
ما بعد الضربة الأمريكية على إيران
عكست الضربات الأمريكية ضد المنشآت النووية الإيرانية الرئيسية الثلاثة، نطنز وفوردو واصفهان، استراتيجية الرئيس ترامب فى التعامل مع إيران والتى ارتكزت على مفهوم الخداع الاستراتيجى. فقد جاءت مهلة الرئيس ترامب بشأن قرار المشاركة أو عدم المشاركة العسكرية فى الحرب الإسرائيلية الإيرانية خلال أسبوعين, فى إطار إعطاء فرصة للحوار والدبلوماسية وامكانية التوصل لاتفاق حول البرنامج النووى الايرانى، بينما اتخذ قرار الضربة العسكرية والتى كانت لكل المراقبين متوقعة فى اى لحظة، وهو ما تكرر فى شهر أبريل الماضى عندما منح ترامب الايرانيين مهلة شهرين للتوصل إلى اتفاق نووى جديد وفقا للشروط الأمريكية، وإما مواجهة عواقب وخيمة بما فيها الخيار العسكرى والذى بدا انه كان محتوما ومنسقا مع إسرائيل فى إطار نظرية تبادل الادوار بينهما. فبعد انتهاء مهلة الشهرين أعطى ترامب الضوء الاخضر لإسرائيل لشن الهجمات على الاهداف الايرانية بما فيها المنشأت النووية، والتى استعصى بعضها على الطائرات والقنابل الاسرائيلية خاصة منشأة فوردو المحصنة تحت الجبال وتتطلب القدرات العسكرية الامريكية خاصة القنابل الخارقة للتحصينات الت ى تطلقها القاذفة الاستراتيجية بى2. انخراط أمريكا فى الحرب جاء فى اطار تحقيق التوازن بين هدفين متناقضين, الأول عدم الانخراط فى الحروب العسكرية وتقليل النفقات الأمريكية الخارجية فى إطار شعاره «جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى», والثانى هو دعمه لإسرائيل بحكم التحالف الإستراتيجى والعلاقات القوية بين البلدين. وفى هذا الإطار جاءت الضربات الأمريكية ضد المنشآت النووية بشكل مركز ومحدود لتحقيق هدف ترامب الأساسى والإستراتيجى وهو منع إيران من امتلاك الأسلحة النووية وتفكيك برنامجها, وجاءت بعد إعطاء الإيرانيين فرصة للعودة للمفاوضات والقبول بالشروط الأمريكية المتمثلة فى التوصل إلى اتفاق أقرب إلى الاستسلام غير المشروط, وتصفير برنامج إيران النووى عبر وقف التخصيب داخل أراضيها واستبداله بإنشاء اتحاد إقليمى لتخصيب اليورانيوم خارج إيران ويزودها باليورانيوم المخصب والوقود النووى اللازم لتشغيل بعض المفاعلات النووية الإيرانية للأغراض السلمية, وكذلك تخلص إيران من كمية اليورانيوم المخصب التى بحوزتها وتصل إلى أكثر من 400 كليو جرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% وأن تتخلص طهران أيضا من أجهزة الطرد المركزى الحديثة خاصة آى آر 4 وآى آر 6, أى تفكيكا كاملا للقدرات النووية الإيرانية وضمان عدم قدرتها مستقبلا على امتلاك السلاح النووى وهو ما تعارضه إيران التى تتمسك بحقها فى التخصيب للأغراض السلمية. راهن ترامب على أن الضربات العسكرية الإسرائيلية ضد إيران سوف تدفعها للقبول باتفاق نووى وفقا للشروط الأمريكية, لكن امتصاص إيران للهجمات الإسرائيلية المباغتة والموجعة خلال اليوم الأول من الحرب, واستعادتها لزمام الأمور وتوجيه ضربات موجعة لإسرائيل عبر الصواريخ الباليستية الفرط صوتية والتى زادت على خمسمائة صاروخ, وأصابت العمق الإسرائيلى خاصة منطقة تل أبيب الكبرى وحيفا شمالا وبئر السبع والنقب جنوبا, وسقوط عشرات القتلى ومئات الجرحى, قد غير المعادلة وأربك حسابات ترامب, حيث بدا أن إيران قادرة على الدخول فى حرب استنزاف طويلة مع إسرائيل لن يتحملها الداخل الإسرائيلى بحكم التركيبة الجغرافية والديمغرافية لإسرائيل وهو ما بدا يشكل ضغطا على حكومة نيتانياهو وعلى الرئيس ترامب، ولذلك سارع الرئيس ترامب إلى توجيه الضربات لسرعة حسم الحرب. حيث تختلف الاهداف الأمريكية عن الاهداف الاسرائيلية، حيث تركز أمريكا على تفكيك البرنامج النووى الايرانى لمنع امتلاك إيران من السلاح النووى، إما بالمفاوضات أو عبر القوة العسكرية كما حدث امس، ولا تريد التصعيد حيث أكد الرئيس ترامب فى بيانه بعد الضربات انه لن يكرر الضربات ويسعى لصنع السلام ليلقى الكرة فى ملعب الإيرانيين للتوصل إلى اتفاق مع أمريكا، بينما فى المقابل تسعى حكومة نيتانياهو إلى توسيع اهداف الحرب لتشمل إلى جانب المنشآت النووية ومصانع إنتاج الصواريخ الباليستية ومنصات إطلاقها، إسقاط النظام الايرانى. سعى ترامب خلال الفترة السابقة إلى تهيئة البيئة الداخلية والتغلب على الانقسامات الداخلية, ما يبن مؤيد ومعارض للتدخل العسكرى الأمريكى فى الحرب بشكل مباشر, رغم أن أمريكا منخرطة بالفعل بشكل غير مباشر عبر الدعم الاستخباراتى واللوجيستى لإسرائيل ومساعدتها فى التصدى للصواريخ الإيرانية, كما سعى ترامب إلى تهيئة البيئة الدولية، وإيجاد مبررات الضربات الأمريكية، التى تتمثل فى أنه منح الإيرانيين فرصة للدبلوماسية والتوصل إلى اتفاق، ولكنهم رفضوا, كما سيبرر الضربات بأن إيران على وشك إنتاج الأسلحة النووية خلال أسابيع قليلة، وأنه اضطر لمنعها من ذلك, خاصة أن تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية يصب فى هذا الاتجاه حيث أشار إلى انتهاك إيران لالتزاماتها وفقا لمعاهدة الانتشار النووى. لكن الضربات الأمريكية المحدودة باستهداف المنشأت النووية الايرانية قد لا يسير وفقا لما يريده ترامب, فقد تنجرف أمريكا لحرب واسعة وممتدة, خاصة أن هذه الضربات قد تزيد من نطاق وأطراف الحرب فى ظل رد الفعل الإيرانى واحتمالات استهداف المصالح والقواعد الأمريكية فى المنطقة سواء بشكل مباشر أو عبر أذرعها وحلفائها خاصة الميليشيات فى العراق والحوثى فى اليمن وحزب الله فى لبنان، وهو ما سيدفع أمريكا للرد على الرد الإيرانى. إضافة إلى التداعيات الاقتصادية السلبية المتمثلة فى ارتفاع أسعار النفط واحتمالات إغلاق إيران لمضيق هرمز, إضافة إلى التداعيات الأمنية واستهداف القوات والمصالح الأمريكية فى المنطقة ومخاطر انتشار الإشعاع النووى. وفى كل الأحول نحن أمام مشهد معقد فى الشرق الأوسط ومرحلة جديدة من التصعيد الذى سيكون له تداعيات خطيرة على المنطقة, خاصة بعد أن دخلت أمريكا عسكريا على الخط.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الصباح العربي
منذ 37 دقائق
- الصباح العربي
اخبار حرب ايران واسرائيل الان - عودة قاذفات B-2 إلى ميزوري تثير جدلاً واسعًا بعد ضرب المواقع النووية الإيرانية
وصل طيارو قاذفات B-2 إلى قاعدة عسكرية في ولاية ميزوري الأميركية عقب تنفيذ ضربات جوية استهدفت منشآت نووية داخل الأراضي الإيرانية، حيث نشر الرئيس الأميركي دونالد ترامب مقاطع مصورة ترصد لحظة عودتهم، ووجه إليهم رسالة شكر مشيدًا بما وصفه بـ"الأداء المذهل" خلال تنفيذ المهمة. واستخدم ترامب، عبر حسابه الرسمي على منصة "تروث سوشيال"، لهجة تصعيدية تجاه النظام الإيراني، حيث تساءل بشكل غير مباشر عن جدوى استمراره، ملمحًا إلى ضرورة التغيير في حال فشلت السلطات الإيرانية في الارتقاء بالبلاد إلى المكانة التي تستحقها، دون أن يذكر بشكل صريح الدعوة إلى إسقاط النظام، مكتفيًا بالقول إن مصطلح "تغيير النظام" لم يعد محبذًا سياسيًا، لكن الواقع يفرض طرحه. وأكد ترامب في منشوراته أن القوات الأميركية نفذت ضربات عالية الدقة على منشآت نووية حساسة داخل إيران، مشيرًا إلى أن الجيش الأميركي أظهر احترافية متقدمة في تنفيذ العملية، وأن النتائج الميدانية أوضحت حجم الضرر الذي طال تلك المنشآت، واصفًا الخسائر التي لحقت بالمواقع الإيرانية بأنها "كبيرة للغاية". وسلطت شبكة "فوكس نيوز" الضوء على دور نسائي في العملية، كاشفة عن تولي قائدة أميركية مسؤولية إحدى قاذفات B-2 التي قصفت منشأة فوردو النووية، وهي المنشأة التي تقع على عمق كبير تحت الأرض وتُعد من أبرز مراكز تخصيب اليورانيوم في إيران. وفي وقت سابق، تحدث ترامب عن الضربة الأميركية عبر بيان رسمي، مؤكدًا أن الهجوم استهدف ثلاث مواقع نووية مركزية شملت مجمعات في فوردو، نطنز وأصفهان، وأشار إلى أن قاذفات الشبح أسقطت حمولتها الكاملة من القنابل على فوردو، ما يعكس الطابع الحاسم للعملية التي نُفذت تحت غطاء من السرية والتخطيط المشترك بين أفرع مختلفة من الجيش الأميركي.


الصباح العربي
منذ 37 دقائق
- الصباح العربي
اخبار حرب ايران واسرائيل الان - خامنئي: القواعد الأمريكية المشاركة في الهجمات أصبحت أهدافًا مشروعة
حذر المرشد الأعلى، علي خامنئي، من أن جميع القواعد الأمريكية التي شاركت في الضربات ضد إيران أصبحت الآن أهدافًا مشروعة، مؤكّدًا على وجوب الرد الفوري والحاسم. فيما أشار دبلوماسيون لوكالة 'رويترز' إلى أن فرص التفاوض بين واشنطن وطهران أصبحت ضئيلة، موضّحين أن شرط وقف طهران برنامج تخصيب اليورانيوم خلق فجوة كبيرة في أي مشاورات مستقبلية، مؤكدين أن الجانب الأميركي لم يُخطر حلفاءه الأوروبيين - بريطانيا وفرنسا وألمانيا - بشن الضربات قبل تنفيذها. وأضاف هؤلاء الدبلوماسيون أنه لا يتوقع عقد جولة جديدة من الحوار المباشر بين الطرفين، وأن أي محادثات مستقبلية يجب أن تمر عبر وسطاء إقليميين، مما يزيد من التعقيد في مسار التوصل إلى حل دبلوماسي. وفي تصريح صادر عن وزارة الخارجية الإيرانية، أكد المتحدث باسمها، إسماعيل بقائي، أن طهران مستعدة للدفاع عن سيادتها بكل الوسائل، مستندة في ذلك إلى الفقرة 51 من ميثاق الأمم المتحدة ومعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، معتبرةً أن لكل دولة الحق في حماية أمنها الوطني وأراضيها من أي اعتداء.


الصباح العربي
منذ 37 دقائق
- الصباح العربي
اخبار حرب ايران واسرائيل الان - طهران تُحبط محاولة استهداف مصنع طائرات وتعتقل عملاء أجانب في أصفهان
أعلنت السلطات الإيرانية، في وقت مبكر من صباح الإثنين 23 يونيو 2025، عن إفشال مخطط وصفته بالخطير كان يستهدف منشأة صناعية متخصصة في إنتاج الطائرات بمحافظة أصفهان، وكشفت عن توقيف أفراد قالت إنهم يعملون لصالح جهاز الاستخبارات الأوكراني، كانوا ينوون تنفيذ الهجوم ضمن سلسلة من التطورات الأمنية التي تشهدها البلاد مؤخرًا. وأوضحت مصادر أمنية أن القوات المختصة نفذت عملية دقيقة أسفرت عن إحباط المخطط قبل دخوله حيز التنفيذ، حيث تمكنت من توقيف المجموعة المعنية ومصادرة المعدات التي كانت بحوزتها، في خطوة اعتبرتها طهران جزءًا من مواجهة أكبر ضد محاولات اختراق أمنها الداخلي عبر شبكات تجسس أجنبية. في سياق متصل، أفادت الجهات المعنية في وزارة الداخلية الإيرانية أنها أسقطت 16 طائرة مسيّرة خلال الأيام الأخيرة، وأكدت أنها كانت تابعة للجيش الإسرائيلي، كما أوقفت 24 فردًا متهمين بالتخابر مع جهاز الموساد، وجرى ضبطهم في مناطق متعددة غرب العاصمة طهران، في عمليات وصفت بأنها جاءت استكمالًا لحملة أوسع تستهدف البنية الأمنية للبلاد. وفي المقابل، ذكرت شبكة "سي إن إن" الأميركية، نقلًا عن مصادر مطلعة، أن الغارات الجوية الأميركية التي نُفذت مؤخرًا لم تستخدم قنابل خارقة للتحصينات ضد منشأة أصفهان النووية، بعكس ما حدث في مواقع أخرى مثل "فوردو" و"نطنز"، وأشارت إلى أن المنشأة لا تزال على الأرجح في وضع تشغيلي، ما يثير القلق بشأن استمرار تطوير برنامج نووي قد يمتد لاستخدامات عسكرية مستقبلًا. بدورها، أصدرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بيانًا أكدت فيه تسجيل أضرار طالت مداخل الأنفاق الواقعة أسفل مجمع أصفهان النووي نتيجة الضربات الجوية الليلية، وأوضحت أن فرقها لاحظت تضررًا في البنية التحتية للموقع، دون أن توضح مدى تأثير هذه الأضرار على النشاط النووي بداخله، مكتفية بالإشارة إلى أن التحقيقات ما زالت جارية. وتشير معلومات سابقة وردت في تقارير دولية إلى أن منشأة أصفهان تُعد من أكثر المواقع تحصينًا في إيران، حيث جرى تخزين كميات كبيرة من اليورانيوم عالي التخصيب في أنفاق تحت الأرض، وهو ما يمنحها أهمية استراتيجية بالغة في أي مفاوضات محتملة تتعلق بالملف النووي، خصوصًا في ظل تصاعد التوتر الإقليمي وتكثف النشاطات الاستخباراتية على الأراضي الإيرانية.