
هل حسم ترامب قراره بشأن ضرب إيران؟
مع تحرّك القوات الأميركية نحو المنطقة، بات مسار الصراع المتسارع بين إسرائيل وإيران مرهونًا بسلسلة من القرارات الإستراتيجية التي ستُتخذ في الأيام أو الأسابيع المقبلة.
وبالنظر إلى أن إسرائيل، على الأرجح، لن تتمكن من تدمير البرنامج النووي الإيراني بالكامل بمفردها، فإن إغراء تدخل الولايات المتحدة لاستكمال المهمة سيزداد مع تضاؤل فرص الحلول الدبلوماسية.
وقد عبّر الرئيس دونالد ترامب عن تفضيله "نهاية حقيقية" لهذا الصراع، مما قد يدفعه إلى اتخاذ خطوة حاسمة بدلًا من ترك الأمور معلّقة بشأن مصير الطموحات النووية الإيرانية. ومن وجهة نظره، فإن "النهاية الحقيقية" تتطلب تدمير البرنامج الإيراني لتخصيب اليورانيوم، عبر الحرب أو عبر إخضاع قادة البلاد.
البرنامج النووي الإيراني.. مسار حافل بالخيارات
يعكس مسار البرنامج النووي الإيراني خلال العقد الماضي سلسلة من القرارات الحاسمة، بدءًا من توقيع جميع الأطراف على خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، التي هدفت إلى تغليب الدبلوماسية.
فقد فرضت الخطة قيودًا وآليات رقابة، ورغم أنها لم تكن مثالية، فإنها طمأنت المجتمع الدولي إلى أن إيران لن تستطيع تطوير سلاح نووي بسرعة أو من دون اكتشاف.
بيدَ أن الولايات المتحدة، في عام 2018، قررت الانسحاب من الاتفاق بشكل أحادي الجانب، وزادت من وطأة العقوبات ضمن حملة "الضغط الأقصى" على أمل التوصل إلى اتفاق "أفضل"؛ وذلك رغم التزام إيران الواضح بكل بنود الاتفاق، وكل المؤشرات التي أكدت أن الاتفاق كان يعمل بنجاح.
ومع تنصل الولايات المتحدة من التزاماتها، تخلت إيران عن القيود التي التزمت بها بموجب الاتفاق، ووسّعت من قدرتها على تخصيب اليورانيوم، واقتربت تدريجيًا من العتبة التي تتيح لها امتلاك قدرة على صنع سلاح نووي.
مع ذلك، وعلى مدى ما يقرب من 7 سنوات منذ انهيار الاتفاق، لم تتخذ إيران قرارًا فعليًا بالسعي نحو امتلاك سلاح نووي، وهو ما أكّدته تقديرات الاستخبارات الأميركية في وقت سابق من هذا العام.
وفي جولة المفاوضات الأخيرة، فرضت إدارة ترامب مهلة زمنية مدتها 60 يومًا انتهت مؤخرًا، لتُعلن إيران بعدها عن قيامها بإجراءات استفزازية تهدف إلى تعزيز قدراتها النووية.
وكان من المقرر عقد جولة جديدة من المحادثات، غير أن إسرائيل رأت أن الفرصة تضيق، فبادرت بالتحرك.
الهجوم الإسرائيلي.. نافذة إستراتيجية لن تتكرر
رأت إسرائيل في اللحظة الراهنة نافذة إستراتيجية آخذة في الانغلاق، فأطلقت حملة عسكرية مخططًا لها مسبقًا ضد البرنامج النووي الإيراني. وكانت قدرة إيران على الرد ضعيفة إلى حد غير مسبوق منذ عقود: فحزب الله مشلول عمليًا، وحركة حماس محاصَرة، وتدخل سوريا لم يعد مطروحًا.
وبعد أن تصدت إسرائيل لهجوم صاروخي إيراني واسع النطاق في أكتوبر/ تشرين الأول 2024 بدعم تحالف دولي، رجّحت أنها قادرة على تحمّل أي رد إيراني جديد.
يضاف إلى ذلك أن التطورات الحديثة في تكنولوجيا الطائرات المسيّرة المحمولة وتكتيكات استخدامها، مكّنت إسرائيل من تنفيذ خطة لتعطيل الدفاعات الجوية الإيرانية، وهو أمر قد لا يتكرر لاحقًا مع تطور أنظمة التصدي للطائرات المسيّرة.
وفي ظل إدارة أميركية ودودة للغاية (وربما متساهلة)، اقتنصت إسرائيل الفرصة لتوجيه الضربة.
أهداف غامضة ومحدودية القدرات
مع ذلك، لا تزال أهداف إسرائيل من هذه العملية غير واضحة المعالم. فبينما تُفضل تل أبيب حدوث تغيير في النظام الإيراني، فإن تاريخ التدخل الأميركي في الشرق الأوسط أثبت صعوبة تحقيق مثل هذا الهدف، لذا، وكما أشار محللون من أمثال تريتا بارسي، فإن الأرجح أن إسرائيل تأمل في "انهيار النظام" بدلًا من إسقاطه بشكل مباشر.
وإذا كان الهدف هو إطالة المدة التي تحتاجها إيران لامتلاك سلاح نووي (breakout time)، فقد يكون هذا ممكنًا، لكنه في نهاية المطاف قد يكون عديم الجدوى إذا دفع إيران في النهاية إلى اتخاذ قرار بإنتاج قنبلة نووية.
أما إذا كان الهدف هو تدمير البرنامج النووي الإيراني بالكامل، فإن معظم المحللين يجمعون على أن إسرائيل غير قادرة على ذلك من الناحية العسكرية، إذ لا تملك القوة أو المعدات الكافية. أما الولايات المتحدة، من الناحية النظرية، فتمتلك تلك الإمكانية.
منشأة فوردو.. العقدة الأصعب
تكمن كبرى العقبات في منشأة تخصيب اليورانيوم الإيرانية في فوردو، والتي تقع داخل جبل عميق. لا تمتلك قوات الدفاع الإسرائيلية ذخائر خارقة للتحصينات قادرة على النفاذ عميقًا لتدمير هذه المنشأة.
في المقابل، تملك القوات الجوية الأميركية قنبلة "GBU-57A/B" (السلاح الضخم لاختراق التحصينات)، وهي قنبلة تزن 30 ألف رطل ويقال إنها قادرة على اختراق ما يصل إلى 200 قدم من الخرسانة المسلحة.
وقد صُممت هذه القنبلة خصيصَى لضرب المنشآت المحصّنة تحت الأرض، وتمنح فرصة قوية لتدمير منشأة فوردو، وإن كان ذلك سيتطلب غالبًا عدة ضربات متتالية. وتبقى الطائرة الوحيدة القادرة على حمل هذا السلاح هي القاذفة الشبح "B-2 Spirit"، مما يعني أن الولايات المتحدة وحدها تستطيع تنفيذ هذه المهمة.
أما إسرائيل، فعلى الرغم من عجزها عن تدمير المنشأة مباشرة، فقد تسعى إلى استهداف مداخل ومخارج المنشأة، أو الأنفاق والتهوية والبنية الكهربائية الداعمة، بما يقلل من فاعلية المنشأة، أو يدمّر أجهزة الطرد المركزي في الداخل.
غير أن مثل هذه الهجمات ستتطلب تكرارًا دوريًا للحيلولة دون إعادة البناء واستعادة الدفاعات الجوية، وهو سيناريو قد يذكّر بـ"منطقة الحظر الجوي" الدائمة التي فُرضت على العراق بعد حرب الخليج، وهو وضع لا يمكن تحمّله على المدى البعيد.
القرار عند ترامب
وبالتالي، فإن قرار تدمير منشأة فوردو يعود للرئيس ترامب. وتشير استطلاعات الرأي إلى انخفاض التأييد الشعبي لأي هجوم، ولا سيما أن ترامب يمتلك تاريخًا متناقضًا فيما يخص الحروب في الشرق الأوسط، إذ سبق أن أعرب مرارًا عن رغبته في تجنبها. وإذا أرادت الولايات المتحدة تجنّب تعريض قواتها ومصالحها في المنطقة للخطر، فإن البقاء خارج الصراع يبقى الخيار الأفضل.
لكن ترامب معروف أيضًا بتقلب آرائه وتبدّل مواقفه فجأة، وقد أطلق مؤخرًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي تصريحات نارية، متهمًا إيران بالتعنّت في المفاوضات، ومطالبًا بـ"الاستسلام غير المشروط!".
وإذا كانت سياسته المعلنة هي منع إيران من امتلاك سلاح نووي، فإن الخيار العسكري قد يبدو السبيل الوحيد لتحقيق ذلك، خاصة بعد أن يدفع الهجوم الإسرائيلي إيران إلى تسريع جهودها نحو التسلح النووي.
فرصة أخيرة أم فخ إستراتيجي؟
قد يشعر ترامب أيضًا بأن الفرصة سانحة لتدمير البرنامج النووي الإيراني بعد سنوات من إخفاق الدبلوماسية، فقد أدى الهجوم الإسرائيلي إلى شل قدرة إيران على الدفاع الجوي، مما يقلل من خطر استخدام القوات الجوية الأميركية في الهجوم.
كما أن الحشد العسكري الأميركي في المنطقة يجري حاليًا، ظاهريًا لتوفير "خيارات" للرئيس، لكن مع توافر هذه الخيارات، قد يصعب مقاومة إغراء استخدامها لحل المشكلة النووية بشكل نهائي، خاصة إذا استمرت إيران في التمسك ببرنامجها للتخصيب.
خيارات إيران.. التصعيد محفوف بالمخاطر
أما إيران، فمصلحتها الأولى هي إبقاء الولايات المتحدة خارج هذا الصراع، فالتصعيد إذا خرج عن السيطرة قد يجر هجومًا أميركيًا لا قِبَل لها به. وإذا ردّت إيران على الهجمات الإسرائيلية بضرب القوات الأميركية أو مصالحها -كاستهداف قواعدها في المنطقة أو إغلاق مضيق هرمز- فمن المرجح أن ترد واشنطن عسكريًا.
غير أن ضرب المنشآت النووية الإيرانية سيُسقط أيّ تحفظ كانت طهران تبديه في استهداف المصالح الأميركية، وسيوسّع حتمًا رقعة النزاع ليصبح إقليميًا.
وقد ترتكب إيران خطأ إستراتيجيًا إذا أغلقت مضيق هرمز، إذ قد يحرّك ذلك تحالفًا عربيًا ضدها، تحالفًا لا يهتم كثيرًا برأي الشارع تجاه إسرائيل، بقدر ما يركّز على مصالحه الاقتصادية المباشرة.
فخلافًا لحرب الخليج الأولى التي حرصت فيها الولايات المتحدة على إبقاء إسرائيل خارج المعركة؛ حفاظًا على وحدة التحالف، فإن تهديد إيران لمصالح جيرانها قد يجعل الغضب من إسرائيل أمرًا ثانويًا.
المشهد غير محسوم حتى اللحظة الأخيرة
اليقين الوحيد في هذه اللحظة هو "اللايقين"، فحتى الرئيس ترامب نفسه قال إنه لا يعلم إن كان سيوجه ضربة إلى إيران أم لا. ومع أن نيته المُعلنة هي إيجاد حل دبلوماسي للأزمة، فإن الهجوم الإسرائيلي قد غيّر جذريًا من طبيعة البيئة السياسية والعسكرية، وأعاد حسابات كل الأطراف المعنية.
لقد أجبرت التهديدات العسكرية، مصحوبة بالضغوط الاقتصادية، إيران على التفاوض في عامي 2015 و2025. لكن، وبما أن العمل العسكري قد بدأ فعليًا، فقد تغيّرت معادلة الحلول المقبولة لجميع الأطراف.
وقد يختار ترامب التريّث لتقييم نتائج الحملة الإسرائيلية، أو الانضمام لضمان تدمير منشأة فوردو، أو استخدام التهديد العسكري كأداة لفرض شروطه.
وفي خضم كل ذلك، لا أحد يمكنه الجزم بما سيحدث. وكما يقول ترامب دائمًا: "سنرى ما سيحدث".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 33 دقائق
- الجزيرة
أردوغان: أطماع نتنياهو تجر العالم إلى كارثة مثلما فعل هتلر
اتهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إسرائيل بأنها العنصر الذي يعمل على عدم الاستقرار ليس في المنطقة فحسب، بل في العالم، وقال إن الأطماع الصهيونية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هدفها جر العالم إلى كارثة، مثلما فعل الزعيم النازي أدولف هتلر. وأشار أردوغان إلى أن الشرارة التي أشعلها هتلر أحرقت العالم قبل 90 عاما، فإن أطماع نتنياهو الصهيونية لا تهدف إلا إلى دفع العالم نحو كارثة مماثلة، وأكد أن هجمات إسرائيل على غزة ولبنان واليمن وسوريا ومؤخرا على إيران لا يمكن وصفها إلا بأنها قرصنة. وقال الرئيس التركي -في كلمة له خلال اليوم الأول من أعمال الدورة الـ51 لوزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي في إسطنبول- إن إسرائيل تستفيد من التفرقة وعدم عمل أعضاء المنظمة سويا. وركّز في كلمته على غزة وقال إن ما تقوم به إسرائيل من تدمير هو بدعم غربي وضوء أخضر من حلفائها وإنها تستقوي بهم. وفي ما يتعلق بالمواجهة بين إسرائيل وإيران، قال أردوغان إن تل أبيب لم ترد لإيران التوصل إلى اتفاق بشأن برنامجها النووي ، مشيرا إلى أن إسرائيل شنت حربها في خضم المفاوضات مع الأميركيين. ودعا الرئيس التركي أعضاء المنظمة إلى الوحدة والعمل على تعرية إسرائيل أمام العالم، وحذر مما وصفها بمحاولة إعادة هيكلة المنطقة ضمن نظام سايكس بيكو جديد، مؤكدا أن تركيا لن تسمح بذلك. وأضاف أن السكوت عن سياسات إسرائيل العدوانية في فلسطين أدى إلى توسيع عدوانها بالمنطقة. "كارثة تامة" وقبل ذلك اتهم وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إسرائيل بجر المنطقة إلى "كارثة تامة"، في اليوم التاسع من الحرب بين تل أبيب وطهران. وأضاف فيدان في قمة منظمة التعاون الإسلامي "ليس هناك مشكلة فلسطينية، لبنانية، سورية، يمنية، أو إيرانية، بل هناك بوضوح مشكلة إسرائيلية"، داعيا إلى وقف "العدوان غير المحدود" ضد إيران. وقال متحدثا إلى نظرائه من دول منظمة التعاون الإسلامي "علينا أن نمنع الوضع من التحول إلى دوامة عنف تشكّل المزيد من الخطر على الأمنين الإقليمي والعالمي". وانطلقت اليوم في إسطنبول أعمال الدورة الـ51 لمجلس وزراء خارجية الدول الأعضاء بمنظمة التعاون الإسلامي برئاسة فيدان. ووفق مراسل الأناضول، يشارك في الدورة التي تستمر يومين، نحو 40 مسؤولا على مستوى رئيس حكومة ووزير خارجية. كما يحضر نحو 1000 مشارك من الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي البالغ عددها 57 دولة، إضافة إلى المؤسسات التابعة للمنظمة والدول المراقبة ومنظمات دولية أخرى.


الجزيرة
منذ 33 دقائق
- الجزيرة
رئيس وزراء قطر يبحث مع عراقجي العدوان الإسرائيلي ويشدد على الجهود الدبلوماسية
قالت الخارجية القطرية إن رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني بحث -اليوم السبت، مع وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي – آخر المستجدات في المنطقة، ولا سيما العدوان الإسرائيلي على إيران. وأوضحت أن الشيخ محمد بن عبد الرحمن جدد -خلال اللقاء- وعلى هامش أعمال الدورة الـ51 لمجلس وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي في إسطنبول "إدانة قطر للعدوان الإسرائيلي على الأراضي الإيرانية باعتباره خرقا للقانون الدولي". وأضافت الخارجية القطرية -في بيان- أن رئيس الوزراء أكد أن الدوحة تبذل جهودا حثيثة مع شركائها للحوار بين كافة الأطراف مشددا على ضرورة تضافر الجهود الإقليمية والدولية لخفض التصعيد عبر الدبلوماسية. وأمس، أكد رئيس الوزراء القطري خطورة استهداف إسرائيل للمنشآت الاقتصادية في إيران، محذرا من تداعياته الكارثية إقليميا ودوليا، لا سيما استقرار إمدادات الطاقة. وأكد الشيخ محمد بن عبد الرحمن على أن اعتداء إسرائيل يقوض جهود تحقيق السلام ويهدد بجر المنطقة لحرب إقليمية، وأعرب عن استنكار دولة قطر للانتهاكات والاعتداءات الإسرائيلية المتكررة في المنطقة. وكانت الخارجية القطرية أفادت -يوم 13 من الشهر الجاري- بأن الشيخ محمد بن عبد الرحمن أجرى اتصالا هاتفيا مع عراقجي بحثا خلاله الهجوم الإسرائيلي على إيران. وأشار البيان القطري حينها إلى تأكيد الدوحة على أن الحوار البناء بين كافة الأطراف يظل السبيل الوحيد لنزع فتيل الأزمات، وحل القضايا العالقة لتوطيد الأمن والسلام المستدام في المنطقة والعالم. ومنذ 13 يونيو/حزيران، تشن إسرائيل هجمات واسعة على إيران استهدفت منشآت نووية وقواعد صاروخية وقادة عسكريين وعلماء نوويين. وردت طهران بإطلاق صواريخ باليستية ومُسيرات باتجاه العمق الإسرائيلي، في أكبر مواجهة مباشرة بين الجانبين.


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
صواريخ إسرائيل الاعتراضية ترهق ميزانيتها ومخاوف من نفادها
القدس المحتلة- في الأسبوع الأول من الحرب المشتعلة بين إسرائيل وإيران، قفزت تكلفة اعتراض الصواريخ الباليستية إلى نحو 5 مليارات شيكل (1.5 مليار دولار)، في ظل تصعيد غير مسبوق على جبهات متعددة. تقف خلف هذه الأرقام منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية، التي توصف بأنها "قصة نجاح" عسكرية رغم كلفتها الباهظة، والتحديات المتراكمة التي ظهرت في فشلها أحيانا في اعتراض صواريخ باليستية أو طائرات مسيرة متفجرة. تشير المعطيات إلى أن تكلفة كل صاروخ اعتراض كما يلي: "حيتس آرو 2" نحو 3 ملايين دولار. "حيتس آرو 3" نحو 2.5 مليون دولار " مقلاع داود" بـ700 ألف دولار. " القبة الحديدية" بـ70 ألف دولار. صاروخ "ثاد" الأميركي، تصل تكلفته إلى 15 مليون دولار للوحدة. ورغم محدودية هذه القائمة، فإنها تكشف بعضا من العبء المالي المتراكم على إسرائيل خلال أسبوع واحد فقط. فحتى مع ما يوصف بـ" الأداء الجيد" نسبيا لمنظومات الدفاع الجوية، فإن تكاليف نجاح الاعتراضات مرتفعة للغاية، وترهق ميزانية إسرائيل. منذ اندلاع الحرب على غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، بلغت كلفة القتال الإجمالية نحو 180 مليار شيكل (51.5 مليار دولار)، بينما خصص للميزانية الدفاعية لعام 2025 نحو 200 مليار شيكل (57 مليار دولار). الحرب مع إيران رفعت مستوى الإنفاق اليومي إلى 1.7 مليار شيكل (490 مليون دولار)، في حين خلفت الهجمات الصاروخية على الجبهة الداخلية أضرارا تجاوزت ملياري شيكل (571 مليون دولار). أما في غزة، فلا تزال العمليات اليومية تكلف نحو 400 مليون شيكل (114 مليون دولار). وسط هذا النزيف المالي، يحذر خبراء الاقتصاد من اقتراب عتبة الضرر الاقتصادي الشامل من حاجز التريليون شيكل (250 مليار دولار)، بسبب تعطل الإنتاج، وتراجع الاستثمارات، واهتزاز السوق المالي، واستنزاف الاحتياطي القومي. وترى صحيفة يديعوت أحرونوت أن كل اعتراض يكلف خزينة الدولة عشرات الملايين يوميا، في حين أن كل صاروخ ينجح في الإفلات من هذه المنظومة قد يحدث دمارا واسعا، ويؤثر على ثقة الجمهور. على الجانب الآخر، فإن كل عملية هجومية ينفذها سلاح الجو الإسرائيلي، مثل إلقاء قنبلة على طهران، ليست مجرد قرار عسكري، بل تحمل معها أثمانا دبلوماسية واقتصادية يصعب التنبؤ بتداعياتها، حسب صحيفة "ذا ماركر". مخزون الصواريخ في ظل هذا الواقع، بدأت تقارير وتحليلات إسرائيلية تحذر من اقتراب نفاد مخزون صواريخ "حيتس آرو"، الذي يعتبر العمود الفقري للدفاع الجوي ضد الصواريخ الباليستية بعيدة المدى. وفي حال استمرت الحرب لأسبوعين أو أكثر، ستكون إسرائيل أمام تحد إستراتيجي كبير. بالرغم من القلق والتحذير المتزايد في الإعلام الأميركي بشأن استنزاف الذخائر الدفاعية الإسرائيلية، فإن تل أبيب نفت نفيا قاطعا صحة تقرير نشرته "صحيفة وول ستريت جورنال" أفاد بأن مخزونها من صواريخ "حيتس- آرو" آخذ في التناقص على نحو مقلق. ورغم نفي الجيش الإسرائيلي تراجع المخزون، فإن التقديرات الأميركية تشير إلى أن إسرائيل قد تصمد ما بين 10 إلى 12 يوما فقط دون دعم مباشر من واشنطن، قبل أن تضطر إلى تقنين استخدام الذخائر، وهذا يعني، حسب القراءات الإسرائيلية أن على الجيش اتخاذ قرارات تكتيكية بشأن ما يجب اعتراضه وما يمكن تجاهله. تكتم إسرائيلي وسط هذه التحذيرات لوسائل الإعلام الأميركية، يتكتم الجيش الإسرائيلي على مخزون الأسلحة وذخائر المنظومات الدفاعية بينها صواريخ "حيتس آرو"، ونقل المراسل العسكري لصحيفة "معاريف" آفي أشكنازي عن مصادر إسرائيلية قولها إن "هذا غير صحيح ولا يعكس الواقع"، مضيفا أن إسرائيل بدأت بالفعل منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تنفيذ خطة "سهام الشمال"، بهدف إدارة الموارد بين الهجوم والدفاع، تحسبًا لصراع طويل ومعقد. ويتضح الآن -حسب أشكنازي- أن "عدد الصواريخ الإيرانية كان أقل مما توقعت التقديرات الأولية: أقل من 100 في اليوم الأول، وعشرات فقط في الأيام التالية". ووفقا لسلاح الجو الإسرائيلي، فإن منظومة الدفاع لا تقتصر على اعتراض الصواريخ في الجو، بل تعتمد أيضا على ضرب مواقع إنتاج الصواريخ ومستودعاتها ومنصات إطلاقها على الأرض، حسب ما أفاد به المراسل العسكري للقناة الـ13 الإسرائيلية، أور هيلر. "لا أحد يتوقع اعتراض كل صواريخ إيران جوا. نملك القدرة على تدمير بعضها على الأرض. هذا جزء من مفهومنا؛ الهجوم جزء من الدفاع"، حسب ما نقله هيلر عن مصدر عسكري إسرائيلي. وحذر هيلر من أن أكثر من نصف ترسانة إيران الصاروخية لم تُفعّل بعد، وأن بعضها مخزن في مستودعات تحت الأرض، مما يعني أن التصعيد قد يكون في بداياته فقط. ووفقا للعميد (احتياط) رام أميناخ، الخبير في اقتصاديات الأمن، فقد بلغت تكلفة الأسبوع الأول من الحرب نحو 12 مليار شيكل (3.5 مليارات دولار)، 5 مليارات شيكل للدفاع، و3 مليارات شيكل للهجوم، والباقي لنفقات إضافية غير معلنة. إعلان ورغم أن الجيش الإسرائيلي -يقول أميناخ للموقع الإلكتروني "واي نت"- لا يكشف عن عدد الصواريخ التي أُطلقت، فإن التقديرات تشير إلى أن إسرائيل أطلقت عددا أكبر من الصواريخ الاعتراضية لضمان النجاح، مما يرفع تكلفة الدفاع الجوي وحده إلى أكثر من ملياري دولار. لكن رغم هذه النفقات -يضيف العميد احتياط- "فلم تستطع المنظومات الدفاعية منع سقوط صواريخ على مراكز مدنية، مما أدى إلى مقتل 25 شخصا ومئات الجرحى، وهو رقم يعتبر مرتفعًا نسبيا في السياق الإسرائيلي". وحسب أميناخ، فإن نسبة الاعتراض تبلغ نحو 90%، لكن الـ10% الباقية قادرة على إصابة أهداف حساسة إذا كانت موجهة نحو مناطق مكتظة، حيث لا يوجد نظام دفاعي يضمن حماية كاملة. "صحيح أن الفشل الجزئي لمنظومات الدفاعية مؤلم ويكلف ثمنا باهظا"، يقول تال شاحاف، مراسل شؤون التكنولوجيا في صحيفة يديعوت أحرونوت، "لكن حتى الآن، تم تفادي السيناريوهات الأشد قتامة". ويرى شاحاف أن إسرائيل نجحت تكتيكيًا في الدفاع، لكنها تواجه مأزقا إستراتيجيًا. فهي ربما تربح جولة في المعركة التكنولوجية، لكنها قد تخسر في ميدان الاقتصاد الوطني وردعها الإقليمي، إن استمر الاستنزاف. ويضيف: "اقتصاد الاعتراض بات سياسة، مع كل تهديد يطرح السؤال: هل نطلق 'حيتس' بملايين الدولارات؟ أم نراهن على بديل أرخص؟". وخلص إلى القول: "في النهاية، تبقى المعركة مفتوحة على جبهات عدة، والرهان لم يعد فقط على من يعترض أكثر، بل على من يصمد أطول، اقتصاديا وعسكريا وإستراتيجيا".