
الهجوم الإسرائيلى على إيران.. الخيار شمشون!
قبل (48) ساعة من العودة إلى المفاوضات الأمريكية الإيرانية فى العاصمة العمانية مسقط شنت القوات الإسرائيلية أوسع وأعنف هجوم عسكرى على المنشآت النووية ومراكز القيادة والسيطرة. نال الهجوم من قيادات عسكرية بارزة، بينها رئيس الأركان وقائد الحرس الثورى، وعلماء كبار يشرفون على البرنامج النووى. لم يكن ذلك الهجوم بذاته مفاجئًا، فقد دأبت إسرائيل لسنوات طويلة على التحريض ضد المشروع النووى الإيرانى، حتى تكون وحدها من يحتكر القوة النووية فى الشرق الأوسط.
فى عام (1991) أزاح الصحفى الاستقصائى الأمريكى سيمور هيرش لأول مرة ستائر الكتمان عن الترسانة النووية الإسرائيلية، فى كتابه «الخيار شمشون». عندما بدا أن العراق مضى خطوات واسعة تمهيدية فى مشروعه النووى جرى قصفه يوم (7) يونيو (1981). بالوقت نفسه قبل القصف وبعده دأبت إسرائيل على اغتيال عدد كبير من العلماء العرب، أشهرهم العالم المصرى الدكتور يحيى المشد. فى الحالتين، العراقية والإيرانية، حرصت الولايات المتحدة على نفى أن تكون منخرطة بالعمليات العسكرية الإسرائيلية. تابع «هيرش» الملف نفسه فى تحقيقات نشرتها الـ«نيويورك تايمز» والـ«نيوركر» الأمريكيتين.
كان أهم ما نشره: «الخطة السرية لوكالة الاستخبارات الأمريكية للهجوم على إيران». فى فبراير (2007) تطرق إلى خطة نائب الرئيس الأمريكى ديك تشينى لـ«قطع رقبة إيران». كان تقديره فى محاضرة ألقاها بالجامعة الأمريكية بدعوة من «مؤسسة هيكل للصحافة العربية» أن عدوانًا وشيكًا على إيران قد يحدث فى غضون الشهور القليلة المقبلة، كاشفًا عن أن (9) مليارات دولار من الأموال العراقية اختفت من أحد البنوك الأمريكية لتمويل العملية العسكرية الوشيكة. غير أن ذلك لم يحدث وذهبت الحوادث فى اتجاه آخر.
وقعت اتفاقية بين إيران والولايات المتحدة عام (2015) تضمنت إجراءات تمنع خروج المشروع النووى عن طابعه السلمى، غير أن دونالد ترامب بولايته الأولى ألغاها بعد وقت قصير من دخوله البيت الأبيض استجابة للضغوط الإسرائيلية وتخلصا بذات الوقت من إرث سلفه باراك أوباما.
بنظرة تاريخية فإن الهجوم الإسرائيلى نوع من العودة إلى الخيار شمشون، احتكار السلاح النووى ومنع أى دولة بالقوة المسلحة من امتلاكه حتى تنفرد بقيادة المنطقة وإعادة هندسة الشرق الأوسط من جديد. وبنظرة استراتيجية لم يكن ممكنًا لإسرائيل أن تقدم على هذه الخطوة الخطرة ما لم يكن هناك ضوء أخضر أمريكى، يوفر المعلومات الاستخباراتية والأسلحة والذخائر اللازمة لاختراق التحصينات حتى يمكن الوصول إلى هدفها الرئيسى فى تقويض المشروع النووى الإيرانى. الأهم حماية الأجواء الإسرائيلية من أى رد فعل إيرانى متوقع بالمسيرات، أو بالصواريخ الباليستية. أى كلام ينفى الدور الأمريكى محض دعايات.
ساهم «ترامب» فى خداع الإيرانيين حتى تكون المفاجأة كاملة. فى اليوم السابق مباشرة قال فى مؤتمر صحفى بالبيت الأبيض: «لا أقول إن هجومًا إسرائيليًا وشيكًا، لكنه قوى ومحتمل». لم ينفِ ولم يؤكد. أريد بشدة تجنب الحرب مع إيران، لكن عليها أن تبدى مرونة فى المفاوضات.
بدا أنه منفتح على المفاوضات، مؤكدًا أننا قريبون من اتفاق جيد، فيما كان يعرف يقينا أن هجومًا إسرائيليًا سوف يشن بعد ساعات. أخذ يلوح بالفوائد المتوقعة من بناء علاقات تجارية مع طهران إذا ما أبدت استعدادًا لتقبل شروطه فى منع التخصيب النووى. بدا ذلك تلويحًا بـ«العصا والجزرة» قبل استئناف المفاوضات.
بالتوقيت نفسه اتهم مجلس محافظى الهيئة الدولية للطاقة الذرية إيران بعدم الامتثال لمقتضى التزاماتها طبقًا لاتفاقية (2015)، التى تحللت منها كل الأطراف! وطلبت الإدارة الأمريكية من مواطنيها وبعض دبلوماسييها فى العراق المغادرة. بدا ذلك كله تمهيدا للعمل العسكرى. رغم الاحتقانات المعلنة بين «ترامب» و«بنيامين نتنياهو» إلا أن كليهما فى حاجة ماسة إلى الآخر.
الأول، يطلب تجديد الثقة فيه من اللوبيات اليهودية وترميم صورته كـ«رجل قوى» أمام تزايد الاحتجاجات على سياساته فى المجتمع الأمريكى. إخفاقاته فى ملفات عديدة تدخل فى صميم اهتمامات المواطن الأمريكى تكاد تقوض شعبيته وصورته، خاصة فى ملفى الرسوم الجمركية والصدامات فى شوارع لوس أنجلوس ومدن أخرى من جراء سياساته الخشنة ضد المهاجرين.
والثانى، يطلب تجنب إطاحة حكومته على خلفية استمرار الحرب على غزة دون أفق سياسى بعمل عسكرى ضد إيران يحظى تقليديًا بدعم الفرقاء الإسرائيليين أو أن تكون هذه الحرب بالذات صورة النصر، التى يبحث عنها دون جدوى فى غزة.
بعد الهجوم الإسرائيلى نفى ترامب أى ضلوع فيه، لكنه لم يتردد فى التأكيد على موقفه الأصلى.. منع إيران من الحصول على السلاح النووى.
صبيحة الهجوم قال حرفيًا: «لن نسمح لإيران بامتلاك قنبلة نووية، ونأمل أن تعود إلى العودة للمفاوضات فى موعدها المقرر»! ما معنى ذلك التصريح فى سياقه وتوقيته؟ إنه طلب التوقيع على اتفاقية استسلام.
يكاد أن يكون شبه مستحيل أن تلبى طهران طلبه، المعنى بالضبط سقوط شرعية النظام وتفجير الوضع الداخلى. لا يملك الإيرانيون غير الرد بأقصى ما تطيقه قوتهم، إنها مسألة وجود وهيبة وبقاء نظام. ما مدى الهجوم الإسرائيلى.. وما حجم الرد الإيرانى؟ هذان سؤالان جوهريان فى الصراع على المنطقة ومستقبلها. إذا تقوضت إيران تبدأ على الفور الحقبة الإسرائيلية الخاسر الأكبر فيها العالم العربى
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

السوسنة
منذ ساعة واحدة
- السوسنة
نيويورك تايمز: جماعات تستعد لمهاجمة قواعد أمريكية بالعراق أو سوريا
السوسنة مع تصاعد التوترات في المنطقة، وتوجيه واشنطن ضربات لمواقع نووية إيرانية، أفادت نيويورك تايمز نقلا عن مسؤولين أمريكيين، بأن جماعات تدعمها إيران تستعد لمهاجمة قواعد أمريكية في العراق وربما سوريا. وفي وقت سابق، قالت وزارة الخارجية الإيرانية: 'إن الإدارة الأمريكية التي أشعلت الحرب ستتحمل المسؤولية عن العواقب الوخيمة للغاية لعدوانها'. وأفادت صحيفة ' نيويورك تايمز' عن مسئولين أمريكيين، الأحد، بأن البنتاجون يستعد لرد شبه مؤكد من إيران. وكان الرئيس الأميركي قد أعلن ليل السبت - الأحد، أن الجيش الأميركي نفذ "هجوما ناجحا جدا" على 3 مواقع نووية إيرانية، بينها منشأة فوردو لتخصيب اليورانيوم تحت الأرض. وقال ترامب في منشور على منصته "تروث سوشال" "أتممنا هجومنا الناجح جدا على المواقع النووية الثلاثة في إيران، بما في ذلك فوردو ونطنز وأصفهان". أضاف "أُسقطت حمولة كاملة من القنابل على موقع فوردو الرئيسي"، لافتا إلى أن الطائرات التي نفذت الهجوم غادرت المجال الجوي الإيراني بسلام وهي في طريق عودتها إلى الوطن. وكتب ترامب في وقت لاحق أن موقع "فوردو انتهى".


الانباط اليومية
منذ 2 ساعات
- الانباط اليومية
تحسبات لارتفاع كلف الطاقة وارتفاع كلف الاستيراد والتصدير
الأنباط - الأنباط- قصي ادهم تبدو هذه الحرب كغيرها من جولات التصعيد في الشرق الأوسط, فهي ليست مجرد مواجهة عسكرية محدودة، بل صراع استنزاف طويل قد يعيد تشكيل أولويات اقتصادية داخلية, لدى كل من إيران ودولة الاحتلال، ويزعزع توازنات الأسواق الإقليمية والعالمية, وبالضرورة سيكون الأردن متأثرًا بهذه التداعيات, لذلك تعكف خلية اقتصادية في الدوار الرابع, على قراءة آثار هذه الحرب على الاقتصاد الأردني, الذي يتحسس بالأصل من أي تفاعل خارجي في الإقليم, فكيف إذا كان هذا التفاعل حربًا مفتوحة وليست بالوكالة. رغم تحفظ الخلية المعهود إليها قراءة التحديات واستنباط الحلول, فثمة تسريبات بدأت بالظهور, تتحدث عن ارتفاع كلف الطاقة على كثير من القطاعات الحيوية, وتراجعت حركة السياحة التي لم تتعافَ بعد من حرب الإبادة على غزة, فثمة أحاديث لوكلاء سياحة, تشير إلى تراجع الحجوزات بما يفوق النصف, هذا قبل دخول واشنطن على خط المشاركة في العدوان على إيران, مما يرفع من وتير التصعيد وبالتالي القلق, الذي سينسحب على السياحة وسلاسل التزويد والاستيراد والتصدير, وإذا ما وصل التصعيد إلى الجوار العراقي والسوري, فنحن أمام حالة حصار جيوسياسي كما كان الأمر في أتون الحرب على داعش, ومخلفات الربيع العربي. الخلية العاملة, والتي يرأسها الدكتور جعفر حسان مباشرة, ويعكف على إدارتها بشكل دقيق, مع الفريق الاقتصادي, تدرس الخروج بحلول ربما مفاجأة وغير مألوفة حسب ما يرشح من أخبار, وربما ستكون الساعات القادمة, كاشفة لهذه الاجراءات, بعد ان جرى تقييم مستوى التحديات لقطاعات متعددة, مع إصرار حكومي على عدم تأثر المواطن ومعيشته بتلك التحديات, لكن هذا يتطلب اصطفافًا وطنيًا وتشاركية في تحمل الأعباء. أستاذ الاقتصاد في الجامعة الأردنية الدكتور رعد التل نشر مطالعة مهمة عن كلفة الحرب على إيران والكيان, والتي تبلغ حوالي المليار دولار على إيران يوميًا فيما قال أن الكيان يشهد تراجعًا حادًا في النمو الذي لن يتجاوز حاجز ال 1%, وهو أثر كبير, فحجم خسائر الكيان في أول يومين من الحرب وصل إلى قرابة المليار ونصف المليار من الدولارات, ناهيك عن ال 100 مليون التي يتكبدها الكيان من حربه على غزة يوميًا. تداعيات خطيرة سيواجهها الإقليم والأردن ليس بمنأى عنها, لكنه اليوم يدرس كل خياراته, وبشكل علمي ومنهجي, وهو بحاجة إلى سند مجتمعي وتوافق وطني وانضباط على التفكير بعقل أردني موحد, لا يحتمل المغامرة والمزاودة.


الانباط اليومية
منذ 2 ساعات
- الانباط اليومية
الإقليم يتنفس تحت الماء.. ما مصير الأمن الغذائي مع التصعيد الإيراني الإسرائيلي؟
الزعبي: الأردن يسابق الزمن لتأمين غذائه وسط نيران التصعيد الإقليمي ارشيد: إغلاق هرمز قد يشعل أسعار النفط ويكبد الأردن 260 مليون دولار إضافية سنويًا الأنباط – ميناس بني ياسين وسط تطورات متسارعة تنذر بتوسّع رقعة النزاع في المنطقة، تتواصل التصريحات النارية والتحركات العسكرية بين إيران والولايات المتحدة وإسرائيل، في مشهد يقرع طبول مواجهة مفتوحة تتجاوز الأبعاد السياسية والعسكرية، لتطال العمق الاقتصادي والغذائي وحتى المناخي في المنطقة العربية والدول النامية. ويشبه خبراء وضع الدول العربية بأنها "تتنفس تحت الماء"، وكلما حاولت الصعود إلى السطح، أعادتها التوترات الإقليمية إلى القاع مجددًا، حيث تتوالى التهديدات، وتتداخل سيناريوهات الردع مع احتمالات التصعيد الخطير، لتضع الإقليم بأكمله أمام اختبار وجودي حقيقي. ونقلت وكالة "رويترز" عن مسؤول إيراني قوله: "أي تحرك لاستهداف المرشد الأعلى علي خامنئي سيغلق الباب أمام أي اتفاق أو تفاوض، وسيؤدي إلى رد بلا حدود". وفي تأكيد على استمرار التصعيد، قال قائد الحرس الثوري الإيراني: "عمليات قواتنا الجوفضائية لن تتوقف، ولن ينعم الكيان الصهيوني بالهدوء". وفي ضوء هذه التصريحات، حذرت هيئة النقل البحري البريطانية من ارتفاع مستوى التهديد للشحن المرتبط بالولايات المتحدة في البحر الأحمر وخليج عدن إلى "مرتفع جدًا"، مما ينذر بتداعيات كارثية على سلاسل التوريد الدولية. في الوقت ذاته، أفادت وكالة "فارس" الإيرانية عن استعداد طهران لتنفيذ عمليات مباغتة ضد المصالح الأميركية في المنطقة، مع الاستمرار في الضغط العسكري والنفسي على إسرائيل، مؤكدة أن "الحرب ستستمر حتى نهاية إسرائيل"، بحسب تعبيرها. في هذه الأجواء المشحونة، تعود التساؤلات المؤرقة لتطفو من جديد: كيف سيتأثر الأمن الغذائي الإقليمي والعربي والأردني؟ فالمشكلة لم تعد محصورة بالجغرافيا أو العسكرة، بل تمتد إلى تهديد مباشر للأمن الغذائي والبيئي والمناخي، في ظل احتمال تعطل سلاسل التوريد وارتفاع أسعار الغذاء والوقود، مما يعني "ضيقة فوق ضيقة". وتصبح المعادلة أكثر خطورة عندما تتزامن هذه التهديدات مع احتمالية تسرب نووي قد يحمل أبعادًا صحية مميتة، وكأن الدول النامية – وعلى رأسها الدول العربية – ينقصها مزيد من الأعباء. ففي كل مرة "تُفتح فيها طاقة أمل لالتقاط الأنفاس"، تعود مسرحية جديدة ذات أبعاد خطيرة، لتضع المنطقة مجددًا على حافة الانفجار. ويبقى السؤال الأهم: كيف ستتعامل الدول، خاصة تلك التي تشاهد "الحفلات الصاروخية من فوق رؤوسها"، إن اشتد التصعيد وضُربت القواعد الأميركية المنتشرة فيها؟ وكيف يمكن للأردن، مثلًا، أن يحصّن أمنه الغذائي والاقتصادي من توابع أزمات إقليمية متشابكة تنخر في أساس الاستقرار؟ ومع أطراف نزاع عنيدة تستعرض عضلاتها دون هوادة، يبدو أن الأمن بمختلف أبعاده – من الغذاء إلى الطاقة – أصبح في عين العاصفة. وفي هذا السياق، كشفت "الأنباط" النقاب عن الواقع والاحتمالات الخطيرة من خلال آراء عدد من الخبراء والمحللين، من الجوانب الرئيسية: الأمن الغذائي، الاقتصاد، والسياسة، لفهم سيناريوهات الصمود أو الانهيار، إن استمر التصعيد وامتدت نيرانه إلى عمق الإقليم. وتواصلت "الأنباط" مع منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) في المكتب الإقليمي، للحديث عن تداعيات الحرب على الأمن الغذائي، إلا أن المنظمة اكتفت بالإجابة بأنها "منظمة معرفية لا تتدخل في الأبعاد السياسية". الأردن وتحديات الأمن الغذائي في ظل التصعيد الإقليمي وفي ضفة الأمن الغذائي، أكد خبير الأمن الغذائي والبيئة فاضل الزعبي أن الأردن، رغم التحديات الإقليمية المتصاعدة، أظهر قدرة ملموسة على الحفاظ على استقرار إمدادات الغذاء الأساسية، مستفيدًا من تنويع مصادر الاستيراد، وزيادة السعة التخزينية للمواد الاستراتيجية، إلى جانب تحقيقه اكتفاءً ذاتيًا مقبولًا في عدد من المنتجات الزراعية مثل الخضروات، الحليب الطازج، الدواجن، البيض، وزيت الزيتون. وأوضح الزعبي أن المملكة، ورغم اعتمادها الكبير على الاستيراد لتأمين الجزء الأكبر من احتياجاتها الغذائية، وضعت خطط طوارئ للتعامل مع أي اضطرابات في سلاسل التوريد، تضمنت استخدام موانئ بديلة عبر سوريا، وتغيير مصادر الوقود، وتفعيل سيناريوهات لاستمرار تدفق السلع وصادرات المنتجات. كما أشار إلى إنشاء مرصد إقليمي للأمن الغذائي بقيادة أردنية، يهدف إلى رصد المؤشرات الغذائية، وتحليلها، وتقديم تقارير استشرافية تدعم صناع القرار في مواجهة التحديات المتسارعة. الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي 2021-2030 وفي ظل التوترات الجيوسياسية المتزايدة، لفت الزعبي إلى إطلاق الحكومة الأردنية "الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي 2021–2030'، والتي تهدف إلى تعزيز الإنتاج المحلي، خصوصًا في ما يتعلق بالحبوب والزيوت والسكر. وتقوم الاستراتيجية على تبني تقنيات زراعية حديثة لرفع الإنتاجية وتحسين جودة المحاصيل، إلى جانب دعم مشاريع حصاد المياه، وإنشاء آبار جديدة لمواجهة مشكلة ندرة المياه. وتولي الاستراتيجية أهمية خاصة لتطوير البنية التحتية الزراعية، من خلال إنشاء محطات فرز وتعبئة وتبريد متخصصة، وتحفيز الصناعات الزراعية عبر تسهيلات استثمارية للقطاع الخاص. كما تسعى لتفعيل استثمار الأراضي الزراعية غير المستغلة، بتأجيرها لشركات متخصصة لإنتاج محاصيل استراتيجية تلبي احتياجات السوق المحلي، ما يعزز قدرة الأردن على تحقيق الاكتفاء الذاتي. وأوضح الزعبي أن المملكة تسعى لتكون مركزًا إقليميًا للأمن الغذائي، مستفيدة من بنيتها التحتية الزراعية، والتعاون مع منظمات دولية مثل منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ما يعزز مرونة القطاع الزراعي وقدرته على مواجهة الأزمات المتكررة. الدول الهشة ومخاطر المجاعة بسبب الحرب الإقليمية وأشار الزعبي إلى أن الحرب الإسرائيلية الإيرانية تضغط بشدة على الأوضاع الإنسانية المتردية في دول هشة مثل سوريا، اليمن، والسودان، حيث ترتبط المجاعة بشكل مباشر بتقلبات النزاعات المسلحة. وفي سوريا، تؤدي المواجهات الجوية والصاروخية المتكررة إلى تعطيل خطوط الإمداد وإغلاق طرق التجارة الحيوية، ما يزيد من معاناة السكان الذين يرزحون أصلًا تحت وطأة حرب أهلية مستمرة. أما في اليمن، فقد فاقم التصعيد الإقليمي الأزمة الاقتصادية والإنسانية، وسط احتمالات تزايد أعداد الجوعى بسبب ارتفاع أسعار الغذاء، نقص الوقود، وتعطّل المساعدات، خاصة إذا امتدت الحرب لتشمل مضيقي هرمز وباب المندب. وفي السودان، تتفاقم المخاطر مع استمرار النزاعات الداخلية وتدهور الاقتصاد، ما يزيد هشاشة الأمن الغذائي، ويهدد بانفجار أزمات إنسانية أوسع. السلع الأساسية في مهب التصعيد.. والحبوب والزيوت الأكثر تأثرًا وأكد الزعبي أن الحبوب والزيوت من أكثر السلع عرضة للتقلبات السعرية في ظل التوترات الجارية، نظرًا لاعتمادها على سلاسل توريد دولية تمر بمناطق النزاع. وتمثل هذه المواد ركيزة أساسية في السلة الغذائية للدول العربية، وبالتالي فإن أي اضطراب في توريدها يؤدي إلى ارتفاع الأسعار بشكل فوري، كما حدث خلال الأيام الأخيرة، حيث سجل النفط ارتفاعًا بين 7% و10%، ما انعكس مباشرة على تكاليف النقل والإنتاج، وأسعار المواد الغذائية عالميًا وإقليميًا. وأشار إلى أن دولًا مثل الأردن، مصر، واليمن تواجه ضغوطًا متزايدة في ظل تراجع القدرة الشرائية وارتفاع تكاليف المعيشة، ما يهدد بتفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، خاصة في الدول الأضعف بنيويًا واقتصاديًا. تحركات دولية محدودة.. واليقظة مطلوبة ولفت الزعبي إلى وجود تحركات دولية محدودة حتى الآن للتعامل مع الأزمة، لكنها تصطدم بتعقيد المشهد السياسي والعسكري، داعيًا إلى دعم الدول الأكثر هشاشة ببرامج مساعدات غذائية وتمويلية عاجلة، لتخفيف الأعباء المعيشية. ورغم أن الأردن لم يكن بمنأى عن التداعيات، خاصة في مجالي الطاقة والسياحة، إلا أن استراتيجيته في إدارة الأزمات، وتنويع مصادر الاستيراد، وتعزيز الإنتاج المحلي، ساهمت في التخفيف من حدة التأثر وضمان استمرارية تزويد الأسواق المحلية بالسلع الأساسية. وختم الزعبي بالقول إن استمرار التصعيد يفرض تحديات إضافية، ويستلزم من الأردن مزيدًا من اليقظة والتخطيط الاستباقي، لضمان الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، والحفاظ على الأمن الغذائي كأولوية وطنية في ظل وضع إقليمي شديد الاضطراب. إغلاق المضائق.. نقاط اختناق اقتصادي تضرب الإقليم من جهته، حذّر الخبير الاقتصادي مازن ارشيد من تداعيات الإغلاق المحتمل أو تعطل الملاحة في المضائق الحيوية بمنطقة الشرق الأوسط، مشيرًا إلى أن ذلك من شأنه إحداث "اختناق اقتصادي إقليمي'، ينعكس على أسعار الطاقة والسلع الأساسية، ويضغط على اقتصادات الدول المستوردة، وعلى رأسها الأردن. وأوضح ارشيد أن مضيق هرمز يُعد أولى النقاط الحساسة، حيث يمر عبره نحو 20 مليون برميل نفط يوميًا، ما يعادل قرابة 20% من استهلاك النفط السائل في العالم، و20% من تجارة الغاز الطبيعي المسال. وقال إن أي إغلاق قصير الأمد لهذا الممر سيؤدي إلى قفزة فورية في أسعار خام برنت، من مستواه الحالي البالغ 72-78 دولارًا إلى أكثر من 100 أو حتى 120 دولارًا للبرميل. ولفت إلى أن هذا الوضع سيتسبب باختناقات في أسواق الطاقة العالمية، وسيلقي بظلاله على الدول التي تعتمد على الاستيراد، خاصة مع تزايد المخاوف من استهداف مضيق باب المندب وقناة السويس، حيث سجلت حركة الملاحة تراجعًا بنسبة 50% في بعض الفترات، نتيجة للهجمات الحوثية. كما أن تعطل قناة السويس يعني أن السفن المتجهة من آسيا إلى أوروبا ستضطر للالتفاف حول رأس الرجاء الصالح، ما يضيف نحو 10 أيام إلى زمن الرحلة، وتكلفة إضافية تقارب مليون دولار لكل شحنة. الحرب وتضخم الأسعار في الدول العربية وأشار ارشيد إلى أن استمرار الحرب أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الخام والسلع الغذائية، نتيجة الزيادة في تكاليف الطاقة والنقل والتأمين. وأوضح أن مؤشر أسعار الغذاء في الأردن ارتفع بنحو 1.77% خلال الأشهر الأولى من عام 2025، بينما تسارع معدل التضخم إلى 2.21%، مدفوعًا بارتفاع تكاليف الغذاء والطاقة. وبيّن أن الدول المستوردة مثل تونس، لبنان، مصر، والسودان ستواجه ارتفاعًا في أسعار القمح والزيوت والوقود بنسب تتراوح بين 5 إلى 15%، ما سيؤثر على مستويات المعيشة، ويزيد الضغط على احتياطيات النقد الأجنبي. تغير أنماط التجارة الإقليمية وظهور مراكز بديلة وفي ضوء تزايد المخاطر في المضائق، أوضح ارشيد أن أنماط التجارة بدأت تتغير فعليًا، حيث قامت العديد من شركات الشحن بتحويل مساراتها إلى طرق أطول وأكثر كلفة عبر رأس الرجاء الصالح. وأشار إلى أن هذا التغير قد يفتح الباب أمام دول مثل تركيا، والإمارات، وقطر، والسعودية لتوسيع قدراتها التخزينية وتعزيز دورها كمراكز لوجستية إقليمية بديلة. وقال إن الخليج يمتلك بنى تحتية تتيح النقل البري والسككي كبدائل، بينما تتمتع تركيا بمواقع استراتيجية على البحر الأسود والمتوسط، ما يعزز من فرصها في استيعاب جزء من التحول التجاري الإقليمي. نقاط ضعف في الاقتصاد الأردني في حال تعطل الإمدادات وحول انعكاسات الأزمة على الأردن، أوضح ارشيد أن المملكة تعتمد بنسبة 93% على استيراد الطاقة، ونحو 20% من غذائها يأتي من الخارج، ما يجعل أي اضطراب في الإمدادات الإقليمية مؤثرًا بشكل مباشر، سواء في حال توقف تزويد الغاز المصري أو الغاز المستورد من دولة الاحتلال، أو ارتفاع أسعار النفط عالميًا. وأشار إلى أن هذا سيؤدي إلى زيادة تكاليف التشغيل في قطاعات الإنتاج، مثل الصناعة والزراعة، ويضع ضغطًا كبيرًا على موازنة الدولة، التي قد تُجبر على دفع مئات ملايين الدنانير شهريًا لتغطية فواتير الطاقة. تأثيرات مباشرة على ميزان المدفوعات والنقد الأجنبي وأكد ارشيد أن ارتفاع أسعار السلع المستوردة سيفاقم من العجز التجاري وميزان المدفوعات. ففي ديسمبر 2024، بلغت قيمة الواردات الأردنية 2.6 مليار دولار مقابل صادرات بقيمة مليار دولار فقط، ما يعني أن كل زيادة بنسبة 10% في أسعار السلع الأساسية قد تكلف المملكة نحو 260 مليون دولار إضافية سنويًا. وأشار إلى أن ذلك قد يؤدي إلى تراجع احتياطيات النقد الأجنبي، وارتفاع كلفة التمويل الخارجي، وقد تضطر الحكومة إلى الاقتراض مجددًا أو حتى النظر في تخفيض قيمة الدينار، ما سيؤثر على استقرار الاقتصاد الكلي، وربما يعيد صياغة اتفاقيات مع صندوق النقد أو جهات تمويل دولية. الاعتماد على الاستيراد وأوضح ارشيد أن الاعتماد الكبير على الاستيراد، خصوصًا في مجالي الغذاء والطاقة، يجعل الأردن عرضة للصدمات الخارجية. ورغم أن الحكومة تبذل جهودًا لتنويع مصادر الطاقة، مثل مشاريع الطاقة المتجددة أو الربط الكهربائي الإقليمي، إلا أن استمرار الاعتماد على الغاز المستورد من دولة الاحتلال يُعد "خيارًا استراتيجيًا بالغ الخطورة' بسبب مخاطره السياسية والأمنية، بحسب تعبيره. ودعا إلى التخلص التدريجي من هذا المصدر، وتوسيع الاعتماد على الغاز المصري والطاقة النظيفة، بما يعزز مناعة الأردن في حال تعطل أحد مصادر التزويد. ارتفاع الأسعار وتراجع الأمن الغذائي وأكد ارشيد أن ارتفاع أسعار الغذاء سيؤثر بشدة على الفئات الفقيرة، التي تخصص جزءًا كبيرًا من دخلها للمواد الأساسية. وأوضح أن زيادة بنسبة 5% في أسعار الأغذية قد ترفع معدل التضخم العام من 2.2% إلى ما بين 3.5% و4%، ما يستدعي تدخلات حكومية عاجلة لتوفير الدعم وحماية الطبقات الهشة من الغلاء. السيناريوهات الحكومية المحتملة لمواجهة الأزمة وأشار إلى أن الحكومة قد تضطر لإطلاق صناديق استقرار للأسعار أو إعادة الدعم المباشر للخبز والوقود، على غرار ما جرى في عام 2012 بعد أزمة الطاقة، حينما تجاوزت كلفة الدعم 600 مليون دينار سنويًا، لكنه ساهم في تهدئة الشارع. وختم ارشيد بالقول إن استمرار الحرب وعدم اليقين في المنطقة يستدعي من الحكومة الأردنية إعادة تقييم سياساتها التموينية والغذائية، وتنويع مصادر الإمداد، وتخفيف الاعتماد على شركاء غير موثوقين، لضمان الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي. الطوالبة: التصعيد الجاري مرتبط بخريطة النفوذ الإقليمي في الشرق الأوسط أكد الخبير السياسي عبدالله الطوالبة أن الكيان الصهيوني ليس إلا مشروعًا استعماريًا غربيًا، أُقيم لحراسة الضعف العربي. وقال إنه من المستحيل استمرار هذه الهيمنة في حال امتلاك أي دولة عربية، أو دولة وازنة كإيران، عناصر القوة، وفي مقدمتها التكنولوجيا المتقدمة والسلاح النووي. وأوضح الطوالبة أن هذا التوازن هو جوهر المواجهة المباشرة بين إيران والكيان الصهيوني، الذي يعيش قلقًا وجوديًا دائمًا، مدركًا لحقيقة نشأته غير الشرعية على أرض فلسطين، التي احتلها بدعم غربي. وأضاف أن استمرار هذا الكيان يرتبط باستخدام القوة والعدوان، وهو ما تؤكده حرب الإبادة التي يشنها على قطاع غزة منذ أكثر من 21 شهرًا، معتبرًا أن بقاء هذا الكيان "الشاذ' يشكّل عقبة أمام استقرار المنطقة وتنميتها وتقدمها. الشرق الأوسط.. ساحة تنافس إمبراطوريات وربط الطوالبة التصعيد الجاري بخريطة النفوذ الإقليمي في الشرق الأوسط، مشيرًا إلى أن التاريخ يعلّمنا بأن معظم الإمبراطوريات بدأت بفرض سيطرتها على هذه المنطقة، وفيها أيضًا كانت نهاياتها. وأكد أن موقع المنطقة الجيوسياسي، وتحكمها بالممرات البحرية والبرية والجوية، يجعلها هدفًا دائمًا لصراعات القوى الكبرى. واعتبر أن زرع الكيان الصهيوني كان جزءًا من هذه المخططات، بهدف إضعاف المنطقة ومنعها من امتلاك أدوات القوة اللازمة للتحرر من التبعية الأجنبية. اضطرابات الإمداد الغذائي والطاقة تهدد المنطقة وفيما يتعلق بالتداعيات الاقتصادية، أوضح الطوالبة أن تشابك المصالح والعلاقات العالمية يجعل أي حرب في منطقة ما مؤثرة على الجميع، خصوصًا في مجالات الغذاء والطاقة. وأشار إلى أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية في عدد من الدول العربية جاء بعد اندلاع العدوان على غزة، وتدخل اليمن لقطع خطوط الإمداد للكيان عبر الممرات البحرية القريبة. وحذّر من أن استمرار العدوان سيؤدي إلى تفاقم الأزمات المعيشية والاقتصادية. سلاسل التوريد كسلاح سياسي واعتبر الطوالبة أن الضغط على سلاسل التوريد أصبح يُستخدم كسلاح سياسي غير مباشر. وقال إن إيران، كدولة ذات سيادة، تمارس حقها المشروع في الدفاع عن نفسها في وجه ما وصفه بـ'العدوان الصهيوأميركي المشترك'. في المقابل، أشار إلى أن الكيان الصهيوني لم يلتزم يومًا بالقوانين الدولية، بما فيها تلك المتعلقة بحرية مرور الغذاء والمساعدات، مستشهدًا بحصاره المفروض على غزة ومنع دخول الإمدادات الإنسانية. مخاوف من التلوث الإشعاعي .