إيران من وراء المرآة
على وقع المقاتلات الإسرائيليّة التي تدكّ المدن الإيرانيّة، تحضر إيران الأخرى: الجبال المهيبة في عريها البنّيّ، المساحات الرمليّة المشلوحة في فضاءات الشمس، وتلك الأمداء الجغرافيّة الفسيحة التي تكاد لا تعرف حدّاً. لكنّ ما يحضر أيضاً الناسُ الطيّبون الواقعون اليوم بين مطرقة العنجهيّة الإسرائيليّة الملحدة، إذ لا تعترف بسوى ذاتها إلهاً، وسندان النظام الإيديولوجيّ، الذي زيّنت له نفسه أنّه يحكم باسم الله، فانبرى يضطهد النساء، ويزجّ الأحرار في الزنازين الظلماوات. متى ينتهي هذا الكابوس؟ كم على أهل بلاد فارس أن يصبروا بعد، قبل أن يستعيدوا ما هم عليه حقّاً: شعباً خلوقاً يهوى الحياة، يعشق الموسيقى، ويصنع جمالاً على جمال، من حياكة السجّاد الحريريّ الذي يستبق الملكوت إلى إيوانات شيراز وأصفهان المتماوجة في عرس الضياء.
ذات يوم خريفيّ من العام 2016، خرجنا صباحاً إلى القرى المرميّة في المدى الذهبيّ حول مدينة أورمية. كانت الشمس تتسلطن على تيك الزوايا المنسيّة حيث ترك بعض الآراميّين والأرمن آثاراً لهم لا يقصدها إلّا مَن أصابته لوثة الخرائب. طرق بعضنا باب أحد البيوت يسأل عن مقبرة مسيحيّة في الجوار، فدلّه أصحاب البيت. ولمّا عرفوا أنّنا مجموعة آتية من ألمانيا، لكنّها متنوّعة في الدين والجذور، قالوا إنّهم يفرحون إذا مررنا بهم بعد سويعات. ولمّا عدنا، وكنّا نحو عشرة طلّاب وخمسة أساتذة، وجدناهم ينتظرون وقد مدّوا، في حديقتهم المتواضعة، مائدةً تعمر بالأطايب لم يغب عنها حتّى النبيذ. وقالوا إنّهم يأتون به من تركيا، ربّما عبر طرق ملتوية. عائلة إيرانيّة تمتدّ على ثلاثة أجيال تولم لرهط من الغرباء من ألمانيا وهولندا وتركيا ولبنان وإيران من دون أيّ معرفة سابقة. هذه الحادثة "الخرافيّة" ليست مستمدّةً من كتب الأساطير، بل واقعة تاريخيّة لا يزال وميضها يلتمع في وجدان الذين عاشوا هذه الخبرة الفريدة. ثمّ غادروا القرية السعيدة الذكر وأمارات الذهول ترتسم على وجوههم.
حين قصدنا طهران للمشاركة في حلقة دراسيّة نظّمها "معهد البحوث الفلسفيّة"، الذي يعود تأسيسه إلى الحقبة التي سبقت الثورة الإسلاميّة، كنّا نختلف أحياناً إلى بعض مطاعم المدينة كي نتناول الكباب الإيرانيّ والرزّ المتلوّن بالزعفران. ذات مساء، دخل رجل لا نعرفه المطعم، وطلب وجبةً تأخّر حضورها، فشرع يغنّي بصوت تختلط فيه الشدّة بالعذوبة. هكذا، بكلّ بساطة، بلا مقدّمات، ومن دون مصاحبة أيّ آلة موسيقيّة. أتى الغناء كما يأتي الحبّ. فالحبّ يأتي دوماً حين لا ننتظره ولا نتوقّع حضوره. كانت النغمات التي راح الرجل يطلقها عصيّةً على التوصيف، أقرب إلى الحزن، ولعلّها مزيج غرائبيّ من الألم والميلانخوليا. لم يجرؤ أحد أن يسأله عن هويّة الأنغام. لم يجرؤ أحد أن يستخبره عن مغزى غنائه، وعمّا إذا كان مرتبطاً بحكاية ما، بسرٍّ ما، بعشق ما. اكتفينا بالإصغاء والصمت. لكنّ أحدنا قال، بعدما غادرنا المكان، إنّ هذا الغناء يجعل كلّ ما تعوّدت عليه أذنه المدرّبة على الموسيقى الأوروبيّة يبدو باهتاً ويبعث الضجر في النفس.
متى ينتهي هذا الكابوس الذي تعيشه إيران؟ متى تتّسع البلاد للبلاد وتغيّر أحوالها، كما كتب محمود درويش ذات يوم؟ أسئلة على أسئلة تؤرق رقادنا بينما نتابع على الشاشات مشهد المقاتلات الإسرائيليّة تدكّ طهران وأصفهان ومشهد كأنّ الحرب تحوّلت إلى لعبة إلكترونيّة…
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


المنار
منذ 18 دقائق
- المنار
الرئيس عون يدعو إلى ضبط النفس وإطلاق مفاوضات بناءة وجدية لإعادة الاستقرار إلى دول المنطقة
رأى رئيس الجمهورية اللبنانية العماد جوزاف عون أن 'التصعيد الأخير للمواجهات الإسرائيلية – الإيرانية والتطورات المتسارعة التي ترافقها ولاسيما قصف المنشآت النووية الإيرانية فجر اليوم الأحد، من شأنه أن يرفع منسوب الخوف من اتساع رقعة التوتر على نحو يهدد الأمن والاستقرار في أكثر من منطقة ودولة. وفي السياق، طالب الرئيس عون 'بإطلاق مفاوضات بناءة وجدية لإعادة الاستقرار إلى دول المنطقة وتفادي المزيد من القتل والدمار لاسيما وأن هذا التصعيد يمكن أن يستمر طويلاً'، مناشداً 'قادة الدول القادرة التدخل لوضع حد لما يجري قبل فوات الأوان'. هذا واشار الرئيس عون إلى أن 'لبنان، قيادة وأحزاباً وشعباً، مدرك اليوم أكثر من أي وقت مضى، أنه دفع غالياً ثمن الحروب التي نشبت على ارضه وفي المنطقة وهو غير راغب في دفع المزيد ولا مصلحة وطنية في ذلك، لا سيما وان كلفة هذه الحروب كانت وستكون اكبر من قدرته على الاحتمال'. وكان الرئيس عون تابع منذ فجر اليوم التطورات العسكرية التي نتجت عن العدوان على المنشآت النووية الإيرانية، وظل على اتصال مع رئيس الحكومة نواف سلام ووزير الدفاع الوطني اللواء ميشال منسى وقائد الجيش العماد رودولف هيكل وقادة الأجهزة الامنية ، مؤكداً 'ضرورة اتخاذ الاجراءات اللازمة للمحافظة على الاستقرار في البلاد'. حرس الثورة الايراني: تكرار الحماقات من قبل أميركا يعكس عجزها الاستراتيجي… وعلى المعتدين أن يترقبوا ردودًا مؤلمة أعلن الحرس الثوري الايراني في بيان اليوم الأحد أن 'النظام الإجرامي الأميركي ارتكب فجر اليوم، بالتنسيق الكامل مع الكيان الصهيوني، عدوانًا عسكريًا غير قانوني على المنشآت النووية السلمية الإيرانية'، مشيراً إلى أن ذلك 'يُعد جريمة واضحة وغير مسبوقة تنتهك بشكل صارخ ميثاق الأمم المتحدة، والقانون الدولي، ومعاهدة حظر الانتشار النووي (NPT)، والمبادئ الأساسية لاحترام السيادة الوطنية ووحدة الأراضي'. وأوضح البيان أنه 'منذ اللحظات الأولى للعملية الصهيونية، كان واضحًا للقوات المسلحة الإيرانية أن الدعم والمشاركة الأميركية الشاملة كان لها دور فعّال في التخطيط والتنفيذ لهذا العدوان. وقد أثبت هذا الفعل مرة أخرى عجز جبهة المعتدين عن إحداث تغيير حقيقي في المعادلات الميدانية؛ فهم لا يمتلكون القدرة على المبادرة، ولا يملكون وسيلة للهروب من الردود المدمّرة'. وفي السياق، لفت بيان الحرس إلى أن 'تكرار الحماقات الفاشلة من قبل أميركا يعكس عجزها الاستراتيجي وتجاهلها للحقائق الميدانية في المنطقة'، مضيفاً أنه 'بدلًا من أن تتعظ من إخفاقاتها المتكررة، وضعت واشنطن نفسها في خط المواجهة الأمامي عبر هجوم مباشر على منشآت سلمية'. وتابع البيان أنه 'بفضل الله، ومع الإشراف الاستخباراتي الشامل للقوات المسلحة الإيرانية، تم تحديد أماكن إقلاع الطائرات المشاركة في هذا العدوان، وهي الآن تحت المراقبة'. المصدر: الوكالة الوطنية


صدى البلد
منذ 38 دقائق
- صدى البلد
الأزهر للفتوى: الغش في الامتحانات سلوك مُحرم يهدر الحقوق ويهدم تكافؤ الفرص
قال مركز الأزهر للفتوى الإلكترونية، إن الغش في الامتحانات سلوكٌ مُحرَّم، يُهدِر الحقوق، ويهدمُ مبدأ تكافؤ الفُرص، ويُؤثّر بالسّلب على مصالح الفرد والأمة. وأضاف مركز الأزهر للفتوى، في منشور له عبر صفحتها الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي 'فيسبوك'، أن الإسلامُ حث على طلب العلم، ورغّب في تحصيله بجدّ واجتهاد، وبيَّن أن لطالبِ العلم آدابًا لا بد وأن يتحلَّى بها كالإخلاص لله، وتقواه عز وجل، ومراقبته في السر والعلن، والتَّحلي بمكارم الأخلاق، والبعد عن كل ما يُغضِب اللهَ سبحانه ويُنافي الفضائلَ والمحامد. وأوضح أن الغش في الامتحانات سلوك مُحرَّم يُهدر الحقوق، ويمنحها لغير أَكْفَاء، ويُسوي بين المُجدِّ المُتقِن والكسلان المُهمل، ويهدم مبدأ تكافؤ الفُرص؛ الأمر الذي يُضعف من هِمَّة المُجدِّين عن مواصلة طلب العلم، ويُوسِّد الأمور إلى غير أهلها؛ ومِن ثمَّ يُضعف الأمم وينال من عزمها وتقدُّمها؛ فحق العالم هو التقديم والرِّفعة؛ قال سبحانه: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11]، وقال أيضًا: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ}. [الزمر: 9] وتابع: 'جعل الإسلامُ المُعاونةَ على الإثم إثمًا، وشراكةً لصاحب الجريمة في جرمه، وقضى ألا تكون الإعانة إلَّا على معروف؛ قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }. [المائدة: 2] ونفى سيدُنا رسولُ الله ﷺ عن الغشَّاش كمال الإيمان، وتبرأ من صفة الغش التي لا ينبغي أن يتصف بها مُسلمٌ مُنتسب لسنته ودينه؛ فقال ﷺ: «مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي» [أخرجه مسلم]، وهذا الحديث عام يشمل كل أنواع الغش في الامتحانات وغيرها'.


المنار
منذ ساعة واحدة
- المنار
الرئيس عون يدعو إلى ضبط النفس وإطلاق مفاوضات بناءة وجدية لإعادة الاستقرار إلى دول المنطقة
رأى رئيس الجمهورية اللبنانية العماد جوزاف عون أن 'التصعيد الأخير للمواجهات الإسرائيلية – الإيرانية والتطورات المتسارعة التي ترافقها ولاسيما قصف المنشآت النووية الإيرانية فجر اليوم الأحد، من شأنه أن يرفع منسوب الخوف من اتساع رقعة التوتر على نحو يهدد الأمن والاستقرار في أكثر من منطقة ودولة. وفي السياق، طالب الرئيس عون 'بإطلاق مفاوضات بناءة وجدية لإعادة الاستقرار إلى دول المنطقة وتفادي المزيد من القتل والدمار لاسيما وأن هذا التصعيد يمكن أن يستمر طويلاً'، مناشداً 'قادة الدول القادرة التدخل لوضع حد لما يجري قبل فوات الأوان'. هذا واشار الرئيس عون إلى أن 'لبنان، قيادة وأحزاباً وشعباً، مدرك اليوم أكثر من أي وقت مضى، أنه دفع غالياً ثمن الحروب التي نشبت على ارضه وفي المنطقة وهو غير راغب في دفع المزيد ولا مصلحة وطنية في ذلك، لا سيما وان كلفة هذه الحروب كانت وستكون اكبر من قدرته على الاحتمال'. وكان الرئيس عون تابع منذ فجر اليوم التطورات العسكرية التي نتجت عن العدوان على المنشآت النووية الإيرانية، وظل على اتصال مع رئيس الحكومة نواف سلام ووزير الدفاع الوطني اللواء ميشال منسى وقائد الجيش العماد رودولف هيكل وقادة الأجهزة الامنية ، مؤكداً 'ضرورة اتخاذ الاجراءات اللازمة للمحافظة على الاستقرار في البلاد'. حرس الثورة الايراني: تكرار الحماقات من قبل أميركا يعكس عجزها الاستراتيجي… وعلى المعتدين أن يترقبوا ردودًا مؤلمة أعلن الحرس الثوري الايراني في بيان اليوم الأحد أن 'النظام الإجرامي الأميركي ارتكب فجر اليوم، بالتنسيق الكامل مع الكيان الصهيوني، عدوانًا عسكريًا غير قانوني على المنشآت النووية السلمية الإيرانية'، مشيراً إلى أن ذلك 'يُعد جريمة واضحة وغير مسبوقة تنتهك بشكل صارخ ميثاق الأمم المتحدة، والقانون الدولي، ومعاهدة حظر الانتشار النووي (NPT)، والمبادئ الأساسية لاحترام السيادة الوطنية ووحدة الأراضي'. وأوضح البيان أنه 'منذ اللحظات الأولى للعملية الصهيونية، كان واضحًا للقوات المسلحة الإيرانية أن الدعم والمشاركة الأميركية الشاملة كان لها دور فعّال في التخطيط والتنفيذ لهذا العدوان. وقد أثبت هذا الفعل مرة أخرى عجز جبهة المعتدين عن إحداث تغيير حقيقي في المعادلات الميدانية؛ فهم لا يمتلكون القدرة على المبادرة، ولا يملكون وسيلة للهروب من الردود المدمّرة'. وفي السياق، لفت بيان الحرس إلى أن 'تكرار الحماقات الفاشلة من قبل أميركا يعكس عجزها الاستراتيجي وتجاهلها للحقائق الميدانية في المنطقة'، مضيفاً أنه 'بدلًا من أن تتعظ من إخفاقاتها المتكررة، وضعت واشنطن نفسها في خط المواجهة الأمامي عبر هجوم مباشر على منشآت سلمية'. وتابع البيان أنه 'بفضل الله، ومع الإشراف الاستخباراتي الشامل للقوات المسلحة الإيرانية، تم تحديد أماكن إقلاع الطائرات المشاركة في هذا العدوان، وهي الآن تحت المراقبة'. المصدر: الوكالة الوطنية