ترامب يؤكد تدمير مواقع نووية إيرانية ويحذّر طهران من التصعيد
واشنطن - أكد الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن الضربات الجوية الأميركية على إيران، فجر الأحد، "دمّرت بشكل تام وكامل" ثلاث منشآت نووية مستهدفة، وهدّد بضربات أخرى أشدّ إذا لم تسعَ طهران إلى السلام أو بادرت إلى الرد.
وفي خطاب متلفز من البيت الأبيض، بعد انضمام بلاده إلى العملية العسكرية الإسرائيلية على الجمهورية الإيرانية، وصف ترامب الهجمات الأميركية بأنها "نجاح عسكري باهر".
وكان ترامب أعلن، قبيل ذلك، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أن طائرات أميركية استهدفت منشآت فوردو ونطنز وأصفهان النووية في إيران.
وتعهّدت إيران بالرد على القوات الأميركية الموجودة في المنطقة، إذا تدخلت واشنطن في الحرب.
وقال الرئيس الأميركي في خطابه القصير: "تم تدمير منشآت التخصيب النووي الرئيسة في إيران بشكل تام وكامل. على إيران المتنمّرة في الشرق الأوسط أن تصنع السلام الآن".
وأضاف ترامب، الذي كان محاطا بنائبه جاي دي فانس، ووزير الدفاع بيت هيغسيث، ووزير الخارجية ماركو روبيو: "إذا لم يفعلوا ذلك، فإن الهجمات المستقبلية ستكون أكبر وأسهل بكثير".
وكان ترامب قد قال، في وقت سابق عبر منصة "تروث سوشال"، إن "حمولة كاملة من القنابل" أُسقطت على منشأة فوردو الواقعة تحت الأرض، واصفا إياها بأنها "الموقع الرئيسي".
وأكد أن "جميع الطائرات في طريقها إلى الوطن بسلام. تهانينا لمحاربينا الأميركيين العظماء".
"إشعار مسبق" لإسرائيل
وكانت تقارير إعلامية أفادت، مساء السبت، بأن قاذفات أميركية من طراز "بي 2"، القادرة على حمل قنابل خارقة للتحصينات، كانت في طريقها إلى خارج الولايات المتحدة.
ولم يذكر ترامب نوع الطائرات أو الذخائر الأميركية التي استُخدمت في استهداف المنشآت النووية الإيرانية.
في إيران، أفادت وسائل إعلام محلية بأن هجوما طال أجزاء من منشآت فوردو وأصفهان ونطنز النووية.
وأكدت السلطات الإيرانية عدم وجود "أي خطر" على سكان مدينة قم، جنوب طهران، عقب الهجوم الأميركي على منشأة فوردو النووية المبنية في منطقة جبلية قرب المدينة.
وقال "المركز الوطني لنظام السلامة النووية"، التابع لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية، إنه "لم يتم تسجيل أي علامات على تلوث... لذلك لا يوجد أي خطر على السكان الذين يعيشون حول المواقع".
وأعلنت منظمة الطاقة الذرية الإيرانية أن طهران ستواصل أنشطتها النووية رغم الهجمات الأميركية.
وتحدث ترامب إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعد الضربات، وفق مسؤول في البيت الأبيض، قال أيضًا إن واشنطن "أعطت إسرائيل إشعارًا مسبقا قبل الضربات".
وشكر نتنياهو الرئيس الأميركي، معتبرًا أن الضربات الأميركية تثبت أن الولايات المتحدة "لا نظير لها".
كما أكد أن الهجوم تم "بالتنسيق الكامل" مع بلاده، وتوجه إلى مواطنيه قائلا إن وعده بتدمير النووي الإيراني "تم الوفاء به".
وأغلقت إسرائيل مجالها الجوي بعد الهجوم، ورفع الجيش الإسرائيلي مستوى التأهب، مع السماح فقط بالأنشطة الضرورية حتى إشعار آخر.
ويشمل الحظر المعلن في إسرائيل "الأنشطة التعليمية، والتجمعات، والأنشطة في أماكن العمل، باستثناء القطاعات الضرورية".
وجاء الهجوم الأميركي بعد أن صرّح ترامب، الخميس، بأنه سيقرر "خلال أسبوعين" ما إذا كان سينضم إلى حليفته إسرائيل في مهاجمة إيران، لكنه حسم قراره قبل ذلك بكثير.
وصعّد الرئيس الأميركي من لهجته ضد إيران في الأيام الأخيرة، مكررا إصراره على أنها لا يمكن أن تمتلك سلاحا نوويا أبدا.
وتبادلت إسرائيل وإيران موجات متتالية من الضربات، منذ بدأت إسرائيل حملتها الجوية في 13 حزيران، بعد اعتبارها أن طهران على وشك تطوير سلاح نووي.
وتوعّد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، السبت، برد "أكثر تدميرا" إذا استمرت حملة القصف الإسرائيلية المتواصلة منذ تسعة أيام، قائلا إن الجمهورية الإسلامية لن توقف برنامجها النووي "تحت أي ظرف من الظروف".
وقالت إسرائيل، السبت، إنها هاجمت موقع أصفهان النووي الإيراني للمرة الثانية، فيما أفادت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن منشأة لتصنيع أجهزة الطرد المركزي تعرضت للقصف.
وأعلن الحرس الثوري الإيراني، فجر الأحد، إطلاق "طائرات مسيّرة انتحارية" ضد "أهداف استراتيجية" في أنحاء إسرائيل.
وتنفي إيران سعيها لتطوير قنبلة ذرية، وقد شدد بزشكيان، السبت، على أن حق بلاده في برنامج نووي سلمي "لا يمكن أن يُنتزع... بالتهديدات أو الحرب".
وزار وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، إسطنبول، السبت، لحضور اجتماع منظمة التعاون الإسلامي لمناقشة النزاع.
وكان وزراء خارجية بريطانيا وفرنسا وألمانيا قد التقوا عراقجي في جنيف، الجمعة، وحثوه على استئناف المحادثات النووية مع الولايات المتحدة، التي توقفت مع بدء الحرب.
وأدانت حركة حماس الفلسطينية "العدوان الغاشم" على إيران، محملةً واشنطن وتل أبيب "المسؤولية الكاملة عن التداعيات الخطيرة" له.
كما دان المكتب السياسي لحركة "أنصار الله" في اليمن "العدوان الأميركي الغاشم والجبان الذي استهدف الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومنشآتها النووية".
وقال الحوثيون في بيان إن الهجوم يمثل "عدوانا سافرا على دولة ذات سيادة، وانتهاكا صارخا لكل القوانين والمواثيق الدولية، وتصعيدا خطيرا، وتهديدا مباشرا للأمن والسلم الإقليمي والدولي".
وكان الحوثيون قد هددوا، عشية الهجمات الأميركية، باستهداف السفن الأميركية في البحر الأحمر، في حال تدخلت واشنطن إلى جانب إسرائيل.
واعتبر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الهجمات الأميركية "تصعيدا خطيرا في منطقة على حافة الهاوية".
وقال في بيان: "في هذه اللحظة الحرجة، من الضروري تجنب دوامة الفوضى"، مضيفا: "لا يوجد حل عسكري. السبيل الوحيد للمضي قدما هو الدبلوماسية. الأمل الوحيد هو السلام".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


هلا اخبار
منذ 24 دقائق
- هلا اخبار
الموافقة على غلق مضيق هرمز.. خبراء يحذرون من أزمة طاقة وسلاسل توريد
هلا أخبار – وافق البرلمان الإيراني على غلق مضيق هرمز، وفق ما نقلت الوكالة الفرنسية، فيما يبقى القرار النهائي بشأن الإجراء مرهون بموافقة أعلى هيئة أمنية. الممر المائي الإستراتيجي يفصل بين الخليج العربي وخليج عمان، ويقع بين السواحل الإيرانية شمالاً والعمانية والإماراتية جنوباً. يبلغ عرضه حوالي 33 كم (18 ميلاً بحرياً) في أضيق نقطة، لكن الممرات الصالحة للملاحة لا تتجاوز 10-12 كم فقط (مقسّمة إلى ممرين بواقع 2 كم للملاحة في كل اتجاه، مع منطقة عازلة بينهما). يعد أحد أهم ممرات الطاقة في العالم، حيث يُمرّ عبره نحو 20 بالمئة، من إنتاج النفط العالمي، أي ما يقارب 17-18 مليون برميل يومياً، معظمها متجه إلى آسيا وأوروبا. في هذا السياق، حذّرت د. مها الشيخ، أستاذة سلاسل التوريد العالمية في جامعة الشرق الأوسط، من أن إغلاق مضيق هرمز بسبب التصعيد بين إيران وإسرائيل يشكل تهديداً مباشراً لاستقرار أسواق الطاقة وسلاسل التوريد العالمية، مؤكدة أن التأثير سيكون تدريجياً لا فوريّاً، ويعتمد على مدة الإغلاق وطبيعة الحلول الدولية المتاحة. وفي مقابلة مباشرة ضمن برنامج 'عوافي' عبر إذاعة جيش FM – إذاعة القوات المسلحة الأردنية – قالت الشيخ إن المضيق يُعد ممراً حيوياً يمرّ عبره ما يقارب 20 مليون برميل نفط يومياً، أي نحو خمس الاستهلاك العالمي، موضحة أن تعطيله يعني اضطراباً كبيراً في الإمدادات النفطية وارتفاعاً في أسعار الطاقة وتكاليف الشحن، ما ينعكس بدوره على تضخم أسعار الغذاء ونقص المواد الخام. وأضافت أن الشرق الأوسط سيتأثر بشكل أكبر من غيره بحكم موقعه الجغرافي واعتماده على الممرات الحيوية، مشيرة إلى أن المنطقة تفتقر إلى المرونة الكافية في تنويع مصادر الطاقة ولا تمتلك مخزونات استراتيجية كافية. وبشأن التأثير المحلي، أكدت د. الشيخ أن الأردن لن يتأثر فورياً بالإغلاق، لكونه يمتلك مخزونات آمنة وخطط طوارئ تم إعدادها منذ عام 2016، إلا أن استمرار الأزمة لفترة طويلة قد يرفع تكاليف الشحن ويؤثر على بعض الواردات والقطاعات الإنتاجية كالزراعة. ودعت إلى تجنب التهويل الإعلامي والإشاعات المتداولة عبر وسائل التواصل، مؤكدة أن الحكومة الأردنية مستعدة بخطط بديلة لضمان استمرارية تدفق السلع والطاقة، وأن الأسواق المحلية لا تزال مستقرة. 'العالم يواجه أزمة بنيوية في سلاسل التوريد، تفاقمت بسبب الحرب'، بحسبها، لكنها استدركت بأن الحلول الدبلوماسية والجلوس إلى طاولة المفاوضات – كما ألمحت الولايات المتحدة – قد تسهم في احتواء التصعيد وتخفيف حدّة الأزمة في المدى القريب. وفي آخر ردود الفعل السياسي على الضربة الأمريكية للمنشآت النووية الإيرانية فجر الأحد، اتهمت إيران الإدارة الأميركية بالخضوع لنفوذ إسرائيل، محذّرة من تداعيات خطيرة على الأمن الإقليمي، وذلك بعد ساعات من إعلان واشنطن تنفيذ ضربات جوية استهدفت منشآت نووية داخل الأراضي الإيرانية. وقال عباس عراقجي، وزير الخارجية الإيراني، في تصريح رسمي إن 'الهجوم الأميركي على منشآتنا النووية جريمة دولية لا تُغتفر'، مؤكداً أن 'البيت الأبيض واقع تحت نفوذ إسرائيل ورئيس وزرائها بنيامين نتنياهو'. وشدد عراقجي على أن إيران 'لن تدخل في أي حوار مع واشنطن ما دام العدوان الإسرائيلي مستمراً'، مضيفاً أن 'برنامج إيران النووي ليس مستورداً كي يُمحى بالقصف، بل هو ثمرة علم وطني أنتجه علماؤنا'. وأكد أن 'المباني قد تُدمّر، لكن المعرفة لا تُمحى، وسنعيد بناء كل ما تم استهدافه'. من جهة أخرى، أعلن وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث أن 'العملية ضد إيران كانت جريئة ورائعة'، مشيراً إلى أنها استهدفت 'ثلاث منشآت نووية محددة الأهداف' دون استهداف 'القوات أو الشعب الإيراني'. وأضاف هيغسيث أن 'الضربات نجحت في تدمير البرنامج النووي الإيراني بشكل ساحق'، مشدداً على أن الرئيس دونالد ترامب كان واضحاً منذ أكثر من عقد بأن 'إيران يجب ألا تمتلك سلاحاً نووياً'. واعتبر عراقجي أن 'تدخل واشنطن في هذه المواجهة خطأ جسيم قد يشعل حرباً إقليمية تمتد إلى ما هو أبعد من الشرق الأوسط'، مؤكداً أن بلاده 'ستبقى ثابتة في الدفاع عن حقوقها وستُفشل مخططات أعدائها'.


العرب اليوم
منذ 32 دقائق
- العرب اليوم
فوردو.. تهويل ترامب وتهوين إيران
ولما كان اليوم العاشر من العدوان الإسرائيلى على إيران، دخل الرئيس الأمريكى دونالد ترامب رسميا الحرب بجانب إسرائيل، بعد أن كان قد دخلها فعليا منذ اللحظة الأولى، لكن من دون إعلان رسمى. ترامب أعلن فجر أمس الأحد أن القاذقات الأمريكية قد هاجمت المواقع النووية الإيرانية الثلاثة فى نطنز وأصفهان وفوردو. وإلى أن نعرف الحقيقة كاملة فى المستقبل فإن الملاحظة الأساسية هى أن ترامب يهول كثيرا من حجم الضربة، وأن إيران تهون كثيرا منها، والنتيجة أننا لا يمكن أن نصل إلى الحقيقة حتى إشعار آخر، وسوف نظل نتعرض لبيانات دعائية من كلا الجانبين، وتلك سمة لكل الحروب تقريبا قديمها وحديثها، باستثناء ما يتم حسمها بالضربة القاضية على غرار القنبلة النووية الامريكية على هيروشيما وناجازاكى فى صيف 1945. ترامب وبعد أن مارس طريقته المعتادة فى تناقض تصريحاته، وبعد أن أربك إيران كثيرا حتى قبل بدء العدوان الإسرائيلى فى ١٣ يونيو الحالى، اتخذ قرار الهجوم، رغم أنه مساء يوم الجمعة الماضى، قال إنه يمهل إيران أسبوعين لتقرر الاستسلام غير المشروط، وتوقف التخصيب تماما. ترامب أعلن فجر أمس أن «العملية حققت نجاحا باهرا ودمرت المواقع الثلاثة تماما، وأن إيران لم تعد تملك القدرة على أن تصبح قوة نووية. ترامب قال أيضا إن إيران إذا لم تتخل عن برنامجها النووى فسوف تواجه هجمات مستقبلية أسوأ بكثير وأسهل بكثير، وهناك أهداف كثيرة متبقية سنقوم بملاحقتها بسرعة ودقة ومهارة». فى المقابل فإن رد الفعل الإيرانى كان التهوين الشديد. وأفضل مثال على ذلك كانت تصريحات حسن عابدينى المدير السياسى لهيئة الإذاعة والتليفزيون الإيرانية الذى قال إن بلاده كانت قد أخلت المواقع النووية الثلاثة منذ فترة، وإن إيران لم تتعرض لضربة كبيرة لأن المواد النووية أزيلت مسبقا. مركز السلام النووى الإيرانى قال إنه لم يرصد أى تلوث إشعاعى أو تسرب نووى، وطمأن المواطنين بأنه يمكنهم مواصلة حياتهم الطبيعية قرب هذه المواقع. أما أحد نواب البرلمان الإيرانى عن مدينة قم فقال إن أضرار فوردو ليست خطيرة، مطالبا ترامب بأن يكثر من تصنيع التوابيت التى سيعود فيها جنوده الموجودين فى المنطقة! أكثر من مسئول إبرانى أكد أن المواد النووية تم سحبها من هذه المواقع قبل شن إسرائيل عدوانها وأن الحياة تسير بطريقة طبيعية حول هذه المواقع. إذن الصورة الموجودة أمامنا تكشف أن ترامب يقول إنه دمر البرنامج النووى الإيرانى تدميرا كاملا، وإيران ترد وتقول البرنامج سليم وإن ما تم تدميره مجرد فتحة النفق فى منشأة فوردو، وإن الجزء المهم موجود على عمق يبلغ حوالى 100متر أسفل جبل صخرى. وفى ظل هذا التناقض بين رأيين مختلفين فالمؤكد أنه يصعب علينا معرفة حقيقة ما حدث حتى ربما لوقت طويل، أو حينما تتضح النتائج السياسية لهذه المعركة العسكرية. وإذا كنا سنظل فى حيرة بين ما تقوله واشنطن وتل أبيب، وما تنكره طهران فهناك وجهة نظر ثالثة بين هذين الرأيين المتناقضين. هذا الرأى الثالث يقول إنه يصعب تدمير منشأة فوردو وبقية المنشآت النووية تدميرا كاملا بأسلحة تقليدية، لأن ذلك يحتاج قنبلة نووية تكتيكية وليس فقط القنابل الخارقة للأعماق. وحتى لو تمكنت أمريكا وإسرائيل من تدمير هذه المنشآت وأخرت المشروع النووى لسنوات فإن ذلك لن يمنع إيران من الاحتفاظ ببعض اليورانيوم المخصب الذى قد يمكنها مستقبلا من صنع قنابل نووية حتى لو كانت قليلة. لكن الرأى الأهم من وجهة نظر هؤلاء أن إيران صارت تملك المعرفة النظرية ودورة التخصيب الكاملة للبرنامج النووى، وبالتالى فإن فكرة امتلاكها للقنبلة النووية ليست بعيدة المنال، إلا إذا تمكنت إسرائيل وأمريكا والغرب من إسقاط النظام الإيرانى تماما، وهو أمر يبدو صعبا حتى هذه اللحظة. التهويل الأمريكى قد يمكن فهمه فى ضوء شخصية ترامب التى تميل الى المبالغات وتضخيم كل أفعاله، وقد تعنى أنه سوف يكتفى بهذه الضربة فقط ويقنع نتنياهو بوقف الحرب. والتهوين الإيرانى قد يفهم منه أن طهران لا تريد التصعيد مع أمريكا وعدم الرد واسع النطاق على الضربات وامتصاص العملية الأخيرة لإعادة بناء وترميم ما دمره العدوان والوصول إلى اتفاق سياسى.


العرب اليوم
منذ 32 دقائق
- العرب اليوم
ترامب مخادع.. الضربة الأمريكية وما بعدها
لم تنته الحرب.. ولا إيران رفعت الرايات البيضاء. بدت الضربة الأمريكية لثلاث منشآت نووية «نطنز» و«أصفهان» و«فوردو» الحصينة فى أعماق الجبال، كأنها كلمة النهاية فى الحرب الإيرانية الإسرائيلية. بانتشاء بالغ وصف الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» تلك الضربة بـ«الرائعة». قال: «إن إسرائيل الآن آمنة». فى الوقت نفسه دعا إلى ما أسماه «السلام عبر القوة»، مستعيرا التعبير نفسه من قاموس رئيس الوزراء الإسرائيلى «بنيامين نتانياهو». إنه الاستسلام دون قيد، أو شرط. تصور الإسرائيليون أن التدخل العسكرى الأمريكى يمهد الطريق للتوصل إلى «اتفاق جيد»، أو أن يحصدوا بالمفاوضات ما عجزوا عنه بالحرب. ردت إيران بموجات من الصواريخ الباليستية على مواقع استراتيجية إسرائيلية. كانت تلك الضربات الأقوى والأعنف منذ بدء المواجهات. تخيم أشباح الفوضى على الشرق الأوسط، الذى يريده «نتانياهو» أن يرسم خرائطه من جديد دون قدرة على حسم أى حرب بمفرده، أو أن يمتلك أى تصور سياسى لليوم التالى فى غزة، أو إيران. كل سيناريو وارد وكل خطر ماثل فى الإقليم كله تقاس الحروب بنتائجها السياسية وما يترتب عليها من معادلات جديدة فى الصراع المحتدم على مصير الشرق الأوسط. إذا لم نقف مع إيران، نؤيدها وندعمها، فإن العواقب سوف تكون وخيمة. لم يكن المشروع النووى الإيرانى وحده هو صلب التدخل العسكرى الأمريكى. أريد به أن يكون مخرجا سياسيا للمأزق الإسرائيلى المستحكم، أو ترهيب الإيرانيين بضربات أعنف ومآسٍ أكبر إذا لم يقبلوا نوعا من السلام يوافق المتطلبات الإسرائيلية. إذا ما صحت التسريبات الإيرانية المتواترة أنه قد جرى نقل اليورانيوم المخصب إلى أماكن أخرى، فإن المعنى أن ما هو سلمى قد يتحول إلى عمل صريح لإنتاج القنبلة النووية. لم يكن التدخل الأمريكى مفاجئا إنها متدخلة فعلا تخطيطا وخداعا استراتيجيا وإمدادا بكل ما تتطلبه الحرب من معلومات استخباراتية، وأسلحة، وذخائر دون أن تتورط مباشرة فى عملياتها، لكن سير المواجهات لم يصادف التوقعات والحسابات المسبقة. فى الضربة الافتتاحية، قصفت إسرائيل عددا كبيرا من المنشآت النووية، اغتالت مرة واحدة قيادات عسكرية وعلماء من الوزن الثقيل وبدا البلد كله مخترقا ومنكشفا. رغم الهزة العنيفة فى مراكز القيادة والسيطرة فاجأت إيران العالم كله بقدرتها على الإحلال القيادى وسرعة ردة الفعل فى مساء نفس اليوم. ثم فاجأته بأجيال جديدة ومتنوعة من صواريخ «فرط الصوتية»، القادرة على اجتياز منظومات الدفاع الجوى والوصول إلى أهداف استراتيجية وأمنية وعسكرية واقتصادية حساسة. استدعى ذلك إلحاحا إسرائيليا علنيا على «ترامب» للدخول المباشر فى الحرب، كما لو لم يكن هناك ترتيبات متفق عليها بأدق التفاصيل. أعطى «ترامب» انطباعا قويا بأن نوازعه تدعوه إلى دعم إسرائيل إلى أقصى مدى ممكن، غير أن الروادع تمنعه من إصدار قرار بالتدخل. فالانخراط المباشر بالحرب يناقض تعهداته، التى انتخب على أساسها، وتناقض إرادة أغلبية الرأى العام الأمريكى، الذى يرفض التورط فى أى حروب. وفق استطلاعات الرأى العام الحديثة، التى أجرتها شركة «يو جوف»، فإن (16%) فقط يؤيدون التدخل فيما يعارضه (60%). تبلغ نسبة المعارضة داخل حزبه الجمهورى (51%) مقابل (23%). التقارير الاستخباراتية حذرته من العواقب والتداعيات، التى قد تضرب المصالح الامريكية فى الشرق الأوسط، فضلا عن الكلفة الاقتصادية الباهظة لأية تدخل، خاصة إذا أغلقت إيران مضيق هرمز بالغ الأهمية فى نقل النفط والغاز. رغم ذلك كله مضى بمقامرته، السياسية والعسكرية إلى آخر المطاف، ضاربا عرض الحائط بكل المخاوف والحسابات. قبل الضربة الأمريكية أبلغ «ترامب» كبار معاونيه بموافقته على خطة التدخل، لكنه أرجأ القرار الأخير لأسبوعين حتى يمكنه التعرف على فرص تخلى طهران عن برنامجها النووى. فتح المجال واسعا لاتصالات ورسائل دبلوماسية إلى إيران عبر قنوات شبه علنية: «أن الحل السياسى ما زال ممكنا». أبدت إيران تأهبها لذلك الخيار بشرط وحيد هو وقف الهجوم الإسرائيلى. هكذا خدع الجميع بلا استثناء، وقد يدفع حزبه ثمن تلك المقامرة فى الانتخابات النصفية المقبلة. إثر عودته من قمة السبع الكبار قال نصا: «لقد نفذ صبرنا» ملوحا باغتيال المرشد الإيرانى «على خامنئى». لم يكن هناك معنى لذلك التصريح سوى أن التدخل العسكرى وشيك لا محالة. بعد وقت وجيز أطلق تصريحات عكسية تنفى أى استعداد لديه بالانخراط المباشر فى الحرب، فهو رجل سلام جاء إلى منصبه لإنهاء كل الحروب، كما قال حرفيا. لم يخف تطلعه للحصول على جائزة نوبل للسلام، أو أن يكون خامس رئيس أمريكى فى التاريخ يحصل عليها بعد «ثيودور روزفلت» و«وودرو ويلسون» و«جيمى كارتر» و«باراك أوباما». هو رجل مربك ومرتبك يصعب توقعه.. يقول الشىء وعكسه فى خطاب واحد. فى البيت الأبيض فاجأ «نتانياهو» أمام الكاميرات بإعلان أنه قد فتح حوارا مع إيران للتوصل إلى اتفاق بشأن المشروع النووى. كانت تلك إهانة بالغة لحليف استراتيجى مقرب، لكنه واصل التنسيق معه بأدق التفاصيل «إننا نتهاتف يوميا». ثم ذهب فى مدح «نتنياهو» إلى حدود غير متخيلة، وهو يزعم أنه رجل سلام. وصفه بعبارات يصعب أن يصدقها أحد فى العالم، ولا داخل أسرته نفسها: «إنه رجل طيب وخير لا يجد الإنصاف من بلده». بالتوصيف القانونى والسياسى فإنه يتحدث عن رجل متهم من المحاكم الدولية بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية. فى الدعوة إلى إنصافه تبنى لسياساته وجرائمه. إنه انتهاك كامل لأية قيمة إنسانية، وانتهاك آخر للصفات والمعاني.