاف الموارد، وبتكاليف مرتفعة، ويؤسس للحروب، ويسمم العلاقات ويضعف الثقة.
جزء من الصراع الدائر اليوم بين الجمهورية الإسلامية في إيران وبين إسرائيل هو تبني الأولى أذرعاً مختلفة في المناطق المحيطة جغرافيّاً بإسرائيل، ما خلق سلسلة من الأزمات وردود الفعل، انتهت بما نشهده من صراع، قد يتفاقم ليفجر المنطقة بأسرها.
تلك بذرة الصراع المشاهد اليوم، الذي تطور ويتطور إلى أن يصبح شبه عالمي.
كل الجهود المبذولة في التنمية يمكن أن تتبخر في وقت قصير، إن نشب صراع واسع، فقد ثبت تكراراً أن الحروب مكلفة، ولها تبعاتها السلبية الطويلة، وهي أيضاً معدية.
آخر الكلام...
الحروب تدمر الأرواح، وتخرب الأوطان، وتزرع الكراهية.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

وكالة: قاذفات بي-2 شاركت في الضربة الأمريكية على إيران
وكالة: قاذفات بي-2 شاركت في الضربة الأمريكية على إيران

أرقام

timeمنذ 16 دقائق

  • أرقام

وكالة: قاذفات بي-2 شاركت في الضربة الأمريكية على إيران

أفاد مسؤول أمريكي في تصريح لوكالة "رويترز" بان قاذفات أمريكية من طراز "بي-2" شاركت في الضربات التي شنتها الولايات المتحدة على مواقع نووية إيرانية فجر الأحد. يأتي ذلك بعد إعلان الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" قبل قليل عن قصف 3 مواقع نووية إيرانية، بما في ذلك فوردو ونطنز وأصفهان.

ترامب يعتزم إلقاء خطاب بشأن الهجوم على إيران
ترامب يعتزم إلقاء خطاب بشأن الهجوم على إيران

أرقام

timeمنذ 17 دقائق

  • أرقام

ترامب يعتزم إلقاء خطاب بشأن الهجوم على إيران

أعلن الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" أنه سيُلقي خطاباً من البيت الأبيض في تمام الساعة العاشرة مساءً بالتوقيت المحلي بخصوص الضربة العسكرية على إيران. وذكر في منشور عبر منصة "تروث سوشيال" أنه بات يتعين على إيران الموافقة على إنهاء تلك الحرب، وأن هذه تعد لحظة انتصار للولايات المتحدة، وإسرائيل، والعالم أجمع. وذلك بعدما كتب في منشور عبر منصة "تروث سوشيال" فجر الأحد أن القوات الجوية الأمريكية شنت هجمات جوية على مواقع نووية إيرانية، منها فوردو ونطنز وأصفهان. وذكرت وكالة "رويترز" نقلاً عن مسؤول أمريكي رفض الإفصاح عن هويته، أن أمريكا استخدمت قاذفات "بي-2" في هذه العملية.

صحيفة: عدد من كبار مسؤولي الأمن القومي الأمريكي مجتمعين في البيت الأبيض
صحيفة: عدد من كبار مسؤولي الأمن القومي الأمريكي مجتمعين في البيت الأبيض

أرقام

timeمنذ 17 دقائق

  • أرقام

صحيفة: عدد من كبار مسؤولي الأمن القومي الأمريكي مجتمعين في البيت الأبيض

انضم "جون راتكليف" مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، إلى مسؤولين آخرين، بمن فيهم "ماركو روبيو" مستشار الأمن القومي ووزير الخارجية إلى اجتماع في غرفة العمليات بالبيت الأبيض لمتابعة الضربات على إيران وتداعياتها، وفقاً لما ذكرته صحيفة "نيويورك تايمز". وأوضحت الصحيفة نقلاً عن مسؤولين أمريكيين، أن "راتكليف" ظل يُطلع الرئيس "ترامب" والبيت الأبيض بانتظام على مدار الأسبوع الماضي على البرنامج النووي الإيراني.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store